Alef Logo
يوميات
              

سيدي الوزير: لا تعتذر !!!

نضال نعيسة

2006-11-26

لا شيء يفرح االمتأسلمين سياسياً، ويرضي غرورهم مثل تنقيب فنانة، أو إرهاب مثقف، واعتزال مفكر، أو تراجع عن رأي، أو امتثال ومجاملة لطروحاتهم. ففي ذروة اندفاع عاطفي وحماسي مواز (ليس حماس فلسطين طبعاً) لتصريحات الوزير فاروق حسني، تعاطف الفنان المصري الكبير مع وزير الثقافة الأستاذ حسني مضيفاُ أن المنقبات هن معاقات ذهنياً. إلا أن ردات فعل عنيفة، واحتجاجات غاضبة أرغمت الفنان الكبير على التراجع عن ذلك.
ولقد شكل هذا نصراً كبيراً للإرهاب الفكري التي تمارسه الجماعات السياسية. وظهر في المقابل أن هذا التراجع، وبهذه الانهزامية السريعة الوجلاء، يشكل أحد وجوه الإعاقة الذهنية، في أسمى مراحلها وكما تحدث عنها بطل الشاشة المعروف. لا بل ذهب الفنان حسين فهمي إلى أبعد من
ذلك، حين أعلن أنه سيقوم بأداء مناسك العمرة قريباً، وذلك محاباة ومراضاة لهم، واتقاءً لشرورهم، ولكي يرفع الحد عنه، والسيف المسلط على رقبة كل كلمة خارجة عما هو مرسوم. وشعر أتباع الجماعة وقادتهم بأن أسلوبهم قد أتى أكله، وحقق غايته في الإبقاء على هذه المجتمعات أسيرة لرؤاهم الضيقة، ومشاريعم الطنانة الرنانة التي ترمي إلى العودة إلى عصور الفانوس، وركب البعير، والسراج.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه مهدي عاكف المرشد العام للجماعة تصريحات الوزير بأنها تخلف إباحي، لا يزال حصار إرهاب العقل والفكر مفروضاً على الأستاذ فاروق حسني الذي بدا بأنه متمسك بموقفه، وبآرائه التي أطلقها، والتي قال فيها بنفس الوقتً أنه لا يدعو إلى خلع الحجاب. إلا أنه لم يبد، حتى اللحظة، أسفاً، أو ندماً، أو تراجعاً عن تصريحه الناري، الذي اعتبر فيه أن ارتداء الحجاب، هو ردة وعودة إلى الماضي. وتمارس الجماعة السياسية، إياها، التي تعتقد أنها تحتكر الإسلام والإيمان لوحدها، وتوزعه هبة ومنة على الناس، شتى أنواع الضغط، والابتزاز، والإرهاب المتوفر لديها، لإقالة الوزير وإجباره تقديم على اعتذار. ذاك التسلط المعتاد الذي مارسته عقوداُ طوالاً على غلابة مصر وفقرائها، ولا تزال تنتظر الضوء الأخضر والفرصة المؤاتية للإطاحة بالوزير الشجاع، ليكون عبرة لغيره، ولكل من تسول له نفسه الأمارة بالتنوير، والعلمنة، والتحديث.
إن استمرار السيد وزير الثقافة المصري على موقفه، هو انتصار لحرية التعبير والرأي والمعتقد الذي يجب أن تسود في كل مكان، و التي لا تحابي فكراً، أو شخصاً، أو جماعة. وأن تكون هذه الحرية مصانة، ومحترمة بموجب القانون. وبغض النظر عن أية آراء متباينة في موضوع لبس الحجاب أو خلعه، الذي يعتبر أمراً شخصياً بحتاً، يجب احترامه، وإدراك خصوصيته. إلا أن خطورة الموقف، برمته، تتأتى من دخول الجماعة على الخط وخشيتها من أن تتعرض وكالتها الحصرية، واحتكارها لطريق السماء، للخطر، وهي التي كانت تفرض بموجبها آراء سياسية. كما أن الحجاب، وبسببها، قد فرغ نوعاً ما من مضمونه، وتحول من كونه طقساً، وشعيرة دينية محترمة، إلى رمز سياسي وشعار يختص به حزب دنيوي بعينه.
الجميع بانتظار ما ستؤول إليه هذه المواجهة الشرسة، وما ذا سيكون عليه رد فعل الحكومة الرسمي، التي وضعت في موقف لا تحسد عليه، وظلت، حتى الساعة، تلعب على جميع الحبال. غير أن تصريحات الوزير النارية تلك تتطلب موقفاً واضحاً، وعملية فرز، واستقطاب لم يسبق له مثيل، من قبل جميع المعنيين بالعملية. فالحكومة، وتجسيداً لمصداقيتها، لا تستطيع أن تتخلى عن وزيرها في أزمة رأي، وترفع الحصانة عنه مجازفة بذلك بخسارة أحد وزرائها البارزين. وفي نفس الوقت، تريد اتقاء غضب الإخوان، وألا تظهر بمظهر الحكومة العلمانية الكافرة المؤيدة لتصريحات الوزير أمام جمهرة المتأسلمين الذين يكتسحون الشارع المصري، بكل ما في ذلك من مغامرة وخطر على مشاريعها السلطوية لجهة استدامة العهد الميمون.
ومهما يكن من أمر، فإن نجاح أو خسارة هذه المعركة، هو بيد الوزير فاروق حسني نفسه. وإن ثباته في موقفه، وتمسكه به، بهذا الشكل القوي، سيعني الشيء الكثير بالنسبة لوضع، ومستقبل حرية الرأي، والتفكير، وتأثير الجماعات، إياها، بشكل عام. ولهذه الجزئية فقط، وإن كان لنا من أية كلمة نقولها في هذا الصدد فهي، وبكل بساطة : "لا تعتذر....يا سيدي الوزير".
محاكم التفتيش
طفح الكيل بوزير الثقافة المصري، الأستاذ فاروق حسني، و"بق البحصة"، وهو يرى بأم عينيه، و"أبيها"، ما آل إليه حال "أم الدنيا"، وأرض الخصوبة، والجمال، التي ألهمت عظماء الكتاب، والفنانين، الشعراء، وأبدعوا فيها ملاحم فنية خالدة باقية على مر الأيام، وهي تصبح أسيرة لعصبة من المستحاثات الفكرية المنقرضة التي تجتر منطق بدوي بائد متخلف، وتتعرض لاغتصاب فكر الإخوان، وتقع، في النهاية، فريسة مستكينة في براثن قوى السلف الوهابية المتخلفة القادمة من عمق الصحراء، حيث القحط، والجدب، واليباس،
والتي تكفلت، وبنجاح، إعادتها قروناً ضوئية إلى الوراء، لتلهيها عن القضايا الإنسانية المصيرية، والعظيمة الكبرى. كما يطفح الكيل، كل يوم، وتفقع المرارات، وتنفجر الأدمغة والشرايين، بتلك الطلائع، والنخب
الفكرية الواعية التي ترى الانهيار، والتردي، والانحطاط العام الذي يلف هذه الأصقاع المنكوبة جرّاء تحالف طغم الاستبداد الديناصورية، مع فقهاء الظلام.
ومن بوادر هذا الانهيار الشامل لمنظومات العقل، وتداعي المنطق، وانحطاط الوعي العام، أن صار رضا، ورواج فتاوى وعاظ السلاطين، وقضايا من مثل الحجاب والنقاب، وتقصير الجلباب، وحف الشوارب، ومنع الاختلاط، ودعاء دخول السوق، والخروج من المرحاض، وشعر العانة، وفقه الغرائز، وتضاريس الفرج، وسر الدبر، وفلسفة النكاح، و"أدلجة" البول والغائط، ولغز الجماع، وموسوعات الإيلاج، هي الشغل الشاغل لأمة المليار، التي لم تتعظ شعوبها وتتربى من كثرة الهزائم والمصائب والاندحار، ولم يعد عندها من قضية، أوعمل تقوم به، واهتمام تتبناه وتدافع عنه، سوى تقمص هذه المظاهر الفارغة من أي مضمون إيماني له علاقة بالله، وهذه القضايا المصيرية الهامة ذاتها، هي أسلحة التدمير الشامل الاستراتيجية التي تتسلح بها في معاركها ضد الصليبيين والزنادقة الكفار. فما كان منه إلا أن أشار، وبأدب واستحياء، إلى أحد هذه المظاهر وهي انتشار الحجاب، والنقاب في هذه المجتمعات كانتشار الرشوة، واللصوصية، والفساد، في صفوف الموظفين، الكبار منهم والصغار، معتبراً إياها ردة ظلامية.
كلمة حق، تستكشف، وتقرأ الواقع بصدق، وشجاعة، وهي في محلها، وفي توقيتها الذهبي الممتاز، نطق بها الأستاذ حسني، ومن موقعه كوزير للثقافة، مؤتمن، ومسؤول مباشرة عن التثقيف الإنساني الرفيع، لا الوضيع الرقيع. ومهمته الأولى نشر الوعي، والعمل على تفتيح عقول الناس، وتهذيبها، ورفع مستواها، لا إغلاقها، وتصحيرها، وإشغالها بصغائر، وتوافه الأشياء. وإني به، وهو يتحسر على مصر أيام الرومانس، والصور الجميلة، والصحوة الحقيقية، ومعانقة الأحلام. مصر أيام زمان، التي نهضت من كبوتها العثمانية، بعد طول نوم وسبات، وبعد أربعمائة عام من عمليات التجهيل، والتسطيح، وغسل الدماغ، والكذب باسم الله، وتمويت العقل التي مارسها "خلفاء" الله العصمليين في الأرض المهجورة اليباب، و"خلـّفوا"، و"بحمد الله"، بعدها، مجتمعات ينهشها الفقر، والجوع، والمرض، والكآبة، والأمية، والجهل، والفساد، وتجتاحها الحروب، والأوبئة، والانقسامات، والمشيخات، وإمارات الطوائف، والنعرات، ويحكمها الباشاوات، والآغاوات، والجهلاء، وتأكلها الصراعات، والثارات، والأحقاد. هذه الخلافة هي نفسها التي يتباكى عليها أزلام، ومريدو الجماعات الدينية، اليوم، ويدعون إلى إعادة إنتاجها، وإحياء تراثها وتشغيله بطاقته القصوى من جديد، بعد أن فعلت فعلها بالبلاد والعباد.
وسيبقى موقف الوزير فاروق حسني الشهم والشجاع، في معركة الصراع بين الثقافة واللاثقافة هذه، واحداً للذكرى والتاريخ، في ظل صمت مطبق، ومريب من أقرانه الآخرين وزراء الفراعنة، وملالي الطالبان، وكسرى أنو شروان، عن هذه المجزرة الفكرية الدائمة، وعمليات الإبادة الجماعية الكبرى المستمرة للعقل البشري التي يمارسها إعلام التضليل الشامل ضد هذه الشعوب، في ظل هذا التواطؤ الرسمي المشبوه مع السحرة، والمشعوذين، والدعاة. ومن مخلفات، ونتائج حملات الإبادة هذه، أن صار كل ما يقترن باسم هذه الأوطان، هو مدعاة للتندر، والسخرية، ومقروناً بالتخلف، والقرف، والانحطاط، والنفور، والاشمئزاز.
وهكذا انتفضت قوى السلف الماضوية، وعلا ضجيجها وصراخها، بعد أن نبش الوزير من عقلها الباطن تلك المكنونات الفكرية التي تلامس جوهر وجودها، وفتح الباب على أحد مقدساتها الرمزية أمام حوار ليس في موروثاتها التاريخية، ولا تسمح به وتناصبه العداء، ووضعها على طاولة التشريح العقلاني. واهتاجت لواحدة من القضايا التي تعتبرها ركيزة أساسية لاستعراض قواها في معركتها لتقويض، وترويض، والإجهاز على هذه السلالات البشرية التائهة في بحور الأصولية والاستبداد. ورأت جماعات الفكر الظلامي، في موقف الوزير حسني، سحباً للبساط من تحت أقدامها، وبداية النهاية لمشروعها الظلامي الشامل بإطباق سيطرتها الكاملة على هذه المجتمعات، التي تمارس عليها ساديتها الفكرية القهرية. وجن جنونها واعتبرته تحدياً غير مسبوق، ومن جهة رسمية بهذا الحجم، بعد أن تم تحييد مثقفي الأجهزة، وفراخ البلاطات، وغلمان السلاطين، وكتبة القياصرة عقوداً من الزمان عن قضايا العلمنة والتنوير، عبر تحالفات وتفاهمات بعيدة المدى بين الجانبين، فاستنفرت أجهزتها، والإعلام الحكومي الموضوع بكامله تحت تصرفها، وانطلق احتياطيها الاستراتيجي المسمّن في مداجن، وفراريج البترودولار للنيل من هيبة، ومقام، وسمعة الوزير الهمام، وطالبت بتطبيق الحدود عليه، ومحاكمته على استخدام العقل المحظور "حكماً"، بفرمانات الفقهاء، وآيات الله. وها هو سيمثل قريباً أمام لجنة مختصة من مجلس "الشغب" الإخواني، لمجرد رأي شخصي عبّر عنه في قضية عامة، وباتت ظاهرة غريبة تؤرق كل من لديه اهتمام جدي بمستقبل هذه الأجيال التي يبدو أنها قد خرجت نهائياً من التنافس، والسباق الحضاري الإنساني العام.
إنها دعوة لكل الشرفاء، والمتنورين الأحرار، للتضامن مع الأستاذ فاروق حسني، وزير الثقافة المصري، الذي يتعرض لإرهاب فظيع، ومرعب من الجماعات السياسية، ويخوض معركة شرسة مع قوى الظلام، والارتداد.





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الدعارة الحلال

24-أيلول-2007

هل المثلية الجنسية عيب وعار؟

04-أيلول-2007

ردود الفعل على قرارات صباح عبيد / إمارة 'فنـّستان' السورية

17-آب-2007

الحركات الجهادية والشرق أوسطية

25-تموز-2007

وزارة قطع الكهرباء

21-تموز-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow