Alef Logo
يوميات
              

يحقّ لها أيضاً أن ترتاح الجسور

فواز القادري

خاص ألف

2013-05-06

نم يا خليلي نم، أعرف قلبك لا يحتمل ماتراه! تصحو طفولتي على فجيعتها وتهرول، غفلة عن الشهداء الذين يتسامرون مع الخلود، غفلة عن أسقف البيوت التي تهاوت، وغفلة عن سحب الدم الحمر ورماد الأجساد التي لم يكتمل احتراقها، تصحو طفولتي وتركض إليك حافية لعلّها تراك، على بابك الكريم الواسع تقف ولا من يمسح دمعاتها المتهاطلة. الفرات يتباطأ وألف ألف غصّة تغرق فيه، حافية تركض طفولتي وتتبعها الحارات وأقدح الشاي وخبز التنانير والأحلام، و"الربع" جلاليبهم في أفواههم وخلفه يركضون. الطفل ذاك، الهارب من عمل أقصاه عن الطفولة وعن فرح الأصحاب في مدرسة لم يدخلها ولم ينبض قلبه فيها يوماً، كما تفرح قلوب بقية الصغار. الطفل ذاك، كم مرّة وقف على بابك كسير القلب؟ نادتهُ الأسماك ولامست يديه الكادحتين الأمواج وباركتها، كم مرّة غسل عينيه بفراتك ومضى يجمّع الحروف من لافتات الطريق ليكتب قصيدة مكسّرة الأوزان؟ قصيدة عشقكَ الأولى، وكانت المدينة تدوّن ذكرياته الحزينة وتبكي معه كلّما جاء الليل.

الجسر المعلّق أرجوحة زمانه
علامة فرح طفل معذّب صغير
شاشة أحلامه كان
حائط مبكاه
رسائله الخجولة إلى الدنيا.

يسكن الطفل هاوية فاغرة
ويتعالى حين يلتقيك يا جسر
يضع آياته المضيئة بين يديك
تقترب السماء من قلبه وتبتهج الطيور.

لا يتسع القلب لمجزرتين في يوم واحد، مجزرة الحديد والحجر، ومجزرة البشر، "البيضا" تصطبغ بدم بريء وتودّع مئات من أطفالها ونسائها وشبابها محزوزي الأعناق، و"الدير" تودع خليلها "الجسر المعلّق" يحتار الشاعر بين رثائين: رثاء التاريخ ورثاء من يصنعون التاريخ، لا مفاضلة بين حزن وحزن، بين مجزرة ومجزرة، ولكن القلب لا يحتمل ولا تحتمل القصيدة. العالم متمْسح وصامت ويستعذب لون الدم السوري، يستعذب دخان الانفجارات ويستعذب حريق أجساد أهل "البيضا" كما استعذب وصمت على عشرات ألوف الشهداء السوريين، العالم ليس صامتاً فقط، بل ويمنع السلاح عن السوريين، وسيلة الدفاع الوحيدة التي ستنهي هذه العصابة المجرمة الأكثر بشاعة من كل ما نعرف من البشاعات، وتنقذ أرواح الآلاف منهم، القاتل الذي أحسّ بنهايته، يرتكب المزيد من المجازر ويمعن في محاولة تهشيم تاريخ البلد الذي لم يبق له مكان فيه.

يحتار الشاعر وتحتار القصيدة في رثاء "البيضا" ورثاء "المعلّق" في آن واحد، ولكنّ السوريين اختاروا وأخذوا قرارهم الذي لا رجعة عنه، مهما كان ثمن الحرية سيكون مكلفاً، وهذا عادة لا يفهمه المجرمون الطغاة.

هذا اليوم
تأرجحت روحي بين المعلّق و"البيضا"
في "البيضا" كانت السكاكين تحزّ الرقاب
والفرات يحتضن خلّه المعلٌق ويبكيان.

نم قليلاً يا رفيق عمري
يحقّ لها أيضاً أن ترتاح الجسور
نم سيحرس الفرات أحلامك
لريثما تلوّن أجنحة الفراشات السماء.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مديح يوم جديد

01-شباط-2015

الشعراء الذين شبعوا موتاً

12-كانون الثاني-2015

سنة وجع جديدة

03-كانون الثاني-2015

أمر بسيط

29-تشرين الثاني-2014

أنا....

09-تموز-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow