حكاية من كليلة ودمنة 8
خاص ألف
2013-08-04
يُحكى، عن عين ماءٍ كانت تقع على صخرة عالية، عصيّة، ينحدر منها إلى الوادي جدولٌ رائق، سلسبيل. ثمّة، على قمّة الصخرة، ابتنى مالكُ الحزين عشاً عظيماً، لكي يتسع له ولفرخيه. من حالق، دأبَ الطائرُ المتوحّد على رمي بصره إلى ما يحيطه من مظاهر الطبيعة الخلابة، البكر، المونقة بأشجارها وأزهارها وأطيارها تحت شمسٍ ربيعية، متفتحة الأشعة للتوّ.
" آه، كم كانت الحياة حلوة لولا أنها تتسع لعدو أفراخي، الثعبان؛ الذي سبق وقتل أمهم بطريقة غادرة..! "، فكّر مالكُ الحزين في شيء من الحزن فيما هو يلقي نظرات مشفقة على ولديه الصغيرين. كانا قد أفاقا من النوم، فراحا بدورهما يبادلان الأبّ الملول نظراتٍ لا أثر فيها لقلق أو همّ. وكان ذلك يُسعده، ولا غرو. ولكن سعادته، لا تصبح مثالية حقاً سوى عندما يعود إليهما محمّلاً بصيدٍ شهيّ لجرذ أو سحليّة؛ فيرميه في وسط العش من مسافة قريبة، دونما حاجة لأن يحط هناك، ثمّ يعاود صفق جناحيه للعودة إلى محاولة جلب فريسة أخرى.
في ذلك اليوم الجميل، صادفَ أن البومَ كان في مقرّه على شجرة التين الباسقة، الوارفة الأفياء، حينما مرّ جاره مالك الحزين في حومته المألوفة، المشكلة ما يشبه الدائرة، والتي تشمل الجنة المحيطة بالنبع. من مكانه، إذن، أبصرَ البومُ مشهداً مثيراً، رسمَهُ على غرةٍ جارُهُ المحلّق في الفضاء: ثمّة على إحدى أشجار النخيل، بدا الثعبان يتلوّى معانقاً سعفة رقيقة، راحت تتهدل نحو الأسفل بفعل جرمه الغليظ، فما هيَ إلا وهلةٍ حتى انقضّ مالكُ الحزين على خصمه هذا، منتشلاً إياه من ذيله، منطلقاً كالريح لا يلوي على شيء.
" يا هذا..! "، نادى البومُ جارَهُ بصوتٍ حاد. ويبدو أنّ الصدى قد وقعَ في مسمع الآخرَ، كما دلّ على ذلك اضطرابُ طيرانه. وها هوَ مالكُ الحزين، يفصح عن الفضول والاهتمام. فقد راوحَ فوق عش البوم مع فريسته في حركةٍ تنبي عن الانتصار، قبل أن يحط أخيراً على شجرة توت قريبة. من غصن هذه الشجرة، أين تهادى الطائر السعيد مع صيده، انهمرت إلى الأرض حبّات قليلة من التوت الناضج. وكان البومُ في الأثناء ما يني في تأمله للجار المتوحّد، الذي كان يقبض بمخالب قدميه على ذيل الثعبان. هذا الأخير، كان يبدو حياً بلا مَراء، حسبما أفصحت عضلاتُ لسانه وعنقه وجذعه.
" أعتقدُ، أيها الجار، أنك دعَوتني..؟ "، تساءل مالكُ الحزين بنبرة تتصنع عدم الاكتراث. وكان جوابُ البوم، أن أشارَ نحو الفريسة الحيّة قائلاً " أجل. فأنا أردت تهنئتك بهذا اليوم المبارك، الذي شهدَ سقوط عدوّكَ.. ". سكت هنيهة، ثمّ أضافَ محذراً " ولكن الخصم يؤخذ من رأسه، لا من ذيله! "
" آه..! كأنك حَسَبتني مثل ذلك الغراب المغفل، الذي تقول الحكاية أن الثعلبَ خدعه؟ "
" لا أدري، في الحق، عن أيّ حكاية تتكلم..؟ "، تساءل البومُ بدَوره في حيرة. عندئذٍ، نفشَ الآخرُ ريشَهُ بزهو. ثمّ راح، على الأثر، يقصّ باقتضاب كيف حاول الثعلبُ اقتناصَ قطعة جبن من منقار الغراب، عن طريق دفعه إلى الكلام.
ولم ينتظر مالكُ الحزين جواباً، بل اندفع خابطاً جناحيه بقوّة ليحلق مجدداً في الفضاء مع فريسته، المتلوية بما يشبه حركات الغضب والتحدي. فما هيَ إلا لحظات، وأضحى طائرنا على مسافة هيّنة من عشه، فأفلتَ برشاقة الصيدَ الثمين بين أرجل صغاره. ثمّ تابعَ الطيران وهوَ راضٍ تماماً عن قسمته، شاكراً الربَّ على هباتِ الفوز والطمأنينة والرخاء.
عندما حلّ الظلام، بقيَ البومُ هامداً على شجرة التين. ولكن صراخ جاره كان مزعجاً للغاية، واستمرّ حتى طلوع الفجر. كان مثل صراخ أمّ ثكلى، يخالطه العويلُ والندب والنواح.
08-أيار-2021
04-آب-2013 | |
27-تموز-2013 | |
18-تموز-2013 | |
11-تموز-2013 | |
06-تموز-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |