Alef Logo
المرصد الصحفي
              

طائفية حديثة، أم حداثة طائفية...

اياد العبدالله

2007-04-10

في المقدمات التاريخية: "... حصول التدمير وعموم الخراب"
ليست الطوائف طارئاً مستجداً على وقائع الحياة العربية الحديثة والمعاصرة. بل إن الطارئ هو الطائفية. بمعنى أن تسييس الطوائف وتطييف السياسة هو ما استجد على هذه الحياة (وخصوصاً في المشرق العربي) بعد دخول العرب القسري في الحداثة عبر بوابة الاستعمار، وما سيترتب على هذا الدخول من تغيرات وانقطاعات امتدت لتشمل معظم بناهم الاجتماعية والاقتصادية والذهنية والثقافية والسياسية...إلخ. ما سمح بتكنيس الكثير من المفردات السابقة لصالح بناء معجمي جديد يعكس هذه التحولات الجديدة، سواء على صعيد المباحث المواكبة لهذه التحولات، وخصوصاً في مجالي الاجتماع والسياسة، لتظهر صيغ وتعبيرات من مثل: " الأقليات، الأكثرية، الشعوب المسيحية، الشعوب الإسلامية..." التي وردت في معظمها بداية في
على لسان الاستشراق الذي سيجد في هذا التنوع مقدماته؛ أو على صعيد كل طائفة التي سيفرض عليها الوضع الجديد زياً جديداً من الحضور عكس نفسه على أكثر من مستوى وخصوصاً من خلال الانخراط في صناعة ذاكرة ومخيال واجتماع... أخذت تستمد من جماعها حضورها وهويتها.

كان هيغل قد رأى نابليون عقلاً وقد امتطى حصاناً أثناء دخوله بروسيا، فإن دخولاً مشابهاً إلى مصر سينظر إليه على لسان الجبرتي على أنه " حصول التدمير وعموم الخراب" وذلك رغم تلمسه بعض الحسنات، إلا أن حجم الانهدامات التي طالت، بتعبير بورديو، "البنيات الموضوعية للعالم الاجتماعي" آنذاك، هو ما سيدفع إلى تشييد مواقف تتوسل التعامل مع واقع حال طارئ وعاصف.لقد كانت "حماية الأقليات" البوابة التي مرّ منها الاختراق الأوروبي لهذا الجزء من العالم، والذي وجدت دبلوماسيته فرصتها بالنفاذ من خلال ما أتاحته القوانين الناظمة لهذه الأقليات في الدولة العثمانية. ولم تكن هذه الأقليات بداية سوى المسيحيين في المنطقة. وهو ما ظهر بداية مع فرنسا التي احتكرت، عبر اتفاقية مع العثمانيين عام 1535، حق حماية المسيحيين على العموم والكاثوليك خصوصاً، وهو ما استمر حتى دخول نابليون لمصر التي ستشكل المقدمات لما سمّي "بالمسألة الشرقية" التي، كما صرّح أنجلس أنه كلما كانت تثار، كانت (الأجزاء الوحيدة التي تؤخذ في الاعتبار هي فلسطين وأودية لبنان المسيحية). وهو ما ردت عليه الدولة العثمانية المتداعية بحركة "التنظيمات" التي تم من خلالها إعادة تنظيم مللها ضمن المواطنة العثمانية، أي بشكل يساعد على احتواء هذا التنوع المللي، وذلك عبر منحها حقوقاً وامتيازات اقتصادية وثقافية ودينية وقانونية، ومن دون إلغاء ما سبق إقراره للطوائف غير الإسلامية من امتيازات.
إلا أن طارئات شتى، لم تخرج عن كونها محطات تعكس تطور المسألة الشرقية، كانت كفيلة بتسخين الاهتمام الدبلوماسي الأوروبي، البريطاني والفرنسي خصوصاً، بهذه المنطقة وجعلها في مركزه، كأحداث عام 1860 في لبنان ودمشق التي زادت من مخاوف المسيحيين في المنطقة ودفعت نحو إنشاء وطن للمسيحيين في جبل لبنان، وإعلان الحرب من قبل روسيا على الدولة العثمانية عام 1877، والتمدد الألماني نحو الشرق الذي أخذ يبرز في مطالع القرن العشرين والذي سارع في وفاة الرجل المريض، حليف الألمان، على يد الفرنسيين والانكليز وحلفائهم أيضاً.
لم يغب المجتمع، آنذاك، عن مجريات الأمور فقد كانت مكوناته هي عناوين الصراع. إذ أن اصطفافات جديدة سوف يشهدها، لعبت عوامل عدة في تبلور كل واحدة منها. فقد أخذ الجانب المسيحي يشهد نشاطاً سياسياً أخذ بالبروز مع الدخول الظافر للغرب ونمط حياته وتنظيمه وتفكيره في صميم الحياة العربية، حيث سنرى أن الغرب سيحضر عند مسيحيي الشرق، وخصوصاً في لبنان، بوصفه الضامن للبقاء والحامي من البعثرة والزوال. على أن ما سبق لا يعني أن ثمة استعصاءً مسيحياً حال دون التنوع، فقد كان من بينهم من دعا إلى البقاء في إطار المواطنة العثمانية حاصراً مطالباته في الإصلاح السياسي والاقتصادي والقانوني... وأيضا أخذت الأيديولوجيات العلمانية تجد رواجاً نتيجة الاحتكاك المباشر مع الغرب وكذلك انتشار التعليم والطباعة والصحف، وخصوصاً من خلال التأكيد على الانتماء للعروبة التي أخذت طابعاً ثقافياً بداية تجلى بإحياء التراث والآداب العربية... لتأخذ فيما بعد مضموناً سياسياً استقلالياً انتمائياً.
وإذا كانت العروبة (أو حتى السورية مثلاً)، بالنسبة للنخب المسيحية، ستظهر على أنها الدواء الأمثل لداء القلق الذي يميز الأقليات، وذلك عبر اعتماد مفهوم للمواطنة يقوم على اعتبارات الولاء للوطن وليس للدين ـ وهو ما سنراه جلي الحضور عند بطرس بستاني على سبيل المثال لا الحصر، الذي أعلنها واضحة عندما ذهب إلى أن سورية " ... هي وطننا على اختلاف سهولها ووعورها وسواحلها وجبالها، وسكان سورية على اختلاف مذاهبهم وهيئاتهم وأجناسهم وتشعباتهم هم أبناء وطننا " ـ إلا أن هذا لا يعني أن العروبة جاءت نتيجة هوىً غربي أو استعارة إرادية بقدر ما كانت مولوداً شرعياً واستجابة تاريخية حتمتها جملة التفاعلات بين ما هو محلي وعالمي في آن معاً.
ومن ناحية أخرى، شهد الشارع الإسلامي، تنوعاً جلياً وفي عدة اتجاهات. إلا أن الأبرز منها هو ما أخذ يعبر عن حضوره على أرضية الإسلام. فمن ناحية نجد تيار " الإصلاح الديني" الذي أخذ يُنطق الماضي بلسان الحداثة، ويعيد صياغة هذه الأخيرة بمفردات الأول. وهو ما تجلى، مثلاً، في إلباس الديمقراطية زيّ الشورى وكذلك تفسير بعض الآيات القرآنية على ضوء مفردات النظريات العلمية والاجتماعية والسياسية السائدة آنذاك وإعادة النظر في كثير من قضايا الحياة الاجتماعية وخصوصاً المرأة... وقد برزت على هذا الصعيد أسماء عديدة، كان أهمها ( رفاعة الطهطاوي، الإمام محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغاني، قاسم أمين، الكواكبي...) والذين كان همهم إعادة بناء الأمداء الثقافية والاجتماعية والسياسية على ضوء ما أوجده الاختراق الأوروبي من انقلابات وتحديات، وذلك بهدف تشكيل آلية للممانعة بوجهه تقوم على تجريده من "حسناته" باعتبارها عناصر من نصاب إسلامي مطمئن إلى سلامة جوهره وخلوده، رغم هذه الكبوة التي جاءت في لحظة غفلة.
وذلك ما سنجده بوضوح عند الأفغاني الذي نظر إلى الدولة العثمانية بوصفها الحيز الجامع والأكثر صلاحاً للإسلام والمسلمين، ولهذا اعتبر كل تقليد للغرب خيانة وشعوراً بالنقص، ودعا إلى مناهضته واعتبر أن هذا هو السبيل الوحيد للخلاص من الاستبداد الفردي، مؤكداً، في خطابه لخديوي مصر، الحاجة إلى مستبد عادل، لأن الحكم الجمهوري "لا يصلح للشرق. ولا لأهله اليوم"، وهذا ما دعاه إلى إعلاء فضائل " التعصب " الذي عدّه بأنه الانحياز للأمة الإسلامية، مهاجماً " نفاق" الغرب الذي يهاجم هذا المفهوم، ومذكراً في آن بعصبيته القديمة المتجددة التي ظهرت أثناء الحروب الصليبية على بلاد المسلمين في الشرق وفي الأندلس. ومن ناحية أخرى، سنجد أن تياراً سيقف على "يمين" الأفغاني، الذي رغم آرائه الواردة أعلاه لم ينج من هجومه، يعدُّ الأساس الذي ستبنى عليه فيما بعد مفاهيم الذاتية المطلقة.
ففي الضد من المدنية التي أخذ الغرب يعلي فضائلها وأخذت تجد من يصغي إليها هنا، نرى أبو الهدى الصيادي مثلاً، يطرح مفهوماً للمدنية قوامه إتباع الأخلاق الإسلامية الحميدة والخضوع للسلطان العثماني والابتعاد عن "إتقان العادات الأجنبية". وبالعكس من النموذج السياسي العلماني الذي يتبناه الغرب والذي وجد من يصغي إليه في هذه المنطقة، وخصوصاً من المسيحيين وبعض النخب الإسلامية، ظهر هناك من أعلن أن "الإسلام دين ودولة"، هذه الصيغة التي تعود في ولادتها إلى القرن التاسع عشر في سياق المواجهة مع الغرب، والتي ستنتظر لتأخذ حضورها الكثيف إلى ما بعد 1924 عام سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا وإعلان قيام الجمهورية على مبدأ فصل الدين عن الدولة، والتي سيكون لأبو الأعلى المودودي ( 1903ـ 1979) دوراً هاماً في صياغة أسسها في أثناء دأبه تحويل الإسلام إلى إطار شامل للحياة بكافة مستوياتها.
جمال الدين الأفغاني
ما يهدف إليه هذا البحث من خلال ما تقدم، بالإضافة إلى عرض السياقات التي تطورت فيها السرديات الحديثة في المنطقة والمحددات التي ألبستها هذا الزَّي، هو التأكيد على أمرين، يخصان موضوع البحث، أولهما: لم يشهد تاريخ العرب الحديث احتراباً بين الطوائف الإسلامية، إن كان على صعيد الواقع أو الخطاب، حتى ما بعد الحرب العالمية الأولى على الأقل. فلم يمر في هذا السياق سوى إشارتين، إحداهما وردت على لسان محمد رشيد رضا وذهبت إلى أن أستاذه محمد عبده كان يرى في الشيعة أشد مما كان يراه ابن تيمية، ولهذا فهم من أكثر المذاهب الواجب تقريبها إلى الحق. مع التنويه إلى أن رضا لم يفصح عن مضمون الرأي لأن محمد عبده كان قد طلب منه كتمانه.
ولا يسع البحث هنا إلا أن يبرر طلب الكتمان هذا، إن سلّم بصحة ما ورد على لسان رضا، إلى أن الإمام محمد عبده كان واعياً أنه لا متسع لمثل هذا الرأي آنذاك. بل إن ما شغل العقول والأقلام والألسن على الساحة الإسلامية حينها، كان السجال مع ما بذره "الوافد الغريب" في الأرض من وقائع وأفكار، إما بقصد التمثل، وهذا نادر، أو بوارد التكيف والإعداد للمواجهة، وهو ما طغى. والثانية، تشرح نفسها بنفسها، وردت في كتاب " البينات" للشيخ عبد القادر المغربي، صديق جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا، وذلك في سياق تبيانه أسباب ضعف الأمة الإسلامية والذي رده إلى ابتعادها عن جوهر الإسلام القائم على العدل والشورى، وتمسكها "بمعولي تخريب وتدمير..." هما الاستبداد والتقليد، اللذان أديا في الماضي إلى العداء بين طوائفها ( سنيين وشيعيين وحنابلة وباطنية) وهو ما سهل الطريق أمام جنكيز خان والصليبيين. ومن هنا رأى أنه من الواجب " أن ننظر إلى جميع المذاهب الإسلامية على السواء " كأصل من أصول الإصلاح الذي لا يمكن انجازه إلا إذا بدأنا " في هدم عرش الاستبداد أولاً...". ويجدر بالبحث التنويه إلى أن إشارته أن ليس ثمة احتراب أهلي بين الطوائف الإسلامية آنذاك، لا يعني أن هذه الطوائف كانت غائبة عن بناءات اجتماعية واقتصادية وثقافية حتّمها ما أحدثته الحداثة من انقطاعات في وقائع الحياة. ولا أن هذه الطوائف كانت قبل الزمن الحديث تعيش مع بعضها سمناً على عسل، بل إن ما نوى الإشارة إليه هو الجذر الحديث لهذه التسييس الطائفي الذي يدّعي حداثته.
أما الثاني، فهو التأكيد على أن نزاعاً طائفياً مشرقياً حصلت وقائعه على الأرض وامتلأ الرأس بها، وقع بين طوائف من المسلمين من جهة والمسيحيين من جهة أخرى، وهو ما حصل في لبنان بداية قبل أن يمتد خارجه. ومن الضروري الإشارة، كما وصل البحث، إلى أن هذا النزاع يجد جذوره في أسباب سياسية مباشرة وغير مباشرة. وان كان قد تمت الإشارة إلى هذه الأخيرة أعلاه، عبر ما سمي " بالمسألة الشرقية" ـ ألا تعكس هذه التسمية نفساً استشراقياً استعمارياً تؤشكل التنوع بوصفه خصيصة الشرق الثابتة، راسمة بين عناصره حدوداً وتمايزات ترقى إلى درجة الماهية مما يستدعي التصادم الحتمي وضرورة وجود ضابط خارجي ناظم لوجود هذه العناصر وسير حياتها، وهو الغرب؟!! ـ أما الأسباب المباشرة فتتمثل بوقائع الحياة العامة ونوازع الحكم والمصلحة وتأكيد الذات، وما تولده من احتكاك قد يودي للانفجار. وأهمها ما تم على يد بشير الثاني، الذي بدأ منذ عام 1795 حرباً لا هوادة فيها ضد العوائل الإقطاعية في لبنان هادفاً من وراء هذا إزاحة العقبات أمام مركزة حكمه وتثبيت دعائمه. إلا أن ما سيقوم به في هذا المجال، وسيكون له الأثر الكبير، هو مصادرته أراضي الإقطاع الدروز في جنوب لبنان وطردهم منها وإعطائها للفلاحين الموارنة الوافدين من الشمال مقابل الولاء وإيجار قليل لا يذكر. ويبدو أن بشير الثاني غاءَ من وراء هذا، عدا تثبيت دعائم حكمه، لفت نظر القوى الغربية إليه وهي التي غدا حضورها لافتاً في الشرق، وخصوصاً باسم المسيحيين؛ وإلى الأمر نفسه يعزى أمر اعتناقه المسيحية سراً. وفي 1822، هرب بشير الثاني إلى مصر خوفاً من السلطان العثماني، فاستغل الدروز
ذلك وقاموا بتعيين شهابي ضعيف مكانه، لاستعادة نفوذهم الذي حجمه بشير الثاني. إلا أن هذا الأخير لن يلبث ويعود بوساطة محمد علي والي مصر، فهاجم الدروز وأسر عميد الجنبلاطيين وقتله وشرد أهل بيته وصادر ممتلكاتهم، وكذلك فعل بالأرسلانيين.
سيستغل محمد علي، الطامح إلى بناء امبرطورية، الأوضاع المتردية في بلاد الشام وضعف الجيش التركي الخارج من حرب مع الجارة روسيا، وكذلك الدعم الفرنسي له. فيجرد حملة، عام 1831، بقيادة ابنه إبراهيم، ويدخل بلاد الشام من بوابة فلسطين، حيث ستتهاوى الدفاعات العثمانية أمام الزحف المصري بسرعة مثيرة، إلى أن يصل إلى أبواب عاصمة السلطنة حيث سيقف لاعتبارات دولية لا مجال للخوض بها هنا. سيعمل إبراهيم على توطيد حكمه بالاعتماد على الأمراء والشيوخ المحليين بالضد من الأمراء والشيوخ والإقطاعيين الذين ناهضوه. وفي لبنان سيكون بشير الثاني، عدو الدروز أصدقاء الانكليز، ساعداً لإبراهيم في هذا. سيقوم هذا الأخير بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في بلاد الشام، وسيعتمد سياسة مهادنة الطوائف عبر منح امتيازات خاصة لكل منها، ولو أن المسيحيين سيحظون بالأكثر منها، لاعتبارات سياسية دولية كان لفرنسا الحليفة النصيب الأكبر فيها. إلا أن طيب المقام لن يدوم للمصريين بسبب الظروف الدولية العاصفة بالمنطقة آنذاك، والتي كان لها دور في انعطاف المسار الإصلاحي لإبراهيم مما انعكس تذمراً شعبياً أخذ يتنامى إلى أن تفجر. فكان من أهمها ثورة الدروز السوريين 1837 والتي كانت أسبابها المباشرة تعود إلى احتجاجهم على التجنيد الإجباري، حيث دامت هذه الثورة ما يقارب العام.
وقد نجحت الدول الأوروبية القلقة من محمد علي، وعلى رأسها انكلترا، في أن تستغل الأوضاع المتردية لتدعم بعض الثورات والتي كان من أهمها ثورة مسيحيي لبنان في 1840، حيث عملت انكلترا على تسليح الموارنة أعداء حلفائها الدروز وأصدقاء الفرنسيين، والتي رغم نجاح إبراهيم بقمعها إلا أنها أشرت بقرب زوال الوجود المصري في بلاد الشام. ومن المفيد هنا أن نذكر حضور الكتاب المقدس عند الثائرين، وذلك بتشبيه المصريين بالفراعنة الذين وقفوا ضد رسالة الله واضطهدوا أنبياءه ونكلوا بشعبه.
بعد دحر المصريين وخروج بشير الثاني معهم، سلحت انكلترا الدروز الحانقين على الموارنة، فنظمت المذابح بحقهم، فما كان من فرنسا إلا أن دعمت هؤلاء الأخيرين وردوا على الدروز بالمثل. وكان هذا في 1841. فتدخل الباب العالي منهياً حكم الشهابيين ومعيداً لبنان إلى الحظيرة العثمانية. وهو ما أثار الدول الغربية التي ضغطت لإعادة الحكم الذاتي للبنان، فأذعنت تركيا في 1843، ولكن باعتماد نظام يقضي بتعيين قائمقام ماروني على الموارنة، وآخر درزي على الدروز. وهو ما سيؤسس لأحداث 1845، حيث أن التوزع الديمغرافي والجغرافي أوجد موارنة تابعين للدروز والعكس صحيح، وهذا ما أوقع المظالم في كلا الطرفين، فوقعت الانتفاضة وأحرقت القرى من الطرفين، وهو ما استدعى تدخل الأتراك ثانية الذين أخمدوا هذه المذبحة وتوصلوا، بمساعدة الأوروبيين، إلى إقرار صيغة جديدة للحكم في لبنان أقر فيه النظام الثنائي السابق مع إضافة تشكيل مجلس في كل منهما يقوم بأعمال القضاء والجباية وما شابه، يتكون من مارونيين ودرزيين واثنين من الروم الأرثوذكس وكذلك من الروم الكاثوليك وسنيين.
إلا أن هذا لم ينه المشكلة، إذ بقيت النار تحت الرماد، وستنتظر لعام 1860 لتلتهب من جديد. فبعد أحداث ما سمي بعامية طانيوس شاهين، وهي انتفاضة ذات طابع اجتماعي اقتصادي، تطورت الأحداث، وكان للغرب وخصوصاً فرنسا دور كبير في هذا، إلى مذبحة جديدة بين المارونيين والدروز، وامتدت إلى دمشق حيث نظّم بعض المسلمين الذين نظروا إلى ما طرأ من تغيرات على واقع الحال على أنه غزو صليبي جديد، نظم هؤلاء مذبحة استهدفت مسيحيي دمشق حال دون استمرارها عقلاء دمشق من المسلمين وعلى رأسهم الأمير عبد القادر الجزائري، فاستمرت ثلاثة أيام فقط. وكانت فرنسا قد هددت بإرسال قواتها إلى المنطقة لحماية الفرنسيين، مما زاد من تخوف السلطان العثماني الذي أوفد وزير خارجيته فؤاد باشا لإنهاء الفتنة، يرافقه المسيحي الحلبي رزق الله حسون ليترجم له البيانات والبلاغات، فكان أن أنشأ فؤاد باشا محكمة لأجل هذا، حكمت على ما يقارب المئتين بالإعدام ومئات بالسجن والنفي، وكانوا جميعهم من المسلمين، لإرضاء الغربيين وخصوصاً فرنسا.
وكان لهذه الأحداث نتائج حاسمة في المشرق العربي كان من أهمها ازدياد الحضور المشرقي أهمية في عقول الغربيين وازدياد الفاعلية الدبلوماسية الأوروبية والعسكرية في المشرق، وخصوصاً فرنسا التي سارعت بإنزال قواتها على شاطئ بيروت في 1860 بحجة حماية المسيحيين، وهو ما خلق شعوراً بالحنق عند البيارتة السنة، وترحيباً متزايداً من جانب الموارنة، حيث أمسى نابليون الثالث " حامي المسيحية الأكبر" وخصوصاً أن أحداث 1860، كما أشرنا أعلاه، ضخمت من الهاجس الأقلاوي المسيحي في الشرق الأوسط. كما حدث تطور في فهم العلاقة بين الغربيين والمنطقة، قوامها عدم الاكتفاء بنظام الامتيازات والتدخل غير المباشر، بل أخذت تنمو فكرة الإلحاق المباشر لهذه المنطقة بالدول الأوروبية؛ ففي فرنسا أخذت تعلو أصوات تطالب بضم سوريا إليها معتبرة إياها " فرنسا الشرق". كما نتج عن أحداث 1860 إلغاء النظام الثنائي للحكم في لبنان والاعتراف بإمارة جبل لبنان المتمتعة بالحكم الذاتي والتي يحكمها مسيحي تابع للأستانة بشكل مباشر، يعضده مجلس إداري مكون من طوائف لبنان جميعاً. وهو ما سيعني الحضور السياسي الأول للشيعة، ولو أنه سيكون غير ذي فاعلية في الواقع.
يريد البحث أن يعكس من خلال العرض السابق (انظر الحلقة الأولى) عدة أمور. أولها الإشارة إلى المحددات والسياقات التي وسمت الاجتماع العربي الحديث وأعطته ملامحه. وهو ما يقودنا، وهذا الثاني، إلى إحدى أهم الإشكاليات التي لفّت تاريخ هذا الاجتماع الذي هو بالضبط تاريخ حداثتنا واندراجنا في العالمية الجديدة الذي أحدثه " الخارج" الأوروبي " فينا ". ذلك أن حضور الأقليات كمدخل لحضور " الخارج" فينا، هو ما ستنبني عليه نتائج لازالت قائمة حتى هذا الحين؛ ليس أقلها أن الدين سيضطلع بدور هام في بناء الذاتية، وبالتالي إما المواجهة مع حداثة ستعاش على أنها غزو حضاري ( بالنسبة للدين الإسلامي)، أو أنه سيرى في هذه الحداثة "الوافدة" وأهلها امتداداً وتعبيراً جلي الملامح عنه ( كما حصل عند المسيحيين). ومن هنا لا يبدو غريباً أن يترافق مفهوم "التحديث" في القرن التاسع عشر مع مفهوم التغريب، وأن تتم المماهاة بين الحداثة وبين المسيحيين واليهود في العالم العربي، وهو أمر لم يأت من فراغ كما رأينا وسنرى.
ومن هنا سيبرز الدين، لا بوصفه " زفرة المقهورين وأوهامهم وأفيونهم" (ماركس) ولا بوصفه أيضاً "أداة للضبط الاجتماعي" (بارسونز) بل كقوة قادرة على الدفع باتجاه التغيير الاجتماعي وشرعنته قياساً على ما قاربه ماكس فيبر في دراسته حول دور البروتستانتية بطبعتها الكالفينية في الدفع باتجاه تأكيد الروح الرأسمالية عبر الأخلاق الاقتصادية التي سوغتها وعملت على بثها؛ ولو أن الجهة التي سيتخذها الإسلام الحديث ستسير باتجاه مفارق في بعض الأحيان. إن إسلاماً حديثاً تمت ولادته، مع الحداثة.
فعلى المستوى السياسي لا يخفى أن انقلابات وانقطاعات هامة حصلت مع هذه الأخيرة. فإذا كانت السياسة شأن لم يلق إهمالاً عند المسلمين الأوائل، إلا أن ما نستطيع الإشارة إليه أن سياقاً عاماً ناظماً لها هو ما كانت تفتقده هذه السياسة ولهذا كانت تدخل في إطار العلوم العملية الذاهبة إلى غاية هي تسيير أمور الحياة دون الحاجة إلى أي ـ ومن دون أن يعني هذا أي حكم قيمة ـ تأسيس نظري لأهم المفردات والتعبيرات التي تمتحها السياسة، كما نجد مثلاً عند اليونان؛ كما أن إجماعاً مطلوباً حول أهم موضوعاتها، وهي الدولة (الإمامة)، لم يكن موجوداً، فمن موجب لها عقلاً من حيث ضرورتها لتنظيم العلاقات بين الناس، إلى موجب لها شرعاً وحسب استناداً إما إلى مرجعية فقهية توجب الإمامة وتعدها من أركان الدين لا يقوم بدونها (الشيعة) أو إلى اشتقاق كلامي يجد مرجعه في تراث من الشواهد يقر بوجودها وضرورتها (الأشاعرة)، وصولاً إلى من يذهب إلى ربطها بمنافع معينة، لا ضرورة لوجودها بعد تحقيق المراد منها (المعتزلة). كما أن إمكانات الدولة المتاحة لها آنذاك، كان يجعل من قوتها التدخلية في المجتمع محدودة.
أما في التاريخ الحديث فإن الدولة ستتخذ حضوراً ذا طبيعة جديدة, قائماً على محاولة اختراق المجتمع وإعادة تشكيله من جديد، من خلال ما أتاحته لها الحداثة من إمكانات المركزة والانتشار. كما أن طرفاً لطالما كان مهمشاً ومستبعداً، وهو المجتمع، ساهمت الحداثة بدخوله في صياغة الأمداء الثقافية والسياسية والاقتصادية؛ وهو ما عنى بالتالي دخول عنصر الإرادة البشرية في صناعة الوقائع على الأرض، لتغدو المبادئ الجوهرية للاجتماع البشري تابعة لما تقرره هذه الإرادة الجمعية في ميثاق سيشكل هو أساس الدولة. ولتصبح هذه الأخيرة علماً على واقع سياسي لا تطابق بينها، بالضرورة، وبين الأمة الواحدة.
أمام الانكشاف الذي شهده العالم الإسلامي أمام الغرب الأوروبي، أخذت هذه الأمور تفرض نفسها إما على شكل وقائع دولتية نستطيع أن نؤرخ لبداياتها الواضحة مع فترة التنظيمات العثمانية في بدايات القرن التاسع عشر، أو على شكل أفكار تجد في المجتمع أبعاضاً مرحبة وأخرى نابذة ومقاومة لها، نخباً ثقافية وتعليمية وسياسية واقتصادية وجماعات أهلية، كانت المصالح والسياسة والثقافة في أس هذا التفارق.
إلا أن ما يريد البحث أن يشير إليه هو أنه حتى تلك الفئة النابذة صاغت رفضها هذا في إطار ما وفرته الحداثة لها من مفردات، إذ أن رفضها هذا كان محاولة لإعادة صياغة المستجدات والوقائع الحديثة بعد إلباسها زيّ الأصول، وهو ما أتينا على ذكر بعضه سابقاً. فإذا ما عدنا إلى ما بدأنا به أعلاه حول الدولة، فإننا كما لاحظنا أنه لم يتوفر في التراث الإسلامي التفكير بالدولة كهيئة نوعية وككيان وضعي، وإنما نجد حديثاً يطابق بينها وبين السلطة والحكم والحكام، وبشكل لا يخلو من مباشرة طاغية بحيث أنه حتى هذه المواضيع لم تظهر كمواضيع للتفكر والتنظير، إذ أن التصنيفات السياسية لم تخرج عن إطار الصنعة والعمل السياسيين، وهو ما قد تقف عليه الكثير من التأليفات السياسية التي ظهرت آنذاك، ونستطيع أن نذكر أن من أهمها عنوان " الأحكام السلطانية" الذي كان عنواناً لمؤلفين متزامنين، أولهما لأبي الحسن الماوردي والثاني لأبي يعلى الحنبلي، وآخرون تطرقوا لها في إطار عام كعبد القاهر البغدادي في كتابه " الفرق بين الفرق"، وجدير بالذكر أن هذه الأعمال دخلت إلى السياسة مدخلاً عقيدياً يعبر عنه الماوردي حين يجزم أن مسألة الإمامة مقدمة على أي " حكم سلطاني "، وجدير بالذكر أن هذا الأخير (الماوردي) وعبد القاهر البغدادي عاصرا المحن التي أخذت تعصف بالعباسيين من قبل البويهيين الشيعة والفاطميين الإسماعيلية في مصر، وهذا ما سيكون حافزاً عند الرجلين للتصدي لهذه الأوضاع المتردية للدولة العباسية (السنية)، ومن هنا سيقوم البغدادي بإعلان رأيه صراحة أن الباطنية ـ الإسماعيلية كما نعتقد هم المقصودين ـ هم أخطر من اليهود والمجوس والكفار...إلخ.
هذا عدا الكتب التي تكلمت عن سير وآداب الملوك والوزراء ووضعت قواعد الجباية والخراج...إلخ. وهو ما سنشاهده أيضاً في ذلك التفسير الجوهراني العضواني للأمة الذي صاغه الأفغاني أثناء صياغته لنظريته في التعصب والعصبية، والتي ستشكل فيما بعد الأساس النظري الذي سيبنى عليه هرم الذاتية المطلقة في مواجهة آخرية مطلقة، وستجد بداية تبلورها على يد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذي انطلق في سياق نقده للحداثة الغربية من ذلك التقسيم الثنائي للحضارة الإنسانية، شرق روحاني مسلم مقابل غرب مادي صليبي منحط قيمياً؛ يستل هذا النقد مفاهيمه من تصور للتاريخ يرى في الإسلام محركاً له وحاضناً. لتغدو الحداثة بنت تاريخ آخر مغاير، مسيحي الهوية.
العروبة الأولى إذ تُخلق وقائعها طائفياً
كان ركوب الأتراك في العربة الألمانية هو السبب القريب الذي عجل بحسم الأمور باتجاه ضرب الوجود التركي في المشرق العربي من قبل الانكليز ـ الذين كانوا ممانعين لذلك حتى وقت قريب ـ والفرنسيين. إلا أن الأمر، وكما وعاه الانكليز خصوصاً، لم يكن باليسير، وخصوصاً أن معظم سكان المستعمرات من المسلمين يدينون بالولاء للخليفة التركي من حيث كونه خليفة المسلمين، وهو ما قد يشكل سبباً كافياً لإثارة المشاكل في هذه المناطق. لهذا بحث الانكليز عن معادل للخليفة التركي من حيث الموقع والتأثير ووجدوا هذا المعادل في شخصية الشريف حسين بن علي، متوسمين في نسبه الراجع إلى أهل بيت الرسول، وموقعه من حيث أنه المسؤول المباشر عن الأماكن المقدسة في الحجاز، وكذلك لمسها ما عند الرجل من طموح في الاستقلال عن الأتراك. وهو ما دفع لما سيدعى " بمراسلات الحسين مكماهون " التي حثت بريطانيا من خلالها الشريف حسين على الثورة على الأتراك واعدة إياه بدعم استقلال العرب في دولة تشمل معظم الأراضي الممتدة من شمال بلاد الشام حتى المحيط الهندي جنوباً ومن العراق شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً.
وفي الحقيقة أن هذه كانت مطالب الشريف حسين الذي عدّ هذا الامتداد مجال الامبرطورية العربية الطامح لتكوينها("الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، زين نور الدين زين، دار النهار، بيروت، 1977"... من ص64 حتى ص75). ولا ريب أن العروبة التي سينادي بها الشريف حسين هي ماركة مشرقية سورية، كنا قد ألمحنا إلى أصولها الاجتماعية في السابق، ويبدو أن الشريف حسين أراد من خلال ذلك أن يقدم نموذجاً للخارج الأوروبي مختلفاً عما هو قائم، وليس إلى عموم المسلمين (السنة تحديداً) حيث أن منصبه ونسبه كان من الممكن أن يجد أصداءً أكبر أثراً في نفوسهم.
وكان مما عزز هذا التوجه عند الشريف حسين هو ذلك التحول عن العثمانية وتنامي الشعور العروبي على امتداد سورية وخصوصاً بعد سياسات الاتحاديين الأتراك الطورانية ضد العرب، وهو ما نجده مذكوراً على لسان العديد من الشخصيات السياسية آنذاك، كحسن الحكيم الذي يذكر له حازم صاغية قولاً مفاده أنه كان " ينظر إلى الدولة العثمانية بأنها دولة إسلامية الويل لها إذا انهارت وتحكم الأجنبي في رقابها، بيد أنه منذ أن علّق جمال باشا في 6 أيار الفئة المختارة من أحرار العرب على أعواد المشانق (...) ومنذ أن رفع غلاة الاتحاديين القناع عن حركتهم الطورانية التي ترمي إلى تتريك العرب، أصبحت أرى العمل للقومية العربية واجباً مقدساً " (أول العروبةـ تخلي الأكثرية وتولي الأقلية، حازم صاغية، دار الجديد، بيروت، الطبعة الأولى 1993، ص 74) وكذلك عبد الرحمن الشهبندر الذي عنت له سياسات الاتحاديين" سلسلة من الحوادث والاضطرابات لا مسكن لها إلا تحقيق الرغائب القومية " (المؤتمر العربي الأول، سلسلة قضايا وحوارات النهضة العربية، تحرير وتقديم محمد كامل الخطيب، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، دمشق، الطبعة الثانية، 1996، ص 15) وأيضاً الشيخ محمد رشيد رضا الذي أرجع أسباب النقمة على الأتراك إلى سببين أولها الاستبداد" والثاني تصميمهم على أن يترّكوا العناصر ولو بالقوة، وأن يمحوا من البلاد كل صبغة غير تركية... " ( المؤتمر العربي الأول ص 36 ـ 37).
إلا أنه ورغم هذه السياسات ظلت معارضة الأتراك محصورة في بعض النخب المثقفة والاقتصادية عند المسلمين السنة، بينما كان "مثقفو الأقليات الدينية، خصوصاً منهم المسيحيون، الطرف الراديكالي الثابت في معارضة الحكم العثماني،.." (أول العروبة ص 78)، بل إن الثورة التي ستعلن ضد الأتراك ستتيح لبعض الأقليات الإسلامية التي لا يذكر أن ثمة دوراً سياسياً حديثاً يشهد لها، كمشاركة الشيخ صالح العلي أحد زعماء العلويين في سورية وكذلك زعيم الدروز في سورية سلطان باشا الأطرش ( وهؤلاء يختلفون عن العلويين، وخصوصاً دروز لبنان، من حيث حضورهم السياسي الحديث والذي سبق وأشرنا إليه) حيث يؤكد حازم صاغية أنهم من الأسماء التي ترد " بغزارة في سائر روايات الثورة الهاشمية... " ( أول العروبة ص 89).
إن هذا الطابع النخبوي الأقلاوي لهذه الثورة، بالإضافة لما لاقته من دعم انكليزي فرنسي، وما نتج عنها من انهدامات طالت البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية دفع قطاعات واسعة إلى النظر إليها إما نظرة عداء أو حذر وريبة، مما طور نقداً لها يستند إلى معجمية إسلامية وجدت صياغاتها الأولى في ذلك النقد الذي سبق وأن وجه للعروبة (وهي أحد العناوين التي اعتمدتها الثورة)، على يد الممانعين لتبدل واقع الحال، وخصوصاً عند المصريين في صحافتهم، حيث قوبلت الفكرة العربية وما يقاربها كالدعوة لخلافة عربية أو دولة عربية بالرفض والعداء، كما ورد في صحيفة "المؤيد" التي ذهبت إلى أنه " ... لا مصلحة للمسلمين في دعوة كهذه ودول أوروبا تتخطف بلادهم كلما وهنت علائقها ببعضها فهي محيطة بالبلاد العربية في آسيا وأفريقيا إحاطة الذئاب الكاسرة بقطيع من الغنم" تحليل مضمون الفكر القومي العربي، دراسة استطلاعية بإشراف السيد ياسين، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1982. ص 54).
هذا الرأي سيتكرر بالنسبة للثورة الهاشمية( بتعبير صاغية)، حتى عند بعض من ساهموا في هذه الثورة، كمحمد جميل بيهم الذي اعتقد بعد قيامها "أن هذه الثورة هي جزء من المخطط الأوروبي القديم الذي يرمي إلى الفرقة بين المسلمين والقضاء على الخلافة" ( أول العروبة ص 77). وهو ما يعني أن هذه الثورة، وبالتالي العروبة، ستغدو في ذهن طيف واسع من المسلمين علماً على مؤامرة غربية ( صليبية) على ديار المسلمين. وهو ما يظهر جلياً في قولٍ للأمير سعيد الجزائري وهو يحث الشريف حسين على إعادة بناء جسور التواصل والتحالف مع الأتراك، يؤكد فيه على " أن الصليب يحارب الهلال اليوم، وأنت ابن رسول الله" ( أول العروبة ص 106).
وبعد ذيوع أخبار وعد بلفور ببناء وطن قومي لليهود في فلسطين، أضيف اليهود إلى عناصر المؤامرة على المسلمين، وهذا الانقسام هو ما سيدفع الأمير فيصل بعد نجاح ثورته إلى الإعلان بنفس عروبي واضح يقصد به الرد على هذا المزاج الطائفي الذي أخذ بالتفشي "أن العرب هم عرب قبل موسى وعيسى ومحمد ". وفي شهادة يوردها صاغية لصبحي العمري تعكس واقع الحال الطائفي المستجد، يذهب هذا الأخير إلى أننا "خرجنا من الحكم التركي ونحن متفرقون مفككون إلى مسلم، مسيحي، شيعي، سني، اسماعيلي، نصيري، ودرزي. ومن القوميات الأخرى: تركي، تركماني، شركسي، كردي، ألباني، أرمني. وجميع هذه الديانات والمذاهب والقوميات مختلفة مع بعضها، كل منها تعتبر نفسها غريبة عن الآخرين وتعتقد أنها مغبونة مهضومة الحقوق" ( أول العروبة ص 122).

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow