Alef Logo
دراسات
              

استشراق أم عبث؟ حالة روبرت سبنسر

حمود حمود

خاص ألف

2012-10-22

للمرء أن يتساءل عن شخصية مثل روبرت سبنسر: ما لذي يريده بالضبط؟.... الحقيقة؟ ربما من الصعب الجزم بذلك؛ وهذا رغم أنه هو نفسه قد عنون لكتاب له سنة 2006 موحياً بأنه يقول الحقيقة: «The Truth About Muhammad». وقد عنون لهذا الكتاب بعنوان فرعي: «مؤسس [محمد] أشد الأديان العالمية لاتسامحاً». لكن كلمة «مؤسس» تختفي من كتابه الذي صدر حديثاً منذ أشهر في نيسان (أبريل) 2012 ليصدّره بعنوان تساؤلي عن وجود «المؤسس» نفسه! (1) « Did Muhammad Exist?».
ليس هناك نقلة فكرية في ذهن الرجل بخصوص كتابه الأول وكتابه الأخير حتى نقول أنّ عقله يشهد تطوراً نقدياً. فالرجل بالأصل يعمل وفق البارادغم الأميركي المحافظ الذي يشتغل على مكافحة الإرهاب. وهو يحتل عدة وظائف بين الدفاع العسكري الأميركي والاستخباراتي...الخ، ومختص بشؤون الإرهاب والإسلام؛ وفضلاً عن ذلك، إنه هو المدير للموقع الإلكتروني المشهور «Jihad Watch». هل لنا أن نتخيل لمن يطلع على الموقع وسياسته اللانقدية أنّ مديره، صاحب النّفَس العسكري، أنْ يكتب بشأن التراث وبالأخص بشأن السيرة النبوية! هل لنا أن نتخيل أنه –العسكري الأميركي- هو من يعلن في بداية كتابه: بأن الوقت قد حان للإضاءة على تاريخ محمد والقرآن! إلا أنّ الذي يبدو بأنّ الرجل قد توصل إلى اقتناع بدأ يسود مؤخراً عند بعض النخب الأميركية بأنه بدون مكافحة «أصول الإسلام»، فلا يمكن مكافحة الإرهاب. لكن للأسف، لا الموقع وكتب سبنسر «الإرهابية» قد نجحوا في مكافحة الإرهاب، ولا حتى كتابه الأخير قد نجح في مجرد الاطلاع على أصول الإسلام حتى نقول أنه نجح في مكافحتها!
ليس ذلك اعتراضاً على الرجل أنه ليس من حقه دراسة الإسلام لمجرد أنه شخص عسكريّ النزعة ومختص في مكافحة الإرهاب؛ لكنْ قليلاً من النقد والرؤى المنهاجية كان من المفترض به أن يُمرّن بها ذهنيته قبل أن يبدأ مجرد التفكير في قراءة التراث، وهذا رغم قوله في كتابه الأخير أنه عكف عشرين سنة وهو يدرس الإسلام. لكن للأسف مرة أخرى، يبدو أنّ الرجل كان يدرس الإسلام من الأبواب الخلفية.
ما هو ملفت عند بعض عصبة المشككين الراديكاليين (ولنا مثال آخر كذلك، هو جيرالد هاوتينغ في كتابه «فكرة الوثنية») أنهم قبل أن يبدؤوا بتشكيكهم، «يحاولون» (نشدد على كلمة يحاولون) التعلق بحبال إيغناس غولدزيهر أولاً، ثم جوزيف شاخت ثانياً، ثم تكرُّ القائمة بدأ من جون وانسبرو ومايكل كوك وانتهاء بـ باتريشا كرون...الخ.
لكنْ، لندع القائمة الأخيرة قليلاً جانباً؛ إنه ليس مفاجئاً النتيجة التي خرج بها سبنسر بأنه ليس هناك نبي للعرب يدعى محمداً! (ذلك أننا نقرأها بين الفينة والأخرى عند بعض النقاد والمستشرقين، إنْ تلميحاً أو تصريحاً)، بل المفاجئ أنه اعتمد بنحو كبير على غولدزيهر كما قال، وقد قرأه جيداً، ثم يخرج علينا بتلك النتيجة؛ وكذلك الأمر أن يخرج علينا بنتيجة مفادها أنه ليس هناك قرآن عربي بدأت ولادته في بداية القرن السابع الميلادي! فحتى يوحنا الدمشقي الذي ولد في الفترة الوليدة للدولة الإسلامية (676، توفي 749)، ومعظمنا يعلم مواقفه، فحتى حينما يشير يوحنا الدمشقي بنحو واضح إلى سورة النساء أو سورة البقرة من غير ذكر لفظة القرآن، فإنّ ذلك يعني عند سبنسر أنه غير موجود!
ماذا لو كان غولدزيهر على قيد الحياة وقرأ الكتاب؟ ما لنتيجة التي سيخرج بها (وغولدزيهر من أشد المستشرقين الذين يتمتعون بذهن نقدي ثاقب)؟ وفضلاً عن ذلك، ما النتيجة التي سيخرج بها غولدزيهر حينما يقرأ أنّ معاوية بن أبي سفيان، حاكم دمشق، هو شخص مسيحي وليس مسلماً! أو أنّ مكة التي نعلمها اليوم ليست هي بداية الإسلام! أو أنّ محمداً الذي ورد اسمه على قبة الصخرة هو يشير إلى شخص يسوع!! ما أظنه أنّ غولدزيهر سيُصعق حينما يقرأ نتائج الكتاب وكاتبه يستند إليه بنفس الوقت! ما لذي بإمكاننا وصف كلامه هذا بأن اسم محمد الوارد في بعض النقوش المبكرة ليس اسم علم يدل على نبي العرب، إنه بالأحرى «صفة» تدل على «الشخص المحمود» (التعبير هذا حرفيّ له)؛ ومن هو الشخص المحمود؟ إنه المسيح! هل هذا نقد أم عبث؟
لقد وصلت به الدرجة التشكيك حتى باسم مكة الذي أورده بطليموس الإغريقي في «جغرافيته» تحت اسم «ماكورابا Macoraba الذي لم يختلف عليه أيّ من النقاد والمستشرقين بأنه يشير إلى مكة. بالطبع، الرجل، كما سنقول لاحقاً، يأخذ معلوماته من هنا وهناك. والمعلومة الأخيرة كانت قد أثارتها باتريشا كرون في كتابها «التجارة المكية». وليس هذا فقط، بل إننا نزيد على كرون رجلاً آخر (ربما يستفيد منه سبنسر أكثر إذا أراد)، هو دان جيبسون، الذي انطلق بدوره أيضاً من كرون، أصدر كتاباً سنة 2011 تحت عنوان «جغرافية القرآن» يدعي فيه التالي: مكة التي نعلمها من المصادر الإسلامية ليست هي مكة التي نعلمها اليوم، بل هي «بترا الأنباط» (البتراء العربية الأردنية)! أيضاً: هل هذا نقد أم عبث؟ جيبسون أيضاً يقول في كتاباته بنحو تذرعي واعتذاري أنه أقام لسنين في بلاد العرب ودرس النقوش...الخ حتى خرج علينا بتلك النتائج المخيالية.
كتاب سبنسر لا شك ليس مفاجئاً بالنتائج، ذلك أنّ معظمها قالها سواء سابقون أو معاصرون له من النقاد وبعض المستشرقين. فالكتاب بأحسن أحواله هو مجرد «تجميع» لتلك النتائج، والتي لم تتردد وتتباطئ الـ «واشنطن تايمز» (عدد 7 أيار (مايو) 2012) في عرضها للكتاب بوصفها لها بكونها «حقائق». فهي تقول: «إن كتابه ليس جدالياً. إنه بحث جدّي عن الحقائق». ربما نوافق واشنطن تايمز بأنّ الكتاب جدالي لكنْ، باستثناء أنه بحث جدي. إنه تجميع.
لهذا، أجد من المستغرب أنّ سبنسر اللامنهجي هو نفسه من يقف في مجابهة إرنست رينان الذي أشار إلى أن الإسلام خلافاً لغيره من الأديان التي كانت محاطة بالغموض، فإن الإسلام ولد في نور التاريخ: «فجذوره ليست خفية في باطن الأرض، وحياة مؤسسه معروفة عندنا، معرفةَ حياة المصلحين في القرن السادس عشر». إنه يشن الحرب عليه، رغم أنه من الحق نقد رينان ورؤيته، لكن ليس من سبنسر. رجل مثل مونتغمري وات كذلك لم يسلم من لسانه.
نعم، من الصحيح أنّ كلاماً نقدياًَ جدياً قد قيل كثيراً على سيرة ابن اسحق، العارض الأول للسيرة النبوية (أو على الأقل السيرة الأولى التي وصلتنا) والتي نقحها ابن هشام لاحقاً، لكنْ أنْ يأتي النقد من سبنسر، فهذا بحد ذاته اللانقد. لماذا؟ إنه يعنون مثلاً في الفصل الثالث «اختراع محمد» بعنوان فرعي: "إذا كان محمد غير موجود فلا بد من اختراعه"! وهنا يناقش فيه لا مصداقية الأحاديث والسيرة النبوية للواقدي وابن اسحق. لكن قبل ذلك، لقد أفرد صفحات كثيرة من الكتاب وهو ليس من مهمته شيء إلا فقط التشكيك بالنقوش واسم محمد سواء في العملات النقدية أم النقوش الموجودة إلى الآن على قبة الصخرة أو حتى وروده أو الإشارة إليه في الكتابات غير الإسلامية في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي (منذ 660 فصاعداً)، الأول الهجري....الخ إنّ سبنسر حقيقة لا يصدق أي شيء. لكنْ بعد التشكيك حتى باسم محمد على قبة الصخرة، ما لفائدة بعد ذلك في التشكيك بابن اسحق إذا كانت النقوش بحد ذاتها لم تقنع؟
إنه من الصعب وضع سبنسر ضمن قائمة الاستشراق الأميركي الأكاديمي، لا بل حتى ضمن قائمة المستشرقين الذين وصف عملهم فرد دونر بأن درسهم النقدي يتمتع بالفوضى (وهو كان يشير بشكل خاص ضد وانسبرو). فهو بلا شك تجاوز حتى تلك الفوضى الاستشراقية التي عبر عنها دونر. ربما أفضل وصف يمكن أن يوصف به عمل روبرت سبنسر بأنه «عبث لا نقدي» لكن بنزوع عسكري-أميركي.
(1) Robert Spencer, Did Muhammad Exist? : An Inquiry into Islam’s Obscure Origins, 254 pages. ISI Books, Wilmington, DE, 2012.
(*) كاتب سوري

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هل الإسلاموية قدر العرب؟ بقلم عزيز العظمة ـ ترجمة :

21-كانون الأول-2019

هل الإسلاموية قدر العرب؟ عزيز العظمة ترجة:

02-أيلول-2017

هل الإسلاموية قدر العرب؟ عزيز العظمة ترجة:

08-نيسان-2017

هل الإسلاموية قدر العرب؟ بقلم عزيز العظمة ـ ترجمة :

27-آب-2016

عن علاقة محمد بالشعر والشعراء (2/1 )

15-كانون الثاني-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow