اكتشاف مخطوطة جديدة لألف ليلة وليلة .. الليلة 283
2013-01-07
ترجمه عن الألمانية: مؤنس مفتاح
وجدت المستشرقة الألمانية 'كلوديا أوت' بمكتبة جامعة 'توبنغن' مخطوطا قديما 'لألف ليلة وليلة': قد تلقي نظرة جديدة تماما على قطعة من الأدب العالمي. هنا حوار معها:
جريدة الزايت: سيدة 'أوت'، لقد ترجمت بالفعل نسخة من 'ألف ليلة وليلة' وصلت عدد لياليها إلى 282 ليلة. وقد اكتشفت الآن مخطوطا جديدا يبتدئ من الليلة 283. هل لدينا الان بين أيدينا تتمة الليالي؟
كلاوديا أوت: إن التتمة المباشرة لنفس تلك النسخة بالضبط لن تجدها ربما أبدا. ولكنني اكتشفت مخطوطا قديما أو بتعبير أصح أعدت اكتشافه والذي يبتدأ بالليلة 283. وهذا لا يمكن أن يكون من قبيل الصدفة.
جريدة الزايت: على ماذا يشتمل هذا المخطوط بالضبط ؟
كلاوديا أوت: إنه أمر مثير للدهشة بالفعل ذلك لأنه ليس مجرد جزء من 'ألف ليلة وليلة'، يبدأ في مكان ما وينتهي في مكان اخر كما هو الحال بالنسبة للمخطوط الأول. بل إن مخطوط مكتبة 'توبنجن' يحوي بالضبط رواية كاملة للقصة والتي تسمى برواية 'عمر'.ويتداخل في هذا التاريخ بعض الأقاصيص التاريخية وروايات الفرسان وبالتالي يمكن النظر إليها كصورة مصغرة لـ 'ألف ليلة وليلة' .
جريدة الزايت: ماذا سوف يحدث بعد الليلة 542؟ هل سيتوقف كل شيء مرة أخرى ؟
كلاوديا أوت: أنا مقتنعة بأنه يمكن أن ننجح في عملية إعادة بناء نسخة كاملة من خلال جمع مخطوطات 'ألف ليلة وليلة' القديمة.
جريدة الزايت: ماذا تعنين هنا عبارة المخطوطات القديمة؟ وكم يجب أن يكون المخطوط لكي تأخذوه بعين الاعتبا؟.
كلاوديا أوت: يجب أن يكون المخطوط أقدم من سنة 1704. إننا نقسم منقولات' ألف ليلة وليلة' إلى قسمين: القسم الشرقي والقسم الأوروبي والتاريخ الفعلي للفصل بين المرحلتين هو سنة 1704. وهو تاريخ أول ترجمة لـ'ألف ليلة وليلة' إلى اللغة الفرنسية من قبل 'أنطوان غالان' وبدءا من هذه الترجمة الفرنسية الأولى صارت لاحقا كل الترجمات الأوروبية متأثرة بها وكذا العديد من الطبعات العربية الحديثة الصادرة ابتداء من سنة 1800.
جريدة الزايت: كيف يمكن للترجمة الأوروبية التأثير في العمل الأدبي العربي؟
كلاوديا أوت: أولا، من خلال اكتشاف العديد من المخطوطات العربية الجديدة عن طريق موكلين أوروبيين والحديث هنا عن المكتبات والمستشرقين والتجار الرحالة والدبلوماسيين. إذ أنه بعد نجاح صياغة 'غالان' لترجمة 'ألف ليلة وليلة'، ظهراهتمام كبير في أوروبا بهذه القصص وبحلول سنة 1800 دخل الأوروبيون بشكل رسمي لأسواق الكتب المشرقية على قدم وساق للبحث عن 'ألف ليلة وليلة' وقد كان الشخص الذي لم يحصل على مخطوطات 'ألف ليلة وليلة' - نظرا لفقدانها من السوق تماما- يشتري للوكلاء كتبا 'ذات صلة' بها.
جريدة الزايت: هل يعني ذلك أن الأوروبيين تسلموا من العرب ما كان موجودا لديهم من قبل؟
كلاوديا أوت: نعم، يمكن أن ينطبق ذلك على بعض القصص على الأقل وقد كان لـ'أنطوان غالان' في الواقع نسخة مخطوطة تصل إلى الليلة 282 فقط .
ثم بعد ذلك حكى قصصا أخرى كتبها بأسلوبه وقد تمت ترجمة هذه القصص مرة أخرى في الاتجاه المعاكس جزئيا من الفرنسية إلى العربية - مع مراعاة جميع التأثيرات الأسلوبية للغة الفرنسية-. وهذا ينطبق بشكل خاص على قصة 'علاء الدين والمصباح السحري' وكذا قصة 'علي بابا و40 حراميا'.
جريدة الزايت: إذن تقصدين هنا بالتحديد القصص الأكثر نجاحا'
كلاوديا أوت: نعم، وهذا ليس من قبيل الصدفة لأن المترجم الفرنسي لم يكن لديه أصل كامل كتب باللغة العربية ولكنه قام بنقل تلك القصص الناجحة إلى اللغة الفرنسية فوريا من فم الراوي وقد كان المتلقي المستهدف خلال تلك العملية هو القارئ الفرنسي وهذا ما دفعه إلى شطب ومحو كل ما هو عربي فيها وأذكر على سبيل المثال العديد من القصائد والحكايات الشعبية التي تؤثر سلبا على العمل الأدبي. وقد قام 'غالان' في نفس الوقت بتكييف القصص العربية مع قصص أخلاقيات البلاط الفرنسية التي ظهرت حوالى سنة 1700 والتي قام نفسه في واقع الأمر بانتقادها.وأنا لا أريد التقليل من قيمة كل تلك الإضافات والتغييرات. ولكنني أريد إعادة بناء نسخة كتلك النسخ القديمة والأصلية وشبه 'الشرقية' بدون زيادات.
جريدة الزايت: هل لدينا الان بين أيدينا في نهاية المطاف بفضل اكتشافاتك النسخة الأصلية لألف ليلة وليلة؟
كلاوديا أوت: عندما أتحدث عن 'ألف ليلة وليلة' فإنني أتجنب مصطلح 'الأصلي'. لا يمكن أن يكون لهذا الكتاب نسخة أصلية لأنه عمل مفتوح ونقل عن مجهول. وقد وصلت 'ألف ليلة وليلة' إلى الأدب العربي عبر عدة مراحل من الترجمة بدءا من الهندية أولا ثم الفارسية بعد ذلك فتم إعادة بنائها مرات متكررة وهذا مثال مهم جدا وواضح من التبادل الأدبي والذي تم قبل 2000 سنة!
جريدة الزايت: هل نفهم مما ذكرت أن 'ألف ليلة وليلة' من حيث مبدأ السرد هي أقل من عمل أدبي مصاغ بعناية وأن قوة أدائها تتجلى في كونها قادرة على قلب كل شيء وأعني هنا مادة السرد؟
كلاوديا أوت: جوابي هو:لا، فـ'ألف ليلة وليلة' لم تستوعب كل شيء ولكن كان هناك شرط واضح: إذ كان يجب أن تكون القصص مثيرة ومشوقة مما يجعل السلطان دائما حريصا على الاستمرار في سماع تتمة القصة في الليلة الموالية. وهكذا فإنه مع مرورالوقت أصبحت الكثير من القصص جزءا من 'ألف ليلة وليلة' وأضحى عددها في تزايد دائم ونتيجة لذلك فاقت العدد الذي يمكن إدخاله في 'ألف ليلة وليلة' فتجاوزت هذا الرقم. إن هذه القصص متشابهة جدا وهي كالقطع الأثرية: إذا وضعت جميع القطع معا فإنك تحصل على مشهد فسيفسائي كامل وهناك أيضا عدد كبير من القصص التاريخية المستوحاة من ألف ليلة وليلة.
جريدة الزايت: في أي حقبة زمنية ظهرت هذه القصص؟
كلوديا أوت: يجب أن نفرق بين إطار القصة من جهة والقصص الفردية المحكية من جهة أخرى.إن إطار القصة قديم ويرجع إلى ما يقرب الألفي سنة وهو جد مرتبط بالأدب الهندي السنسكريتي القديم وقد أمكن إثبات دوافع هذه القصص في هذا الأدب أما القصص الفردية فقد تبلورت من نصوص أدبية مختلفة جدا وفترات تاريخية متباعدة وقد بدأ ظهور هذا الأمر في القرن الثامن وامتد إلى حوالي القرن الثامن عشر وبالضبط سنة 1800و في نفس هذه السنة توقف تعميم النسخ المكتوبة للمنقولات الشرقية فعليا. لذلك نستطيع أن نقول: إنها 1000 سنة لألف ليلة وليلة!
جريدة الزايت: إذا اعتبرنا أن نظرتنا لألف ليلة وليلة هي كالنظرة لثقافة أجنبية فما هي صورة هذا العمل الأدبي في العالم العربي؟
كلوديا أوت: هنا ينشأ المفهوم الرائع لـ 'شرق الشرق' فهناك تأثير وتأثر متبادلين للعمل الأدبي بين الشرق العربي المتمثل في 'القاهرة وبغداد ودمشق' وبين الشرق الاسيوي المتمثل بالتحديد في 'جزرالهند والصين'.
إن مقاربة 'شرق الشرق' هذه هي تقريبا مقاربة غرائبية ونمطية تشبه إلى حد كبير بعض الأفكار والتصورات الأوروبية عن الشرق. وقد وضعت 'ألف ليلة وليلة' بهذه الطريقة قراء العالم العربي ومتلقيه تحت تأثير سحرها ومع ذلك ففي بعض دوائرالثقافة العربية يتم نقل وجهة نظر سلبية عن 'ألف ليلة وليلة'. لقد كان هناك إحساس لدى الكثيرين بأن 'ألف ليلة وليلة' عمل أدبي غير أخلاقي وقد تم التشديد على أنه لا ينتمي إلى مذهب الأدب الرفيع والمخطوط المكتشف حديثا يظهر عكس ذلك.
إنه كل شيء اخر ماعدا كونه كتابا تافها فهو مكتوب بشكل جميل ومعروض بأسلوب دقيق ومتميز وفقراته مترابطة بدقة وأفكاره متسلسلة وهذا يتناقض مع الصورة المهلهلة التي ينظر بها إلى هذا العمل الأدبي وخاصة في الأوساط الدينية. وهذا ما يفسر نجاح الدوائر الإسلامية في مصر سنة 1985 بواسطة حكم قضائي إدخال هذا العمل الأدبي إلى قائمة 'الأدب اللاأخلاقي' مما يمكن اعتباره قرارا رجعيا. وقد تم تقديم شكوى مماثلة أمام النيابة العامة المصرية في أبريل من إحدى السنوات الموالية، حيث قام مجموعة من المحامين بإجراءات قضائية ضد رئيس تحريرالطبعة المعادة لمنشورات'بولاق'المصرية الشهيرة وذلك سنة 1835. وكان المحامون قد اعترضوا على الكلمات غير اللائقة الواردة في النص واقترحوا صيغا بديلة لها. والغريب هنا أنهم انتقدوا نفس المواضع بالضبط كما انتقدها انذاك المترجم الفرنسي 'غالان'!
جريدة الزايت: هل يمكننا أن نستنتج من كل هذا بـأن 'ألف ليلة وليلة' ليست أثرا من اثار الثقافة العربية؟
كلاوديا أوت: لا، ليس الأمر كذلك بل تعتبر 'ألف ليلة وليلة' في العالم العربي كتابا معرفيا ثمينا وعلامة مميزة للهوية الثقافية، فالجميع يعرفها ويفتخر بها شكلا ومضمونا إلا أن بعض المسلمين المحافظين يهاجمونها لأنها حسب وجهة نظرهم تشتمل على الكثير من الإيحاءات والإثارات الجنسية.
عن جريدة القدس العربي.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |