من سوريا إلى تورابورا
خاص ألف
2013-08-12
في جنبات الطرق المفضية إلى مدن الرماد، تستوقفك أشكال آدمية بأزياءٍ غريبة، أزياءٍ مستوردة، تُعنّف الذاكرة لاستحضار أمثلة عنها. هكذا يقضي المواطن السوري أيام سفره في صراع مع الذاكرة، أيُّ الأزياء وطنية وأيُّها مُستوردة.
في صيف العام 2001 عندما اصطادت القاعدة بُرجي التجارة العالمي والبنتاغون، وقف العالم كلّه مذهولاً أمام حجم الحدث النّوعي في التاريخ البشري الحديث، في السياق ذاته خرجت وكالات الأنباء العالمية بتحليلات مخيفة ومرعبة، حول صراعٍ بين قوى عالمية ستحرق الأرض وكلّ من يقطنها من أحياءٍ وأموات، فاستحضرت صور انفجارات نووية وهيدروجينة تجريبية توحي بأنها سيناريو للحرب الكونية الثالثة بين قطبي السياسة العالمية روسيا وأمريكا. لكن مع إفول اليوم الأول من الحادثة توضحت الصورة أكثر، إنّهم رجال تورابورا ذوي الأزياء الغريبة.
هكذا روّج التنظيم الإرهابي العالمي لأزياءه الجديدة، تفجيراتٌ بطائراتٍ مفخخة، كانت المرة الأولى التي يتعرّف فيها العالم على طائراتٍ مُفخخة، عِوضاً عن سياراتٍ مُفخخة أو آدمييّن مُفخخين، أو حتى رسائل مُفخخة بجراثيم كهوف تورابورا.
لم يعد المشهد غريباً في الإقليم السوري ولقاطنيه، فكلُّ سفرٍ من مدينة إلى أخرى أو من قريةٍ إلى أخرى، ستكون مناسبةً لرؤية عيّنة من الأزياء التي استوردت حديثاً من جبال تورابورا ...
إدلب ترحب بكم في أول الطريق المفضي لتفاصيل المدينة المدمرة، ترى آدميين بلحىً اصطناعية أو ربما لحىً طبيعية، ولكن غضاضتها وقذارتها توحي للمرء بأنّها اصطناعية. يلبسون أزياءً مُميزة، أثوابٌ تصل لركبة الآدمي، وفي أفواههم أخشابٌ إسطوانية قصيرة تشبه السواك يمرغونها في ثغورهم، وأسلحة وأحزمةُ طلقات وقاذفات قنابل وساحقات صواريخ وكانسات ألغام ورمّانات ودبابات ومصفحات وجنازير وخنازير بريّة ... يُثقل المشهد كلّ داخلٍ وكلّ خارجٍ من تلك البقعة الموبوءة بالأزياء التورابورية ... إنّها أزياء العصر ... أزياء دولة العراق والشام الإسلامية، أزياء مجاهدي النصرة ومجاهدي السلفية الجهاديّة ...
ليس ببعيد وعلى تخوم الرّقة وقصر الحمراء، تُغطي الأزياء أجساد المقاتلين على تخوم عاصمة الرشيد الروحيّة، عاصمته الترفيهيّة، فيُطبّقون شرّعة الأزياء الحديثة على النساء والأطفال والرجال وحتى سائقي السيارات السياحية (البولمانات) ومرافقيهم، ومن لا يمتثل لشرعة الزيّ الجديد تُكال له بعض الآيات وبعض الأدّعيّة النبويّة، حتى ترى المرء يخرّ ساجداً من الخشوع والذُّلة لربّ العزّة وحامل مفاتيح العهدة الإسلامية الجديدة الأمير البغدادي ومن خلفه الجولاني.
في عُرف الفيزيونيومونيا (علم الفراسة، أو الحكم على المرء من تقاسيم وجهه وسحنته وأزياءه) لا وضوح في سِماه المقاتلين المجاهدين فالشعر يُغطي مساحاتهم الجلدية كلّها، لا ملامح تمكنك من استقراء مستقبلك ولا فراسة تمنحك السّكينة والطمأنينة قطّ.
خاص ألف
08-أيار-2021
09-كانون الثاني-2021 | |
15-آب-2020 | |
16-أيار-2020 | |
26-تشرين الأول-2019 | |
15-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |