Alef Logo
يوميات
              

ما أوحشَ تلك القبور !

ناديا خلوف

خاص ألف

2013-02-13

لا تعرفُ بأيّ أرضٍ تموتُ ياشعبَ سوريّة .
ولا تعرفُ إن كنتَ ستموتُ على الأرض أصلاً . فالموتُ يطالُك إلى أين رحلت أو فيما لو لم ترحلُ .
لم يعد يفرّق الموت بين النّظامِ ومن هم ضدّه .
عندما توحّشَ النّظام أكلَ أبناءه الذين خبأهم لوقتِ الحاجة ، فأصبحوا هدفاً .
الشعبُ السّوري لا يحبّ القتل ، بمن فيه هؤلاء الجنود البسطاء في الجيش النّظامي الذين يموتون دون أن يدروا لماذا ؟ ، ولا المعارضة التي بدأت سلمية ، وكانت معارضة شباب ، فأصبحت تضمّ كلّ من أكلّ الدهر عليه وشرب .
بإمكاني أن أعمل معارضاً مع نفسي ، وأصدر بياناتٍوأعطي الحقوقَ لأصحابها ولغيرِ أصحابها ، وأجعل ضجيجي يتحوّلُ إلى أمرٍ واقع . رفضتُ هذا منذ البدء ، ولم أقبل أن أعمل اللقاءات في الصّحف أو التلفاز . لأنني لا أحبّ المشاكسة ، والمواجهة الكلامية . قلمي هو الذي يعبّر عن فكري ، وأنا أترك له العنان ليدوّن ما يريد .
الحياةُ هي التي تتحكّم بالسّوري أينما حلّ إلا إذا كان من أصحابِ الثروة ، وأصحاب الثروة هم رؤوس النّظام والطّبقة الطفيلية المواكبة له . وما تبقى هم عبيد موزعون في كلّ الدنيا .
رأيت سوريين يملكون كلاباً وخادماتٍ ويجلسون على شواطئ مميزة في دبي ، وسوريون يأكلون من القمامة ، ويحملون شهادات جامعية . هربوا ، لكنّهم لم يجدوا من يمنحهم فرصة العيش .
منذ يومين . وفي عزاء ابن عمي في دبي . وبعد الدفن . كنت أدردشُ مع أخي . فقال لي : كان قبره موحشاً !
سألته : وهل هناك قبور مؤنسة ؟ إنه قبرٌ ، وهو قد توفي . لا فرق لديه بين تربة وتربة .
قال : لا . هناك فرقٌ كبير ، قبل وفاته ذكر لي ابنته وأهله في السّلمية .
عندما يموت الإنسان بين أهله يشعرُ أنّ الموت جزءٌ من الحياة ، فيستمرّ المعزون في التّخفيف عن أهل الفقيد ، ويسهّلون مهمّته في مغادرة الحياة . وعندما يدفن .
يزورونه كلّ خميس .
يزرعون على قبره الريحان والورد وعرائش الياسمين ،
ويصبحُ المكان مأهولاً بأحبًة الميت الذين يأتون إليه . هي تقاليد سورية .
كان زوجي يوصيتني في كلّ مرة : إذا متّ . ادفنوني قرب أمي في عامودة ، كي لا أشعر بوحشة القبر ، وسأترك لكِ مكاناً قربي لأنّني لا أستطيع أن أكون وحيداً ، كان له ما أرادَ . والطريق إلى المقبرة في عامودة اسمه " طريق العشاق " والمقابرُ معتنى بها ، وعلى سطح بعضها حفرٌ صغيرة تملأ بالمياه كي تشرب منها الطيور ، ورودٌ وأشجار وزوّار، وأطفالً يقرؤون لك على روح ميتك ماتيسّر من القرآن فتكرمهم بمبلغ يفرحون به ، ويشعرون بأهمية لعمل الذي يقومون فيه . وتنطلق رائحة البخور من مساء الخميس إلى صباح الجمعة .
دفن ابن عمي في دبي . تساوى قبره بالتّراب ، والتربة أو مانسميها " الجبّانة موحشةٌ هناك . لن تأتي إلى تلك المقبرة أخته أو أمه لتندبه ، ولن يأتي أحد أفراد عائلته لينام قربه لو انتهت إقامته على هذه الحياة ، . ولن تأتي زوجته وأطفاله . عاش غريباً ومات غريباً
لا تقولوا : ما نفع زيارة القبور ؟
عندما أزورقبر أمي وأضع عليه وردة ، أو أسكب الماء للطّير ، وأحادثها وأبكي حتى تغسلني الدّموع . أشعر بالرّاحة . وعندما أزرع قرب قبرها شتلة ريحان كانت تحبّها . أشعر برضاها عني .
أسأل : وماذا بعد ؟
متى نعودُ إلى بيوتاً تركنا أبوابها مفتوحة للرّيح ؟
ومتى نستطيع أن ندفنَ بين عوائلنا وأحبتنا الذين سبقونا إلى العالم الآخر ؟
الظّلم الذي نتلقاه يفوقُ الوصف ، لكنّ غداً لناظره قريب .
سورية حرة

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow