Alef Logo
يوميات
              

9 مذكراتٌ مبعثرةٌ على مكتبِ محامٍ غائبٍ

ناديا خلوف

خاص ألف

2013-05-14

مؤتمراتٌ، ولجانٌ
أبحثُ عن أشياءَ تعني: حبّاً. عشقاً. أماناً، وحريّة،
عن دفءٍ يسري في جسدي الموجوع؛
عن كلماتٍ كانت تضحكُني
عن أمّ أعاندُها وتصالحُني،
عن رصيفٍ أضرب رأسي عليه إلى حد عودة الحياة إلى جسدي.
أكتب بعدها كلماتي على الشّارع المقتول.
أبحثُ عن معنى وجود الكون. عن نايٍ من قصب يغنّي قصيدةً مسكونةً بالموت.
عن زمانٍ. مكانٍ. عن نفسي كيف سأكون؟

أبحثُ عن أوراق مبعثرةٍ فوق طاولتكَ. تخصّ قضايانا الشّخصية.
مات أبي، وعلى النّقابة أن تدفعَ لي معونة من أجل أن أقومَ بواجبي تجاهه. ماتت أمي منذ عشر سنواتٍ قبله، ولم أتقاضَ ثمناً. كنتُ سأكرّمهم بالمبلغ، فخمسون ألفاً ليست ليس بمبلغ قليل.
وضعتُ الطّلب منذُ عشر سنوات. لازالَ قيدَ الدّرس!.
طلبٌ آخر أضعتُ أهمّ وثيقة فيه. كان سيصيبني نصيبٌ من وراثة أحد أجدادي لأمّي. قطعة أرض بحجم حديقتنا. هي لا تغني ولا تسمن من جوع ، فأرضٌ زراعيّة في أقاصي الدنيا، لا تساوي شيئاً، لكنّ الوثائق التي استخرجتهان والتي كتبتها وصدّقتها أصبحت بحجم موسوعة. فقط أضعتُ وثيقة حصر الإرث، وهي أهمّ وثيقة في هذه الأوراق المتناثرة.
أراكَ تسخرُ منّي. لماذا؟.
يبدو أنّكِ تعيشين أحلاماً ورديّة. الموضوعُ الأوّل سهلٌ. يمكنك حلّه عن طريق الحاجب. تنازلي له عن إحدى الحصّتين، لن يناله الكثير. فقط يأخذ نسبته من الرئيس.
أما الأمر الآخر فحلّه أسهل. الحلّ بأكمله عند "أبو عروبة ".
أبو عروبة مكافحٌ. أتى من بلده في الجبل الأشمّ، ولا زالَ لا يملك بيتاً هناك. زوجته تعيّره فهو "أبو ثائر" من نفس القرية، لكنّ الأخير مجتهدٌ وعصامي. أحواله المادّية تكادُ تطال النّجوم. هو لا يدخّن السجائر، ولا يشرب النبيذ، لهذا جمع ثروة من وراء عفّة نفسه...
لم أنجحْ في أية قضيّة حتى الآن، كأنّني لا أصلحُ لهذه المهنة.
عزيزي. أرجو أن تجيبَ على أسئلتي دون حساسية.
هل يمكن تسمية "الدّعارة" عملاً شريفاً؟
قد تكونُ كذلك، بالنسبة للأنواع الأخرى منه. عليك أن تحدّدي أنت. السّياسية، أم الاجتماعية؟
لماذا تسألين ؟
أفكّر أن أخفّف عنكَ أعباء الحياة، فبعد أن ادّعيتَ الاكتئاب، أرى نفسي ألهثُ مثل كلبٍ شارد، أخجلُ من الوقوف على الفرن من أجلِ شراء الخبز. البارحة جلبتُ لكم فطائرَ لذيذة. لم تسأل من أين أتيتُ بثمنها.
كلّ يوم أمرّ من عند بيت "أم سوسو"، هي لا تستيقظُ باكراً. تسهرُ مع "المعلّم" عندما يذهب زوجها إلى المناوبة، أنا لا أتناولها بالسّوء. كل شيء يجري بعلم زوجها. يخرج من المنزل بحضور المعلم، هو واثق منه – الموضوع شخصي -، الحارس الشخصي يقف بسيارته بعيداً. والخيرات تتدفّقُ عليها. رمتِ البارحة بكيس الفطائر كما هو قرب سلة القمامة. جلبته. قرأتُ عليه سورة الفاتحة. ثم سخّنته. قدمته لكم كوجبةِ غداء. كم كنتُ خائفةً أن تكتشفَ الأمرَ. ما أتفه أن أفكّر بهذه الطريقة! أجلبُ الطعام، ثم أخاف من التّقريع.على فكرة: لاأخافُ منكَ. أخافُ من الفضائح. أخجل من الجنون إن كان مصطنعاً. ولا أنظرُ إلى أنّك موجودٌ عندما تعبّر عن رجولتك بصوتك الذي يخترق الجدران. أكون وقتها أتأمّلُ الوجود.
كان الطعام لذيذاً. عرفتُ أنّه ليس من صنعكِ. أنتِ بخيلةٌ،لاتجودين بالمواد كثيراً.
لابأس. لن أناقشَ هذا الأمر، ولو أنّ قمّة النذالة أن تقولَ هذا الكلام، لو جدّتَ بالمال، لجدّتُ بالطُعام.
دعنا نناقشُ موضوع الدّعارة. كيف يمكنني العمل فيها؟
أنتِ!
نعم
يبدو أن السّوقَ سيغلقُ أبوابه. لم تخلقي لهذا.
ساندني إذاً.
كن زعيماً، كن قائداً لحملتي. قد ألتقي بمن ينقذُ عائلتنا. لازلتُ على قسط من الجمال، ولولا حظّي العاثر بك، لوجدتُ من يجعلني أميرة.
مدينتي. قانونها ظلم. بحثتُ فيها عن عملٍ شريف يسدّ رمقي. لم أجد أشرفَ من "الدعارة ".
للظّلم قانون واحد. مكتوب على أوراق صفراء.
وللحبّ قانون واحد مرسومٌ بابتسامة طفل.
على فكرة: أتمنى الموتَ. عليّ أن أعملَ مع الساقطين، وإلا متّ من الجوع.

سأحضرُ اجتماع نقابة المحامين غداً، وجهت لي دعوة. ليس عندي بذلة رسمية، ولا حذاء. ستدير المؤتمر "أديبة"، فقد نالت هذا العام: جائزة الأمّ المثالية، وصاحبة الرّأي المحقّ، وجائزة ضابط إيقاع على الطّبل، وجوائز أدبية وانسانية كبيرة، حتى أنّ الأمم المتحدة جعلتها سفيرة بسبب خدماتها للانسانية. تصور أنّها تذكّرتني مع أنّني لا أعرفها. عينتني في لجنة "كل من إيدو إلو".
من هي أديبة؟ لم تكن موجودةً عندما كنت حيّاً. لا أعرفها.
تعرفه . عندما جرت محاربة أمريكا فوق الشّارع السوري، وانتصرنا على الغرب كلّه في مسيرات في كلّ المدن السّورية. كان لها دورٌ فاعلٌ على الأرض. كنّا ننظرُ معاً من شرفة مكتبنا، أخرجتْ علم البعث من صدرها. هلّلت لسوريّة، وسقّطت أمريكا، وزغردت لسيّد الوطن. عندها فقط شعر العالم بعظمة هذه الأمّة التي تبايع على مرّ السنين لآدمها، وسيدها بـ "نعم "
كان لأديبة اسم آخر مريمي على ما أعتقد.
فعلاً. هي جديرة بهذا العمل ياعزيزتي. وهل أصبحت تعملُ في المهنة؟
هي شخصيّة عامة تمارسُ كلّ الأنواع.
وهل ستعملين معها؟
نعم. لو توفرَ لي الحذاء المناس. الكعبُ العالي موضة، لكنّ الاجتماع مع أديبة فيه شرط: أن لا يكون الكعبُ أقل من تسع سنتمترات. للحذاءِ أيضاً قيمة انسانية.
سأحطّمكَ!
هل تعملين مع أديبة؟
كل شيء أقبلُ به حتى زواجك إلا هذه المهزلة.
توقّفْ. لماذا تصادر حريّتي؟
أديبة الجديدة " مريمي"، شخصيّة عامّه لها وزنها على نطاق الوطن.
البارحة دعتنا إلى مطعم "الرومانسية الاجتماعي" كي ننسّقَ من أجل المؤتمر المقب . سأكون رئيسة لجنة القضاء على العنوسة. نطالبُ بقانون يجيز تعدّد الزوجات، ويجيز الجواري. لا ترفضْ الفكرة، وتحكم على الموضوع سلفاً. كن جديداً. عملنا إعلاناً في صحيفة تابعة لـ "ذا مومنت كروب"، طلبنا جاريات لرجالٍ في التسعين. يريدون أن يبتسموا للملائكة قبل وداع الحياة. خلال ساعة أتى مئة ألف طل . المجتمعُ المتمدّن قبل الفكرة، لماذا ترفضها أنت؟.
بعد انتهاء عشاءُ العمل هذا. حلفت أديبة أغلظ الأيمان أن تدفع هي عن الجميع. جلبت فريق المهللات. أغلبهم دون الثامنة عشر. قالت يجب أن نكسبَ الرّجال إلى صفّنا، ولا شيء غير الجمال يفيد القضيّة. "قضيّة المرأة طبعاً".
هي متحرّرة من القيود، كان الرجال يمازحوننا بألفاظ جنسية، فيغمى عليها من الضحك لسخونة النّكتة. حتى أنّها طالبت في إشارة عاجلة إلى أهمية الجنس الجماعي في تلبية طموحات الشّارع العربي. وأتت بأمثلة عن إبن قريتنا المكبوت "سالم" أصبح بعد هجرته إلى الغرب صاحب مفرخة. أنجب عشر أطفال. خمسة من زوجته سلمى، وخمسة من خمس نساء أخريات. الغرب جعله يعيش في نشوة دائمة. يعتقدُ أنّ نساء العلم خلقن من أجله. لا ألومه. يعتقد نفسه صاحب رسالة مميزة، ومن حقه أن يغيب عن الوعي من أجل أن تكتملَ اللذّة. لازال في الخمسين، ولا نعرف إن وصل عمره للسبعين، كم يكون قد رمى في طرقات الانسانية من بذور؟. هو متمدّن لاينازع المرأة على حضانة الطفل. أحياناً أيضاً يسأل عن أولاده عبر الهاتف!
هل تبكي؟
نعم. أبكي من وضاعة الحديث، ولا ردّ عندي. قد أكون مشاركاً في انحدارك. فلو كنتُ أهتمُّ بحاجاتك لما وصلتِ إلى أيديهم. أنت تمارسين الدّعارة ياعزيزتي دون أن تربحي منها. أحزن عليكِ. لماذا تقدمين خدماتك بالمجّان؟.
هل قلت دعارة؟ الحمد لله أنّني لا أمارسُ السياسة.
لا أخفي عليكَ سرّاً
لم أدعُ إلى اجتماع لجنة القضاء على العنوسة المقبل. كنتُ في فترةِ اختبار. أوكلت لي مهمة إدارية في مؤسّسة العنوسة. طلبتْ أن لا ينضمّ إلى هذه المؤسسة، من يكون عمرها فوق العشرين. حرصاً على معنويات قادة الأحزاب الثائرة، وعند أوّل اختبار. شعرت أنّ الأمر يشبهُ الاغتصاب لروح الإنسان والأنثى. تجاهلوني. لم أتناول اليوم الطّعام. خسرتُ عملي.
اعطني جرعة قيم أيّها البطل. جرعة أمل. أم أنّك حزين لأنّني لم أقبض الثمن؟
من أين آكل خبزي؟
قبل حديثكِ الشّيق هذا. كنتُ قد شربتُ كأس نبيذ من مخلّفات الكائنات الحيّة. النبيذ هذا موجود في جماجم أجدادي، الذين غفوت ميتاً فوق أجسادهم. واستغرقت في موتي حتى الثمالة. أعدتيني بندبك إلى الحياة. أجد نفسي في شوارع دمشق وعلى جسر الرّئيس. أبيع صور الزعماء. كل زعيم ثمنه ليرة واحدة. أصرخ زعماء للبيع. تحملني الأكفّ. تصرخ معي.
عدتُ إلى الحياة. لم أعدْ هنا. لا تحدّثيني بالذّكريات.
تعاليّ إليّ، كي نعيشَ العمرَ حتى لحظة الممات.
الموت أيضاً له جماليّة الحياة،
وصوتكِ الكئيب له وقع لهيبٍ في جسدي.
ندبّك اليوميّ لم يعد يجعلني أموت براحتي.
ضمّيني إليك. أرتجفُ خوفاً عليك.
لم أشعرْ بضعفك إلا بعد أن غادرتُ.
أوتبكين أنت أيضاً؟.
حبيبي. أرغبُ في البكاء.
ليس لي خيار سوى الزعيق أو العواء.
عانقني. دعني أموت مع العناق
وقلبي ينبض بالحياة.
دعني أهدأ من هذا العصف.
خذني إلى الجنون. لا تحاصر جسدي الضئيل،
ولا يديّ المرتجفتين.
دعني أعيش معك لحظة موت،
لربما كانت أجمل من الحياة.

.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow