Alef Logo
مقالات ألف
              

ثمن الحرية

سعاد قطناني

خاص ألف

2013-02-09

كلما رأيت الموت صارخاً في أزقة الميدان ومبعثرا أشلاء الضحايا على الجدران المتعبة في داريا وكلما مر يوم وازداد عدد المجازر وحجم القتل في سوريةتيقنت أن ما كان يقال عن كبر ثمن الحرية ليس مبالغة مجازية تستدر القوافي، وليس شكلا من أشكال الرومانسية يدفع الشعراء لنظم القصائد... بل هو ثمنحقيقي وواقع محسوس تبرهن عليه يوماً بيوم ولحظة لحظة الثورة السورية...
لم أكن أصدق يوماً لا في وجداني ولا عقلي أن الثمن سيكون بهذا الغلاء، ثمن مدفوع من دموع الأحبة ودمائهم على وطن يحترق كل يوم.
ويكبر السؤال داخلي:هل تستدعي الحرية المنشودة كل هذا الموت المخيم على أرواحنا؟؟!!يكبر السؤال كبر المجازر المنتشرة على طول الوطن وعرضه، من الحولة حتى التل، ومن حي الكلاسة وصلاح الدين إلى بابا عمرو والخالدية وصولاً إلى إدلب ودرعا وكل زوايا الوطن، يكبر السؤال ويصفعني باحثاً عن إجابة ولكنهل يمكن أن نلوم بضعة أطفال اقتُلعت أظافرهم عندما خربشوا الحرية على حائط في درعا!! أو ربما نلوم مغنياً انتـُزعت حنجرته حين اكتشف بصوته معنى عنين الناعورة في حماة!
ربما من الصعب علىمن هو خارج سوريا أو من لم يعش يومياتها وتفاصيل الحياة فيها أن يجب على هذا السؤال!! ربما لا يعرف مهر الحرية سوى من عاش تفاصيل الذل اليومي الذي عاشه السوريون!! لا أحد يستطيع أن يتخيل هذا الثمن إلا أم ودعت ابنها صباحاً في طريقه إلى الجامعة و بقيت تنتظره عمراً مزقه الخوف على بوابات فروع المخابرات كي تعرف أين هو؟ ومَن سجنه؟؟!و لماذا؟؟!! وربما ماتت وغصة الإجابة تحرق قلبها، تلك الأم هي من يستطيع أن يقدّر هذا الثمن ويعرف الإجابة...
من يُغتصب دوره على رغيف الخبز في صباحات دمشق الباردة من رجل يصيح بصوت السلطة مخترقاً الدور وكأنه الوصي على هذا العالم،ومن حقه أن يفعل ما يشاء، والويل لمن يعترض!! هؤلاء المُغتصَبون الصباحيون هم من يقدّروا هذا الثمن..
أساتذة الجامعات والمثقفون والعلماء ومن يمتلكون كل المؤهلات العلمية والعملية ويستجدون ابتسامة رجل مخابرات أمي كي يرضى عنهم هم الأقدر على الإجابة عن سؤال ثمن الحرية الذي أصبح بحجم الوطن!!
ذلك الخوف المنسدل من عيون صبية وهي تُرشقبالكلمات اللزجة من فم مخبر على أرصفة الخوف في دمشق يحيلك إلى الإجابة عن حجم وثمن الحرية الذي يجب أن يُدفع...
تحيلك إلى الإجابة عن عظمة ثمن الحرية عيون طفلة انطبع الانتظار في بؤبؤ عينيها خمسة عشر عاماً وأكثر حتى شاهدت أباها يخرج من السجن وقبل ان تعتاد أن تناديه "بابا" مات!!.....
تلك الأصابع المرتعشة وهي تبحث عن طريق لم تألفها لتدفع رشوة لموظف تقمص شكل المرابي كي تمرر معاملة قانونية في دوائر الدولة هي من يستطيع أن يقدّر مهر الحرية!!
من يدرك أن لا كرامة للوطن مع مواطن يتجرع الذل مع لقمة الخبز وطابور المدرسة هو من يعرف الإجابة...
وأكثر من يعرف ويفهم معنى معادلة القتل اليومي وكبر ثمن الحرية شاب لبى نداء الوطن وفي عينيه معنى البطولة وأفجعه أنه عمل خادماً عند زوجة الضابط في "خدمته الإلزامية"...
يعرف الإجابة الإعلاميون وهم يُجبرون على تزييف الحقائق ورسم الموت على أنه الحياة، يعرف الإجابة زملاء وزميلات المذيعة التي دخلتمدججة بالصوت النشاز والكلمات التي تنبعث منها رائحة الموت إلى الدماء الطازجة في داريا محملةبالصور التي تقطر دماً وحبكة هزيلة لمبتدئة تنفث بقايا الأشلاء والأنفاس الأخيرة لامرأة تحتضر في وجوهنا...دخلت تغتصب لحظة الموت من الأموات كي تقنعنا أن القـتلة هناك خلف الجدران وليس أمام الكاميرا يقفون فرحين بصيدهم الإنساني الوفير...
الإعلاميون الذين أنهكهم الكذب وهم يراقبون إعلام النظام السوري عندما دخل إلى بابا عمرو ونصب أرجوحة فوق الركام في شهر من شهور شتاءحمص البارد وأجلس طفلين في الأرجوحة ليقول إن الأمان هو العنوان في بابا عمرو رغم ذهول الطفلين والموت والخراب المبعثرين في المكان... هم من يقدرون غلاء ثمن الحرية!!
وكلما كبر ثمن الحرية وحين أرى الموت ممداً كليل لا ينتهي أعود بالذاكرة إلى تفاصيل الحياة اليومية وأتساءل: كيف استطاع النظام أن يخبئ كل هذا الحقد بين الناس وفي شوارعهم!! كيف استطاع أن يخبئهبين الرمش والعين!! بين الهمسة والكلمة!! في الريح!! في خوذة الجندي وعيون الطيار!! أين كان يختبئ كل هذا الحقد!؟ هل كان يختبئ في صف المدرسة بين الطلاب ولم يلحظه أحد.. أم في مقاعد الجامعة؟؟
ربما رياح الخوف... وتقارير المخبرين تعرف الإجابة!!
أعود وأسأل: من ملأ الأرض بكل هذه الدماء والدموع؟؟ من يستطيعأن يقتل بكل هذه القسوة ويبررالقتل؟؟ لا يستطيع أن يقتل إلا من رفع شعار"نحرق البلد"، ولا يستطيع التبريرإلا من شعر بالتمتع بملكية بلاد بعبادها،إلا من تذوق نكهة السلطة التي تعلوفوق القانون وتتجاوز كل الأعراف، إلا من لمس الخوف في عيون الناس وتلمس القوة في لحظة التجبر، إلا من حول الوطن إلى مزرعة والمواطنين إلى أقنان، إلا سادي استمتع بعذابات الناس وشقائهم. لن يتقبل هذا الدم إلا من تربع على عرش من جماجم، إلا من عرف متعة التسيد على الضعفاء واستباح البلاد وآثارها وتاريخها، اغتصب ماضيها وحاضرها... لن يدفع بالبلد إلى كل هذا الخراب إلا من جعل تمثال "القائد" يتضاعف بحجمه عشر مرات عن تمثال ابن خلدون في كلية الآداب!!!
كلما تُرتكب مجزرة أقول: هي أعظم المصائب و أكبر المجازر، لكن القتل فاق كل الكوابيس والتصورات السوداء وافضى إلى الحقيقة الجارحة عن مدى إيغال القـَتـَلَة بالدم تشبثاً بشاطئ ظنوه ملكهم الشخصي!! أو بلاداً يعتقدون أنهم يقتنون شمسها!!
كلما أوغل المدججون بالقنابل والسترات الواقية في الدم والدموع صاحوا كي يقنعوا الجميع بتلك المعادلة: من يريد الحرية ؟؟!! هذه الحرية التي تنشدون مغمسةً بالدم، معفرة بالتراب ، موشومة بالدخان والدمار!!..يحاولون ببنادقهم وقساوة الموت في عيونهم وجفاف الإنسانية في أرواحهم أن يقولوا ويقنعوا الشعب أن خمسين عاماً من القهر والذل والموت السريري للحرية هو ما يجب أن يتمناه السوريون اليوم أمام هذا الهول والدمار والخراب، يقولونها بالفم الملآن، بحقد وكراهية من تعلم أن "البسطار" العسكري أعلى من هامة منتعليه....
السوريون دفعوا الكثير ومازالوا، ولكن: هل هناك إمكانية للتراجع عن مطلب الحرية؟؟ وهل التراجع يعني العيش بسلام؟؟ هل العودة للبيوت والإستكانة خلف الجدران تعني أن مسلسل الموت والذل والإهانة سيتوقف أم أنه سيستشري ويصبح الموت ليس بسبب قذيفة عشوائية أو رصاصة غادرة بل سيصبح عنواناً للصرخات تحت أقدام المحققين وسيلاً من الذل تحت سياط السجانين وللأبد، سيصبح الموت بطلقة على قارعة الطريق أسهل ألف مرة من موت يتجدد كل مرة، من يحدد ثمن الحرية ومهرها هو الخيار بين أن تموت في لحظة أو أن تستجدي الموت كل لحظة، من يحدد الثمن هو الفرق بين أن ترسم درباً نحو الشمس أو أن تعيش للأبد تحت كابوس الخوف والظلام...
سعاد قطناني

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

داعش.. إبحار إلى قلب الظلمة

29-نيسان-2017

أحبك أكثر.

17-أيلول-2014

غزة… أحلام لا تشبه المستحيل

17-آب-2014

داعش.. إبحار إلى قلب الظلمة

04-آب-2014

مخيم اليرموك متخم بالكرامة موغل بالجوع

01-آذار-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow