الاستبداد السياسي الطاغية يلبس عباءة الدين – في العالم المسيحي – ج3
خاص ألف
2013-06-13
"إننا، نحن الملوك، نجلس على عرش الله على الأرض ...!"
جيمس الأول ملك إنكلترا
"أيها الناس: إنما أنا سلطان الله في أرضه ..."
المنصور: الخليفة العباسي الثاني
"إننا لم نتلق التاج إلا من الله، فسلطة سنّ القوانين هي من اختصاصنا وحدنا؛ بلا تبعية ولا شركة ..."
لويس الخامس عشر: ملك فرنسا
"مملكتي ليست من هذا العالم ..."
السيد المسيح: إنجيل يوحنا 18 – 33
تعتبر اليهودية أول الديانات السماوية الكبرى التي حاولت إقامة الدولة الدينية، ويعتبر اليهود أول من صاغ مصطلح الثيوقراطية؛ لأسباب خاصة بهم: اعتقادهم بأن الله ميّزهم عن الأمم الأخرى، وأنّهم أقرب الشعوب إلى الله. ولذلك فإن الفكر السياسي اليهودي يمكن أنّ يعدّ أقدم ضروب الحكم الديني كما جاء في آيات العهد القديم. فالشعب اليهودي هو (شعب الله المختار) ومن ثم فمصيره متميّز، وهو لا يشبه غيره من الشعوب لأنه يمثّـل قومية ثيولوجية تعتمد على ما جاء في سفر التثنية من أنّ "إسرائيل يحكمها الله بصورة مباشرة"، فهو الذي قسّم الأمم، وفرّق بني آدم، ووضع حدوداً للشعوب، واصطفى شعب إسرائيل ليكون "شعب الرب". يرى برتراند رسل أن محاولة بعض المسيحيين إقامة الدولة المسيحية، ما هي إلا محاولة لمحاكاة الدولة اليهودية ووراثتها: "لقد كانت الدولة اليهودية إبان العصر الأسطوري الذي ساده القضاة، أو إبان الفترة التاريخية التي أعقبت العودة من الأسر البابلي، دولة دينية. ولقد كان على الدولة المسيحية أن تحذو حذوها في هذا الصدد..."
ومن هنا كانت محاولات الملوك إبان العصور الوسطى، ارتداء عباءة الدين، أو الإدعاء؛ بأنهم يستمدون سلطانهم من الله تبريراً لسلطتهم المطلقة، هي محاولات لإحياء الدولة اليهودية، كما يمكن اعتبارها محاولة لتقليد الطغيان الشرقي القديم، بوصفه نمط الحكم الذي يمكّن الملك من الاستبداد، ويطلق يده في أمور الرعية، ويجعل الشعب يقدّسه في الوقت عينه!!.
مرّ الفكر السياسي المسيحي بعدة مراحل:
ركزّ السيد المسيح على فكرة الروح مقابل الجسد الذي اهتم به اليهود، فهو لم يهتم بالمادة أو العالم أو بهذه الحياة الدنيا بصفة عامة، ويظهر هذا واضحاً في ردّه على بيلاطس عندما سأله: "أأنت ملك اليهود؟، أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم..." (يوحنا 18: 33 – 36). كما جاء في موعظة الجبل: "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات..." (متى5: 3 – 10)
لم تكن تعاليم المسيح تحتوي على أية عقيدة سياسية، لأن البشارة تقتضي إلغاء الفكر السياسي. كما أنه سعى لأن يهتم كل فرد بالحياة الروحية، وأن يلفت انتباهه إلى عالم جديد يحمله بداخله، هذا العالم هو صورة من مملكة السماء. وحتى يصل إلى هذه المملكة عليه أن يحطم الأوثان التي أقامتها شهوات الأرض، وأهواء الدنيا، وطموحات المجتمع.
لذلك انقسم العالم إلى مملكتين: واحدة في السماء هي التي ينبغي أن يطمح المؤمن إليها، والأخرى على الأرض، يعيشها، ويؤدي واجباته عليها دون أن يكترث بها، بل يجب عليه أن يمقتها إن أعاقت وصوله إلى الحياة الأخرى.
أقرت المسيحية وجود الرق واعتبرته أحياناً من صنع السماء ولا حيلة للإنسان فيه، وأحياناً أخرى تقول إن الاسترقاق إنما هو للجسد فقط، أما الروح فهي ملك للمسيح.
وقد استغل الطغاة عبارات القديس بولس في دعم ملكهم ومنها: "أيها العبيد أطيعوا في كل شيء سادتكم ... والظالم سينال ما ظلم به، وليس ثمة محاباة". كما يدعو في مكان آخر وبصورة واضحة إلى طاعة السلطة المدنية ويعتبر السلطة على الأرض، حتى سلطة الطغاة، مستمدة من الله: "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله ... حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله. والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة، فإن الحكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة بل للشريرة". وهكذا يعلن القديس بولس أن الحاكم يستمد سلطته السياسية من الله، وبالتالي فإن مقاومته تعني عصيان الإرادة الإلهية ومعارضة للترتيب الإلهي!. أما وجود هؤلاء الحكام فالهدف منه نشر الأعمال الصالحة. وهم يرعبون الأشرار ويضربون على أيديهم لكنهم سندٌ للصالحين الأطهار! "فإذا كنت تريد ألا تخاف السلطان: أفعل الصلاح، فيكون لك مدحٌ فيه، لأنه خادم الله للصلاح، لكن إذا فعلت الشر فخف؛ لأنه لا يحمل السيف عبثاً، بل هو خادم الله منتقم من الذي يفعل الشر".
وهذه الفكرة هي نفسها التي دعا إليها القديس بطرس في قوله: "أيها الأحباب... اخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب، إن كان للملك فكمن هو فوق الكل، أو للولاة فكمرسلين منه للانتقام من فاعل الشر، وللمدح لفاعلي الخير. أكرموا الجميع، أحبوا الإخوة، خافوا الله، أكرموا الملك ..".
وعليه نجد كلا القديسين (بولس وبطرس)، يؤكدان ضرورة احترام النظام القائم والخضوع له باعتباره عملاً إلهياً!، فليس من حق المواطن مهاجمة المؤسسات القائمة، وإنما عليه فقط الاستسلام والإذعان، فهكذا اقتضت مشيئة السماء.
من هنا جاء المبدأ الذي حكم به الطغاة، واستغله الملوك المستبدون طويلاً في أوربا ألا وهو:"كل سلطة فهي مستمدة من الله ..."، وهو المبدأ الذي يبرر الطاعة المطلقة، والاستسلام الكامل للطاغية أينما وجد!. ونتيجة لذلك ظهر الحق الإلهي المقدس للملوك. وكان هناك العديد من الفلاسفة والمفكرين الذين حاولوا الدفاع عن هذه النظرية ومنهم ترتليان الذي قال: "الإمبراطور هو لنا أكثر مما هو لأي إنسان آخر، لأن إلهنا هو الذي أقامه! ولهذا وجب علينا أن ندعمه، فالسلطة الإمبراطورية مستمدة من الله، وإن كانت لا تشارك في فضائل الألوهية لأنها مخلوقة، فالله خلقها لتنفيذ مشيئته". وعليه فإننا: "نحترم في الأباطرة حكم الله الذي أقامه لحكم الشعوب، فنحن نعلم أنهم بإرادة الله يمسكون بالسلطة".
وقد امتدح يوحنا فم الذهب (ذهبي الفم)، النظام الملكي الفردي بوصفه النظام السياسي الأمثل، وارتأى أن سلطة الملك مطلقة، ولكنها ليست تعسفية. إذ ينبغي أن تكون له الصفات الأخلاقية لكي يكون مثلاً أعلى في أعين الشعب. فعزله الإمبراطور أركاديوس، ثم أعاده إلى منصبه تحت إلحاح الجماهير التي أحبت حديثه العذب فأطلقت عليه لقب "ذهبي الفم".
عندما ضعفت الإمبراطورية الرومانية، لم يعد من المناسب القول أن الأباطرة يمثلون الله في أرضه؛ "إذ كيف يمكن لملك ضعيف أن يستمد السلطة من الله؟!". كما تطورت الكنيسة وزادت أملاكها، حتى أصبحت من أكبر ملاك الأرض في أوربا، ونمت قوتها إزاء ضعف الأباطرة، وزادت سلطتها الروحية أكثر من ذي قبل، فلم يعد من المقبول أن تقف موقف الحياد من أنظمة الحكم السائدة في أوربا، فدفعت باتجاه ظهور نظرية جديدة في الحكم، تتمثل في نظرية الحق الإلهي غير المباشر ومفادها: إن الحكام إنما يستمدون سلطتهم من الله، لكنهم يمارسونها بموجب رضا الشعب المسيحي، فالله لا يختار الحكام مباشرة، وإنما يوجه أحداث التاريخ والمجتمع توجيهاً بمقتضاه يختار المسيحيون بأنفسهم حكامهم. ولكن لمّا كانت الكنيسة تمثل المسيحية، ولمّا كان المسيحيون جميعاً يتحدون في المسيح، والكنيسة هي التجسيد لهذا الاتحاد، فإنها بالتالي لابدّ أن ترضى عن هذا الاختيار وتباركه، وهكذا دخلت الكنيسة طرفاً في إضفاء الشرعية الدينية على الحاكم!.
وبالتالي لا يكون الحاكم شرّعياً إلا بعد أن تقوم الكنيسة بتأدية بعض الطقوس التي تنبئ عن رضاها عنه، وأنها هي التي ربطت الحاكم بشعبه.
لقد كان القديس أوغسطين أقوى الفلاسفة المسيحيين الذين دافعوا عن مفهوم الطاعة، وآمنوا بأن كل سلطة أرضية قائمة بأمر من الله!. ومن هنا فإن المسيحية، في رأيه، تدعم الوطنية ولا تهدمها، عندما تجعل منها واجباً دينياً، فأنبياء العهد القديم، وكذلك كتّاب العهد الجديد، يدعون إلى طاعة السلطة المدنية، والخضوع للقوانين المدنية، ويعتبرون مقاومة هذه القوانين تحدياً للإرادة الإلهية، وترتيب الله، لأن المجتمع المدني الذي تلجأ فيه الحكومة إلى العنف والقوة، دليل على ما استشرى فيه من شر وخطايا يرتكبها المواطنون في هذا المجتمع، فكان العنف، إذن، دواءً سماوياً أرسل لعلاج الخطيئة، ذلك رحمة من شرور العالم: "فالحاكم المستبد لا يحمل السيف عبثاً، إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر".
يمكننا ملاحظة بعض النقاط من خلال قراءة السياق
المراجع
إمام، عبد الفتاح إمام: الطاغية، عالم المعرفة، 1994، ط2.
خاص ألف
dolly
2014-04-05
إن جوهر الديانات السماوية جميلة وروحانية لكن رجال الدين وبعض المشرعين الدينيين حرفوا تأويلها لصالح الملوك والحكام لأنهم هم أيضا مستفيدون ولو تركوا الشعوب تؤمن بقلب بسيط بتعاليم المحبة وتكون صلتها بينها وبين ربها بدون وسيط لما مررنا ووصلنا إلى هذا الفجور في اتعصب الديني وكأن الدين أصبح نقمة وليس نعمة.أكتب تعليقي للكاتب وليس للنشر
08-أيار-2021
09-كانون الثاني-2021 | |
15-آب-2020 | |
16-أيار-2020 | |
26-تشرين الأول-2019 | |
15-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |