Alef Logo
الفاتحة
              

بينَ الحُبِّ .. وأَعْلَى حالاتِ المُجونِ الجِنْسِيِّ .. في نِصْفِ قَرْنٍ.

سحبان السواح

2010-07-09


وأَنَا أبحثُ عنْ أوراقَ هامَّةٍ في أَحَدِ الأدراجِ المَنْسِيَّةِ في مَكْتَبَتِي؛ وقعَ بينَ يَدَيَّ دفترٌ، كُنْتُ ظَنَنْتُ أَنَّنِي قَدْ أَضَعْتُهُ، فَفِيْهِ جَمَعْتُ كُلَّ ما كَتَبْتُهُ مِنْ شِعْرٍ في بِدايةِ حياتِي الأدبيَّةِ، مُذْ كانَ عُمُرِي ثمانيةَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ تناولْتُهُ بِلَهْفَةٍ مَِنْ وَجَدَ كَنْزاً، أَغْلَقْتُ على نَفْسِي بابَ مَكْتَبِي، وبَدَأْتُ أقرأُ بِلَهْفَةٍ وَمُتْعَةٍ ما كَتَبْتُهُ قبلَ نِصْفِ قَرْنٍ تقريباً؛ قَرَأْتُهُ كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَداً آَخَرَ قَدْ كَتَبَ ما كَتَبْتُ؛ فُوْجِئْتُ بِمَا قَرَأْتُ، وَاسْتَمْتَعْتُ بِهِ، وَأَنَا الَّذي يقرأُ كُلَّ يومٍ عَشَراتِ المَوَادِّ الإِبْداعِيَّةِ، لاتِّخاذِ قَرارِ نَشْرِهَا أَوْ عَدَمِ نَشْرِِهَا؛ كَمْ أَغْبَطَنِي مَا ضَمَّهُ الدَّفْتََرُ القَدِيْمُ.!.
مَضَامِيْنُ القَصَائِدِ في مُعْظَمْهَا كانَتْ عَنِ الحُبِّ، مَعْ أَنَّنِي أَتَذَكَّرُ أَنَّ أَوَّلَ فتاةٍ أَحْبَبْتُهَا كانَتْ في المَرْحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ، وكانَ حُبِّي لَهَا يُخْتَزَلُ في انْتِظَارِ مُرُورِهَا ذاهبةً إِلى مَدْرَسَتِهَا؛ لأَسيرَ خَلْفَهَا، حتَّى تَصِلَ إِلى وِجْهَتِهَا، فَأَنْتَظِرُ حتَّى تَخْتَفِي خَلْفَ البابِ، فأُتابِعُ سَيْرِي بِاتَّجاهِ مدرستِي، في حِيْنِ ترمُقُنِي بِنَظْرَةٍ، أَوْ نَظْرَتَيْنِ لِتقولَ لِي: إِنَّنِي أعرِفُ أَنَّكَ مَعِي.
وَحِيْنَ جِئْتُ إِلى دِمَشْقَ، وَدَخَلْتُ الجامعةَ، تَطَوَّرَتِ الأُمورُ قليلاً، كانَ الحُبُّ لا يَتَعَدَّى مُشْواراً في مَمَرَّاتِ الجامعةِ، وجَلْسَةً في أَحَدِ مُنْتَدَياتِهَا، والإِمْسَاكَ بِيَدِهَا خِلْسَةً، وَقُبْلَةً سريعةًً على الخَدِّ، حينَ يُتَاحُ لَنَا ذلكَ. لَمْ يَكُنْ هذَا حالِي أَنَا ، بَلْ كانَ حالَ جِيْلٍ بِكَامِلِهِ.
كُنَّا نحتاجُ إِلى أَشْهُرَ لِنَحْصَلَ على القُبْلَةِ الأُولَى، وأَشْهُرَ أُخْرَى لِنَحْصَلَ على العِنَاقِ الأَوَّلِ، ومَحْظُوظٌ مَنْ تُرافِقُهُ حَبِيْبَتُهُ إِلى بَيْتِهِ، لِتُمُارِسَ مَعَهُ الجِنْسَ، بَعْدَ مُرُوْرِ سَنَةٍ كاملةٍ.!.
مِنْ مَسْكَةِ اليَدِ تِلكَ، وَمِنْ نَظْرَةٍ عابِرَةٍ تَحْمِلُ مَعْنَىً، كانَ واحِدُنُا يَشْعُرُ أَنَّه يعيشُ حالةَ حُبٍّ، يكتُبُ عَنْهَا.. عَنْ مِثْلِ هذهِ الحالاتِ كَتَبْتُ:
اللهُ وقاسَيُونُ.
أَمْسِ كُنْتُ في قاسَيُونَ
وكانَ اللهُ هُنُاك.
كانَ القَبْوُ مُظْلِماً.. عَفِناً،
يُشْعِرُنِي بِالْقَرَفِ
وَكُنْتُ أُرِيْدُ أَنْ أَرَاكِ،
أَنْ أُحَدِّثَكِ، أَنْ أُلَمْلِمَ لَكِ نُجُومَ الصَّبَاحِ
أُقَدِّمُهُا لَكِ هَدِيَّةً.
كانَ اللهُ طَيِّباً تلكَ الَّليلةَ، وَحَدَّثَنِي كَثِيراً.
هكذا كانَتْ أجواءُ القَصائِدِ بِوَجْهٍ عامٍّ، وبَعْدَ أَنِ انْتَهَيْتُ مِنْ قِراءَتِي لَهَا هاجَمَتْنِي فِكْرَةٌ، ما الَّذي حَدَثَ خِلالَ نِصْفِ القَرْنِ المُنْصَرِمِ، وَكَيْفَ تَحَوَّلَ الحُبُّ إِلى سِلْعَةٍ.؟. كيفَ فَقَدَ الحُبُّ بَرِيْقَهُ وَأَلَقَهُ.؟. كيفَ تَحَوَّلَ إِلى لِقاءَاتٍ جِنْسِيَّةٍ عابرةٍ، تَجْمَعُ كُلَّ جُمُوحِ الرَّغَبَاتِ الجِنْسِيَّةِ، وَالشَّبَقِ بينِ شَخْصَيْنِ تَعَارَفَا لِتَوِّهِمَا، في حفلةِ ديسكو، أَوْ حتَّى في جَلْسَةٍ في كافيتيريا.؟، أَوْ في الجامِعَةِ.؟، أَنْ يدخُلا مُباشَرَةً في عَلاقَةِ جِنْسٍ، كُلُّ شَيْءٍ فيهِ مُتاحٌ، مِنَ الكَلِمَةِ المَنْطُوقَةِ، إِلى أَبْعَدِ ما يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إليهِ تفكيرُ الإنسانِ المُتَحَضِّرِ (بين قوسين) في مُمَارَسَةِ الجِنْسِ بِكُلِّ حالاتِهِ وانفِعالاتِهِ وَأَوْضَاعِهِ.؟. وحتَّى في الَّلحْظَةِ ذَاتِهَا، يُنَادِيْهَا حَبِيْبَتِي، وَتُنَادِيْهِ حَبِيْبِي.!. كُلُّ ذلكَ ينتهِي بعدَ الاستيقاظِ مِنَ النَّوْمِ في اليومِ التَّالِي، أَوْ فَوْرَ الانْتِهَاءِ مِنَ العَمَلِيَّةِ الجِنْسِيَّةِ؛ يُغَادِرُ أَحَدُهُمَا الآَخَرَ دُوْنَ كَلِمَةِ وَدَاعٍ.!. وفي أَحْسَنِ الأَحْوَالِ، قُبْلَةٌ سريعةٌ على الشَّفَتَيْنِ، وَكَلِمَةُ وَدَاعٍ مُخْتَصَرَةٌ، دُوْنَ أَنْ يُفَكِّرَ أَحَدُهُمَا بِحَقِيقَةِ العَوَاطِفِ الَّتِي أَوْصَلَتْهُمَا إِلى السَّرِيْرِ.!.
أَنَا لا أُعَمِّمُ هُنَا، هِيَ حالاتٌ موجودةٌ بِكَثْرَةٍ عِنْدَ الجِيْلِ الجَدِيْدِ، وَلَكِنْ لا أَحَدَ يَنْفِي وُجُودَ حالاتِ حُبٍّ حَقيقيَّةٍ، تقودُ إِلى السَّريرِ، إِنَّمَا بِطَريقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ.
السُّؤالُ الَّذي يتبادَرُ إلى ذِهْنِي: أَيُّنَا كانَ على صَوَابٍ.؟؛ جيلُنُا الَّذي كانَ يحتاجُ إلى زَمَنٍ ما، لِيَحْصَلَ على قُبْلَةٍ، يَظَلُّ طَعْمُهُا في ذاكِرَتِهِ إِلى آَخِرِ العُمُرِ.؟، أَمْ جِيْلُ هذهِ الأيَّامِ الَّذي صارَ كُلُّ شَيْءٍ مُتَاحاً لَهُ؛ وَالْقُبْلَةُ بِحَدِّ ذَاتِهَا، لَمْ تَعُدْ تَعْنِي سِوَى مَدْخَلٍ إلى مُمارَسَةِ الجِنْسِ.؟. وَيُمْكِنَ أَنْ تكونَ نِهايةً لِمُمَارَسَتِهِ، بَعْدَ أَنْ يكونَ الاثنانِ قَدْ غَرْقَا في بَلَلِهِمَا مِنَ الُّلعابِ وَالتَّعَرُّقِ، وَلُزُوجَةِ الرَّغْبَةِ؛ فَتأتِي قُبْلَةٌ مُبَلَّلَةٌ، لا مَعْنَى لَهَا كَقُبْلَةِ، وَإِنَّما تَكْتَسِبُ مَعْناهَا مِنْ كَوْنِها اسْتِكْمالاً لِلْعَمَلِيَّةِ الجِنْسِيَّةِ.!.
في الحقيقةِ لا جَوابَ لَدَيَّ عَنْ سُؤَالٍ كَهَذَا، فَنَحْنُ، بَعْدَ مُرُوْرِ هذا الزَّمَنِ الطَّويلِ، وَبَعْدَ أَنْ تَغَيَّرَ كُلُّ شَيْءٍ حَوْلَنَا، وَتَغَيَّرْنَا نَحْنُ مَعَهُ؛ صِرْنا مِثْلَهُمْ، مِنَ القَطِيْعِ، وَهَذَا الحُبُّ الَّذي قَرَأتُهُ في دَفْتَرِي، كانَ مُخْتَلِفاً، لَمْ يُكْتَبْ لامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا لامْرَأَةٍ في الخَيَالِ: جارَةٍ على شُرْفَةٍ بعيدةٍ، أَوْ طالبةٍ في أَوَّلِ المَدْرَجِ الجامِعِيِّ، وأَنْتَ في آَخِرِهِ، أَوْ جَرِيئَةٍ ابْتَسَمَتْ لَكَ، فَخَجِلْتَ وَأَدَرْتَ وَجْهَكَ تَبْحَثُ خائِفاً مِنْ أَنْ يكونَ أَحَدٌ قَدْ رَأَى ابْتِسامَهَا لَكَ.!.
خُلاصَةُ القَوْلِ أَنَّ ما جَرَى في نِصْفِ القَرْنِ الماضِي، يُماثِلُ عِدَّةَ قُرونٍ مِنْ أَزْمِنَةٍ
سَابِقَةٍ.
قَفْزَةٌ عَصْرِيَّةٌ تُشَابِهُ كُلَّ القَفْزَاتِ الأُخْرَى التِّكنولوجِيَّةَ وغَيْرَها، فَتَحَوَّلَ الحُبُّ إلى تِكنولوجيا جِنْسِيَّةٍ، مُمَارَسَةٌ جِنْسِيَّةٌ تَفْقِدُ مُتْعَتَهَا، وخُصُوصِيَّتَها، وحَمِيمِيَّتَهَا، لِتَفْرِيْغِ رَغْبَاتٍ لا أَكْثَرَ، وَهَذا أَدَّى إِلى عَدَمِ اسْتِمْرَارِ، أَوِ اسْتِقْرِارِ في حالاتِ الزَّواجِ؛ فَصِرْنَا نَرَى حالاتٍ كثيرةً في الزَّواجِ، يليهِ الطَّلاقُ في فَتْراتٍ قِياسِيَّةٍ، مُعْظَمُهَا لا يتجاوَزُ السَّنَةَ.!.
هِِيَ دَعْوَةٌ، لَنْ تَلْقَى اسْتِجابَةُ. لأَنَّ العَوْدَةَ إِلى الوَرَاءِ تبدُو شِبْهَ مُسْتَحِيلَةٍ. وَلَكِنْ لِنُطْلِقْهَا دَعْوَةً إِلى الْعَوْدَةِ بِالحُبِّ إِلى بَرَاءَتِهِ الأُوْلَى، لَيْسَتْ دَعْوَةً إِلى الْحُبِّ العُذْرِيِّ، وَلَكِنَّهَا دَعْوَةٌ لِتَعُودَ القُبْلَةُ إلى مَعْنَاهَا ومَغْزَاهَا الأَساسِيَّيْنِ. فَهَلْ مَنْ يَسْتَجِيْبُ. إِقْرَؤُوا مَعِي مَقْطُوعَةً أُخْرَى، لَعَلَّ الرُّومانسِيَّةَ تأخُذُكُمْ مِنْ واقِعِكُمْ:
البارحةَ..
حَلُمْتُ بِكِ،
حَلُمْتُ أَنَّنَا نَزُورُ عَجُوزاً
في كُوْخٍ عَتِيْقٍ
عُلِّقَ على سَقْفِهِ سِرَاجٌ
" لَمْ أَكُنْ قَدْ رَأَيْتُ سِرَاجاً مِنْ قَبْلُ."
قالَ العَجُوزُ إِنَّكِ دافِئَةٌ
وقالَ لِي أَنْ أُحِبَّكِ قَدْرَ مَا أَستطيعُ
عَلِمْتُ فِيْمَا بَعْدُ أَنَّهُ كانَ الإِلَهَ العَظِيمَ
ذلكَ العَجُوزُ.
22/4 1965

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

عن أسماء الأعاضاء التناسلية

17-نيسان-2021

عن اسماء الأعضاء التناسلية

03-نيسان-2021

بدكن حريييييييييييييييييييييييييي

27-آذار-2021

لو أمدَّ اللهُ في عمرِ محمَّدٍ،

27-شباط-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow