Alef Logo
ضفـاف
              

من إيحاءات "بيروت صغيرة بحجم راحة اليد"

سعاد قطناني

خاص ألف

2013-03-24

ما أكتبه الآن لا أدّعي بأنه نقد أدبي يعتمد على معايير أو أسس بعينها بل هو انطباع لما تركه كتاب "بيروت صغيرة بحجم راحة اليد"...هو تداعيات أثارها الكتاب فيّ...وربما ذكريات عن ذلك الزمن....
نشر أمجد ناصر أوارقه البسيطة بدون فسيفساء وعارية من التزويق، لم يستند إليها كي يرسم بطلاً أو يعيش تحت ظلال مجدها، لم يجتر البطولات كي يتكأ عليها ولم يستخدمها كورقة تُرفع بوجه المختلفين...بل فردها بكل بساطة على الطاولة بحلوها ومرها، وكأنه يقول: هكذا كنت...وهكذا كانت المرحلة. إذاً، هي مرحلة المصالحة مع الذات وعدم الاختباء وراء التاريخ كي يبرر المستقبل...وبقدر إخلاصه لما نذر نفسه له كان مخلصاً للذاكرة وبعيداً عن الانتقائية التي تعطي لوناً ولحناً أقرب إلى الروح، أخذ يقلب الذكريات كمن يقلب جمرات القلب...فتح دفاتر الذكريات و أخذنا وعاد بنا لنكتشف ذواتنا معه ونعيد أحاسيسنا في زمن حسبنا أن الغبار قد تكدس عليه وإذ به نقياً كالمرآة،حارقاً كالجمرة، شفاقاً كبحيرة ماء، جارحاً كسكين...
عندما نعود بالذاكرة إلى الوراء فإن ذاكرتنا مخادعة وانتقائية، تتذكر ما تريد وكما تراه الآن، تخفي وتحاول أن تنسى ما لاتحب، وتظهر ما هو حميمي وجميل من الذكريات، وبهذا نكون غير مخلصين وغير صادقين مع ذكرياتنا بل نعطيها لوناً ولحناً نحبه. في "بيروت صغيرة بحجم راحة اليد" لم يفعل أمجد ناصر ذلك بل فتح القلب والذكريات والدفاتر على وسعها للريح و الشمس كي لا يأكلها العث أو يطالها العفن...في هذه اليوميات مزق شبكة العنكبوت عن لحظات الألم بكل ألمها...ونفض الغبارعن مرارة الفراق والحنين...حتى ساعات الفرح استعادها بنبضها..بضحكاتها...بهمساتها وتفاصيلها بغض النظر عما إذا كانت تعني الكثير الآن أم لا...
أثناء القراءة ربما يضطرب القارئ لما كان..وما صار، وربما يعايش القارئ اضطراب شاب عشريني يحارب طواحين الهواء... معركة بيروت في هذا الإطار هي ليست معركة ضد عدوان غاشم فقط بل كانت معركة لإعلاء قيمة الفرد وإنسانية الإنسان والحياة...
فهذه اليوميات هي ليست شهادة على ذاك الزمن بل شهادة منه..بلغته و أحاسيسه،بإشاراته ومفاهيمه وإيديولوجياته التي كانت تحكم الأفراد والمجتمع...نشعربرياح حزيران و تموز وآب تلفحنا...ربما نصاب بالضيق أو الاختناق، لكن هكذا كانت هي الرياح وهكذا كانت نغمة الناي...
بيروت الحزن..بيروت الصداقة والرفاق...بيروت الجنة...بيروت الجحيم..كلها عبارات تستدرجك إليها يوميات شاب شق عصا الطاعة ويمم وجهه باتجاه الحلم...باتجاه تحقيق الذات في زمن تتعملق فيه الذات الإنسانية كلما اقتربت أكثر من محبة الوطن، فمعيار الوطنية كان هو المسافة التي تفصلك أو تبعدك عن ذاتك...أنت مثقف قدر ما أنت وطني..أنت تفتخر بنفسك بقدر انصهارك بقضايا الوطن. هذا هو نبض المرحلة الذي يدق معلناً عن ذاته. في هذه اليوميات .يسابق أمجد ناصر الدقائق نحو الحياة. تسقط الحروف والكلمات سريعة لتخط تاريخاً يقرّب اللحظة بتفاصيلها الدقيقة المفعمة بالأحاسيس والمخاوف والآمال والأحلام...
تغيرالزمن وتغيرت العبارات والمفاهيم وحتى اللغة تغيرت، فصدق المشاعر التي يتحسسها القارئ من أولى الكلمات في "بيروت صغيرة بحجم راحة اليد" يقودك ويستدرجك إلى زمن الإيديولوجيات والشعارات التي كانت أكبر من الإنسان، يأخذك إلى التصنيفات الحزبية والانتماءات التنظيمية التي كانت تغطي المرحلة وتطغى على قيمة الإنسان من حيث كونه كيان....كان لذلك الزمن تماثيله التي كانت خطاً أحمر لايمكن نقاشها أو حتى كسرها، وهنا لا أتحدث عن حدث بعينه في الكتاب ولكن أتحدث عن بعض الكتب التي كان يتم عبادتها وكأنها "كتاب محفوظ"، وعن تلك العبارات أو المفاهيم لبعض المفكرين التي كان يتم التعامل معها وكأنها عبارات مقدسة لا "يمسسها إلا المطهرون"... بعد حرب بيروت سقطت الكثير من الشعارات والتماثيل وبقي الإنسان يبحث عن وجوده وكينونته في عالم يضج بالمتغيرات.
تجربة حصار بيروت بقيت جرحاً في الروح لم يندمل ولكن يبدو أن ذاكرة المكان قصيرة، فقد تغيرت بيروت وربما ضاقت ولم تعد تتسع لأحلام عربي مهاجر...
في "العودة إلى الفردوس المفقود" نتحسس إعادة اكتشاف الذات والإنسان والمكان... نقرأ فيها بوح بلا تناقضات، نتلمس فيها سلام الروح في دخول التجربة دون تقييمات مسبقة... العودة إلى الفردوس هي رحلة إلى الشارع الذي مشيناه وكنا نظنه ربما أجمل أو أكبر...العودة هي مسافة الاختلاف بين ما كنا وما صرنا إليه...هي المسافة بين حفظ النص وتفكيكه...هي المسافة بين العبادة والحب...هي المسافة بين خوض التجربة ووعيها....

سعاد قطناني

تعليق



Christin

2019-06-08

I have been surfing online more than 2 hours today, yet I never found any interesting article like yours. It’s pretty worth enough for me. In my opinion, if all webmasters and bloggers made good content as you did, the web will be much more useful than ever before.Ahaa, its pleasant conversation concerning this article here at this website, I have read all that, so now me also commenting at this place.Greetings! Very useful advice in this particular article!It is the little changes that produce the most important changes.Thanks a lot for sharing! http://goodreads.com

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

داعش.. إبحار إلى قلب الظلمة

29-نيسان-2017

أحبك أكثر.

17-أيلول-2014

غزة… أحلام لا تشبه المستحيل

17-آب-2014

داعش.. إبحار إلى قلب الظلمة

04-آب-2014

مخيم اليرموك متخم بالكرامة موغل بالجوع

01-آذار-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow