يوميات حميماتي / حظر طيران
مجيد محمد
خاص ألف
2019-10-26
بل أنّ تهدأ حماوةُ شمس الأصيل ذاتَ يومٍ في مدينة الحسكة، ارتعد سكون الغروبِ المُقبل بلغةِ دوران الأرض، بشتائمَ من نوعٍ جديدٍ وطريفٍ، وأيضاً غريب. إذْ كانت المرّة الأولى التي نسمعُ فيها شخصاً يُمارسُ أصنافاً مِن السبِّ والشتِّم تطالُ زوجةَ رجلٍ آخر. فدفعنا الفضول الآدمي لزاويةٍ مِن المشهدِ، لنرى ونتحسّس حجم الضلال الذي ارتكبه الحميماتيُّ المعروف مِن لدُنّنا ...(أكرم ابن عمو إونس).
في المعمعةِ المحتدمةِ بين الرجلين، كان أكرم يحتمي بالباب الواطئِ تحت مستوى الرصيف الجديد، والذي دشّنته البلديةُ في الحيّ بجهود أهالي المنطقة نفسهم، فلمْ تكُن هناك ثمّةَ آلياتٌ كبيرةٌ، كما جرت عليه الأعرافُ حين تبدأ البلديات في سورية عموماً بإصلاحاتها التدميرية! وكانت رائحة الإسمنت الرطبِ ما تزال تلفح الأنوف والخياشيم البشرية.
أحمد شندح! ... اسمٌ جديدٌ من سكان الحي، اضطرته أعمالُ التوسعة في منطقة قرية المفتي! "وهي للمفارقةِ جزءٌ من مدينة الحسكة وليست قريةً قابعةً على أطراف المكان"، فالقرية مكانٌ يبعدُ عن المدينة أميالاً، لكن قرية المفتي كان لها اعتباراتٌ استثنائيةٌ في عُرف التقسيمات المدنيّة، قرية وجزء من مدينة! قلّما ترى هذا في تقسيمات مُدنِ العالم.
وبعد أنّ تجمّعت أمّةُ محمدٍ كُلها حَول الرجُلين، في الجزء المرتفع من الأرض لصورة المكان، بدأنا نُدركُ تفاصيل الحمحمةِ الذكوريةِ بين الاثنين.
أحمد شندح، يدّعي أنّ أكرم قد أسرَ له طيراً (والطير في عُرف الحميماتية هو الحمام عينه)، بينما أكرم ينكرُ التُهمة من خلف الباب. اتسعت رقعةُ الحشود المكتظّة حول المكان، والاندهاش يسيطرُ على كلّ الحاضرين، حتى وصلت الأخبار الى آخر حدود الحيّ، وما هي إلا لحظات حتى تجمّع الكثير من الحميماتية المعروفين في المنطقة ومنهم (عبوسي – أبو أحمد أبو الكش – بيبي – دلكشو – مسعوده – شكريو – سماعيلكي – رياضو... إلخ).
حاول أبو أحمد، وهو رجلٌ سبعيني أنّ يُهدّأ أحمد شندح قليلاً حتى يفهم منه تفاصيل القضية، لكن أحمد كان قد وصل إلى قمة الهيجان البشري، وأكاد أجزمُ بأن الأدرينالين في دمه قد وصل لمستويات عالمية.
بدأ الحميماتيون الوافدون إلى منطقة الحدث، يَدلوُن بدلّوهم، مثنى وثلاث ورباع، علّهم يُنهون المشهد بحلٍّ ما، حتى انتهوا لصياغة اتفاقيةٍ جديدةٍ تحدد ملامح الطيران، والأسر، والفكة (وهي دفع الفدية مقابل أيّ طيرٍ يتمُ أسره).
نقل أبو أحمد أبو الكش باعتباره كبير الحشد، نصّ الاتفاقية لأكرم من وراء الباب، ولكن أكرم لم ينبس ببنتِ شفّة!، فاستغرب الجميع؛ حتى خرجت زوجته لتقول للجموع المحتشدة: لقد أعدم أكرم الطير فوق خطوط التوتر العالي التي تمرُّ من فوق منزله... وفي هذه اللحظة التمعت عينا أحمد شندح صاحب الطير الاسطنبولي، وخرّ جاثياً على ركبتيه من هَول ما سمع، فحاول بعض الناس تهدئته والربت على كتفيّه وعزائه: (يا أحمد انشاالله خاتمة الأحزان، إن لله وإن إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله ... إلخ). فغضِبَ الجميع مِن أكرم ومن فعلته أيّما غضب، وطلبوا منه أنّ يُبرّر ما فعل. فقال( لقد تملكني الغضب بعد أنّ طالت الشتائم زوجتي، ففعلت ما فعلت، ورميته وما رميته إنّ الله قد رمى)... فما كان من قادة المشهد الحميماتي، إلاّ أنّ فرضوا على أكرم ابن عمو أونس عقوباتٍ علّها تكون عبرةً لمن يعتبر:
فرض حظر للطيران على كافة طيوره المنقولة وغير المنقولة لمدة خمسة عشر يوماً.
دفع الفكة والتي كان على أحمد شندح أن يدفعها حسب نص الاتفاقية الأساسية وقدرها (250 ليرة سورية).
تغريمه بشراء طيرٍ شقيق للطير الذي أعدمه، وأخذه بيده إلى بيت أحمد شندح.
وكان هذا ما حدث في اليوم التالي، وقد عرفنا هذا من (عبوسي) وهو أحد حميماتيّ الحيّ، والذي تقرّبنا منه لنكسر الفضول الذي اجتاحنا ونعرف هل التزم أكرم بحظر الطيران ودفع الفكة وشراء الطير وأخذه لأحمد شندح.
فقال لنا: نعم لقد حدث هذا فعلاً...
وبعدها؛ عمّت السعادة في الحارة، وعاش الجميع في سلام وهناء....