Alef Logo
ضفـاف
              

فصل من برهان العسل لسلوى النعيمي :

ألف

خاص ألف

2013-05-28

نبدأ فنقول :
هناك من يستحضر الأرواح ، أنا أستحضر الأجساد . لا أعرف روحي و لا أرواح الآخرين ، أعرف جسدي و أجسادهم . هذا يكفيني . أستحضرهم و أعود إلى حكاياتي معهم عابرين في جسد عابر. لم يكونوا لي أكثر من ذلك . الأمور محددة الأفق منذ البداية . إذن ؟. أستعملهم ؟، أدوات جسدية ؟، و لم لا ؟.عشاق ؟ كلمة كبيرة . لا يمكنني أن استخدمها و لا حتى بيني و بين نفسي . كان "المفكر " هو الوحيد الذي استعملها مرة و صدمت . عشيق ؟. ليس لدي عشاق . يجب أن أجد كلمة أخرى . لم أتعب نفسي في البحث عنها. كنت أحكي له مرة عن صديقة لي التقت به في حفلة عامة . سألني : هل تعرف أني عشيق صديقتها ؟ كانت حكايته سري و لم يهزني السؤال . هزتني الكلمة : عشيق ." المفكر " عشيقي ؟. لم يخطر لي هذا أبدا . هل يمكن أن أكون عشيقة رجل لا أريد منه إلا أن يحضنني في مكان مغلق ؟.هل يمكن أن أكون عشيقة رجل لا أريد منه إلا هذه الساعات المسروقة ؟.
عشاق ؟.
من المؤكد أن " المفكر " كان محقا في استعمالها. عيبي أنني آتية من كوكب لغوي آخر . كوكب لغة نسائية عليّ أن أخترعها. ألجأ عادة إلى المعاجم لكنها لا ترضيني دائما. هي لغتهم و مفاهيمهم .أجد كلمة ( عشاق ) واسعة على كل أولئك الرجال الذين عرفتهم.
حتى على المفكر ؟.
عشاق ؟.
من البداية ، يكون اللقاء . تتوامض العينان في لمحة و ينحسم الرد في داخلي بنوع من الحدس الباتر. منذ اللحظة الأولى . حتى قبل أن يقدم لي الراغب أوراق اعتماد شهوته. ما يهمني هو رغبتي أنا. رغبتي النادرة.
أملك حسا أخلاقيا لا علاقة له بقيم العالم الذي يحيط بي . رفضتها منذ زمن لا أتذكره . هذا الحس الأخلاقي الشخصي هو الذي يزن أفعالي و يمليها عليّ و على حياتي : وجهي بعد الحب و لمعة عينيّ و لملمة أجزائي و جذوة الكلمات تتقد حكايات في صدري .
هكذا عرفت باكرا ما أريد : عقل متيقظ في جسد متيقظ . حتى قبل أن أقرأ في الكتب الجنسية العربية العزيزة عليّ ما يدعم مواقفي .
قال الجواب إنني لم أعرف رجلا إلا زوجي .
قال إنني أرفض كل رجل يشتهيني لأنّ لدي حسا أخلاقيا عاليا يجعلني أخاف من المجتمع و من حكم الرجل عليّ لو قبلت عرضه.
قال إنها بقايا تربيتي الطهرانية القديمة.
قل إن هذا يشلني و يكبحني و يقيدني.
قال إنني أعد قبولي الجنسي نوعا من الخضوع .
قال إنني أخاف أن يخفت ألقي في عيني الرجل الذي أقبل به.
قال إنني لا أملك الثقة الكافية بجسدي و لا أجرؤ على تعريته أمام رجل.
قال إنني أرفض نموذج صديقتي التي تقول نعم لأي رجل و أعتبرها مستهترة رخيصة.
قلت : ربما ، واعيةً أنني بعيدة عن هذا مسافات ضوئية.
قلت : ربما ، كي لا أقول له : إن رفضي الجسدي له لا يعني رفضي المطلق لكل الرجال.
قلت : ربما ، و أنا ألعب لعبة أتظاهر فيها بقبول تفسيراته التي تطمئنني إلى نجاح لعبتي الاجتماعية.
أن أرفض رجلا يعني أني أرفض الجميع ؟. أن أقول : " لا " لرغبة رجل يعني أني أقول : " لا " لكل الرجال ؟. تفسير ذكوري مريح للجميع و أولهم أنا.
كنت أقول : ربما ، لأنني لا أريد أن أوضح للآخرين . ماذا أقول لهم ؟. إنه ليس لدي أي مرجع أعود إليه إلا نفسي و ما أريده أنا ؟، و لا التقاليد ؟. لا الخوف من ألسن الناس ، و لا رهبة العقاب ، و نار جهنم ؟.
أعرف أنني ، بعكس كل ما علمونا ، متعددة الأزواج بالطبع ، مثل غالبية النساء ربما. ليس هذا هو التعبير الملائم. يجب أن أقول : متعددة العشاق ، أو ، على الأصح ، متعددة الرجال.
منذ سنوات رأيت ألبرتو مورافيا في مقابلة يتحدث عن هذه التعددية الطبيعية عند المرأة و وقعت جمله علي كالوحي. أن يضع في كلماتٍ ما أعرفه نظريا و ما أطبقه عمليا .بعدها قرأت المقالة نفسها عند فيلسوف فرنسي معاصر ينظّر للذة و يطبق الفكرة التعددية على كل إنسان ، رجلا كان أو امرأة . قرأته بنهم سعيد مع أني لم أكن بحاجة إليه : كانت حياتي برهانا على أفكاره.
هل سمعت حديث مورافيا قبل المفكر أو بعد المفكر . لا أذكر تماما.
هل قرأت الفيلسوف الفرنسي قبل المفكر أو بعد المفكر ؟. لا أذكر تماما.
أذكر فقط أنني القيت به في عز انغماسي في قراءة كتب التراث الجنسي . صرت أتسلى بإحالة كل ما يحصل بيننا إلى النصوص القديمة ، أقرأها عليه و أتفنن في فصفصتها. لم يكن يعرف منها إلا كتابا واحدا :
( رجوع الشيخ إلى صباه ).
قرأته خفية في بداية مراهقتي . أعارته لي تلميذة في المدرسة الإعدادية لم تكن صديقتي. أكبر بسنوات من بقية بنات الصف ، تستعمل أحمر الشفاه و تكحل عينيها و تتناقل التلميذات حولها حكايات غامضة لم تكن تروى أمامنا نحن الأصغر سنا إلا نُتَفاً : عن آثار الضرب على جسدها ، عن أهلها الذين يريدون تزويجها مرغمة ، عن الصبيان الذين ينتظرونها على باب المدرسة من دون مداراة.
ما عدت أذكر كيف وقعت عيناي على الكتاب معها و كيف أعارتني إياه و هي تحلفني ألا يراه إنسان. أذكر صدمتي الأولى و خوفي من أن يضبطني أحد متلبسة بحمله. لم يكن هناك من يراقب قراءاتي و يقيد حريتها ، لكنني حدست أنني أرتكب فعلا علي أن أخفيه عن الآخرين . قرأته بسرعة أكدت لي موقفي. أذكر فقط رغبتي في الاكتشاف و خوفي مما ينفتح أمامي. عيناي تحملقان إلى الصفحات و نبضات قلبي تتسارع . أخفيته بين كتبي المدرسية أعدته إلى صاحبته في اليوم التالي. نظرت إليّ بفضول مترقب. وضعته بين يديها بجدية محايدة و لم أقل شيئا. استعادته بنوع من الخيبة أمام رد فعلي و خبأته بسرعة في حقيبتها و هي تدير لي ظهرها.
كنت صغيرة لكن عوالمي السرية كانت قد وضعت أسسها من قبل. امتلكت باكرا موهبة الازدواج و أرستها متراسا لحريتي في مواجهة نفاق العالم.
تحرت بعدها بسنوات ، بالتجربة العملية ، حقيقة ما كتبه شيوخي من المؤلفين العرب عن (فوائد الجماع ) كما يسمونها ، جسدية و نفسية و ذهنية ، فهو يسكن الغضب و ينفع لفرح النفس لمن طبعه الحرارة. و هو علاج شاف من ظلمة البصر و الدوران و ثقل الرأس و أوجاع الجنبين مما يعمي و يغلق أبواب الفكر .
أعرف أيضا ضرر ألا أفعل . قال محمد بن زكريا : من ترك الجماع مدة طويلة ضعفت أعضاء قوته و انسدت مجاريها و ضمر ذكره ، و قد رأيت جماعة تركوه لنوع من التقشف فبردت أبدانهم و عسرت ركاتهم و وقعتعليهم الكآبة بلا سبب ، و عرفت لهم أمراض المايخوليا و قلّت شهوتهم و هضمهم .
أمراض نفسية و جسدية ؟.الجنون و الكآبة و الماليخوليا دفعة واحدة بسبب الكبت الجنسي ؟. أعاذنا الله و أبعدنا عنها جميعا.
قال ابن الأزرق : كل شهوة يعطيها الرجل نفسه فإنها تقسي قلبه إلا الجماع . و من هنا جاء حرصي على رقة قلبي.
تدربت على أن أتحدث دائما مع الآخرين على المستوى النظري فقط عندما يتعلق الأمر بالجنس . قد أعطي أمثلة من الكتب أو من حياة غيري ، أما حياتي الموازية فقد كانت مخبوءة في قمقم لا أفتحه إلا وحيدةً ليخرج من جنيُ ذاكرتي .
جاء المفكر و قلت له نعم ؟.
لم أحك لأحد في البداية عن هذا الولع المعرفي. كانت هذه الكتب سري الذي لا أشارك فيه أحدا . و قلت له : نعم . جاء المكر و انفتح القمقم . في السرير حكيت له عن قراءاتي السرية . تداخل السران و امتزجا نهرا واحدا.
في تلك الأيام كنت أكتفي بالتلذذ بهذه الكتب و استعادتها معه. في البداية كنت أبحث عن اسم كل وضع جنسي و أنقله له. صارت الأسماء المضحكة في أغلب الأحيان شيفرة سرية نتناقلها بيننا ببراءة ظاهرية ، نطعم بها حديثا في حضور الآخرين . و نتفنن في تمريرها في كل سياق. لم يكن ذلك سهلا : كيف يمكنك أن تلفظ كلمات مثل المقمّع و الكباشي و الكوري و اللوي و خياطة الحب في جملة مفيدة ؟. كان جهل الآخرين عونا على اللعب نستغله من دون حرج .
كنت واثقة من أنه لا أحد يستطيع أن يتوقف عند هذه الكلمات .إلا إذا كان خبيرا بكتب الباه ، يقرأها و يعيد ، مثلي أنا . هذا نادر ، حتى في أوساط المثقفين العارفين بأمور التراث ، تأكدت منه بالتجربة العملية و كانت طريفة في كل مرة. مع " المفكر " أدركت قيمة ما أقرأ و وعيت أهميته. صرت أتنقل بين أحمد التيفاشي و علي بننصر و السموأل بن يحيى و نصر الدين الطوسي و محمد النفزاوي و أحمد بن سليمان و علي الكاتبي القز ويني و السيوطي و التيجاني و كأنني بين أصدقاء . أقرأهم و أستعيدهم ، أتمزمز بنصوصهم و أترجم حياتي إلى كلماتهم . أحتفظ بها كلمة سرية لا أجرؤ على البوح بها إلا للمفكر.
لماذا كان هذا الترقي بين المفكر و كتبي السرية ؟.
يخطر لي أنني انتقلت معه إلى مرحلة وعي جنسي ما كان يمكن أن تنفصل عن قراءاتي . تداخلت التجربة العملية بقاعدة نظرية ، و ما كان يمكن لهذا التقاطع إلا أن يقدح شررا. كنت أتسلى بحالة ما أعيش معه إلى مقاطع من هذه الكتب. أنقله له أولا بأول و ينظر إلي بدهشة : هذا كنز معتم عليه لا يعرفه إلا القليلون . يجب الكتابة عنه و التعريف به.
كان المفكر سري و كانت الكتب جزءا من هذا السر.
كانت الحرية التي يكتب بها القدماء تمد لي لسانها مع صفوف الكلمات التي لا أجرؤ على استعمالها ، لا شفويا و لا تحريريا. لغة مهيّجة . لا يمكنني أن أقرأ مقطعا من دون أن أتبلل . لا يمكن للغة أجنبية أن تثيرني هكذا . العربية هي لغة الجنس عندي . لا يمكن للغة أخرى أن تحل محلها وقت الحمى ، حتى مع غير الناطقين بها ، من دون الحاجة إلى ترجمة طبعا.
كانت الكلمات الممنوعة تحيي تاريخا من الكبت الجنسي و تحيي معه مقاومة هذا الكبت . الطريف أنني لم أكن أستعمل هذه المفردات ، حتى بيني و بين نفسي . مفردات القراءة فقط . لا للكلام و لا للكتابة. حتى الآن يصعب علي أن أستعمل في لغتي كلمة من " الكلمات الكبيرة " . أتحاشاها . يمكنني أن أنقلها ، و أن أستشهد بها ، و براءة الأطفال في عينيّ ، مهما كانت ساخنة. أم أن أستعملها للحديث عني و عن تجاربي فتلك حكاية أخرى .
هذه النصوص جزء من ثقافتي . هذه النصوص جزء من مخيلتي .
هذه النصوص جزء من حياتي الجنسية . قبل المفكر ، و معه ، و من بعده. في هذه النقطة الحساسة من تشابك التجارب من المستحيل أن تفك أي ارتباط . التداخل هنا عضوي . نعم عضوي. هل يمكن لي أن أستبدلها بأية كلمة أخرى .؟.
عرفت باكرا ما أريد و قررت أن ألعب لعبتي الخاصة . أدرجت هذا جزءا من حياتي السرية التي لا يعرفها أحد غيري . لست ملزمة بتقديم تقارير عنها لأي إنسان . لا أريد من الأخرى موافقة ، و لا صفحا ، و لا مشاركة. حياتي لي وحدي. و أسراري لي وحدي.
في البداية ما كنت أريد لهذا الارتباط أن ينفك . لم أكن أريد أن أزيح الستار عنه. أن أعلنه. لم أجرؤ يوما حتى على الحديث عنه.
كنت أعده فضيحة.
كنت أتساءل إن كانت الفضيحة في الفعل أم في إعلان الفعل ؟.
كنت أدهش حتى لسؤالي و أقول لنفسي : إن معلميّ القدماء كانوا أكبر من السؤال.
فضيحة قلت ؟.
ما الفضيحة.
هل كوني امرأة هو الذي ينفخ قراءاتي السرية ؟.
أليس اعتباري لها سرا جزءا من تلك التربية المخصية التي ربيت عليها. لماذا يمكنني أن أتباهى بقراءة الأدب البورنوغرافي الغربي و الشرقي و أخفي قراءتي للتيفاشي. ؟. لماذا أعلن عن ولعي بجورج باتاي و هنري ميللر و الماركيز دو ساد و كازانوفا و الكاما سوترا ، و أتناسى السيوطي و النفزاوي ؟. هذه حكايات قديمة على كل حال ، و قراءاتي الخبيئة صارت موضة الآن ، الجميع يتحدثون بها و أولهم أنا. سري القديم انفضح و اتضح.
انفضح و اتضح و صار مثل غمزة بياع الزعتر ، يراها الجميع

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow