قصة / اللجوء الحيواني
2006-04-10
عصور وعصور مرّت ولم تعد شريعة الغاب مثالاً عن الوحشية أمام ما يرتكبه بنو البشر بحق كل شيء بدءاً من الطبيعة، مروراً بالحيوان وانتهاء بأنفسهم، هذه الأفكار التي راودت صديق لي وهو عبارة عن "خروف".. حقيقي..، هذا الخروف الذي نأى بنفسه منذ زمن بعيد عن شريعة الغاب وآثر العيش دون مفاجآت من قبل النمور والأسود فوقع فريسة لبني الإنسان الذي اعتمده غذاءً رسمياً له دون إجراء أي استفتاء على ذلك، أما صديقي الأقوى "الثور" فقد تم إذلاله أيضاً بحجة أنه قوي فأصبح البشر يفلحون عليه ثم يذبحونه ويأكلونه، ولم تنفع المحاولات الفردية لبعض الثيران في التحرر من قبضة الإنسان وإنما بقيت مجرد بطولات فردية تم تسجيلها في تاريخ البقر كي تكون مثالاً للأجيال القادمة من العجول المشغولة بالموضة ودعايات الجبن الدانماركي وحليب نيدو.
وقد ذكر في تاريخ الأبقار والأغنام أن السبب الرئيسي في عدم حصول هذين الشعبين على استقلالهما هو أنهما كانت يستكينان لسجانهما وهو شخص يدعى "الراعي" لأنه يعزف لهم على الناي ويظهر محبتهم الفائقة لهم على الرغم من أنه لا يحرك ساكناً عند ذبح أي فرد من أفراد هذين الشعبين وقد حاولت بعض الأغنام الفرار ولكن زبانية الراعي وهي كلاب حصلت على اللجوء الحيواني في الشرق الأوسط هاربة من المجازر التي ارتكبت بحقها في شرق آسيا لحقت بالأغنام الهاربة وأعادتها إلى القطيع المحتجز عنوة.
وعن سبب عدم نجاح ثورات الأغنام والأبقار تحدث المفكر الحديث "خاروف" وقال: (إن معظم الخواريف والثيران انسحبت بعد اندلاع ثوراتها بلحظة فبقي قائدها ضحية سهلة ووحيدة لشراسة الإنسان)، وأعطى أمثلة كثيرة منها ذلك الثور الذي نطح جزاراً خارجاً من الصلاة يوم الجمعة فهجم عليه بعض المصلين وأوسعوه ضرباً فما كان من زملائه المرافقين له إلا الهروب والعودة إلى الحظائر بدلاً من الهجوم على الأعداء الذين أعطوا الجزار المصاب شرف ذبح الثور وتقطيع لحمه بعد سلخه وتنظيفه من أفكاره التحررية المسمومة كي لا تصل العدوى إلى البشر الذين سيأكلون لحمه، كما أتى بمثال آخر عن التحالفات الخاطئة والتي أقامتها بعض الأكباش مع أعداء قدماء لها وهي الذئاب لتتحرر من بني البشر ولكن الذئاب أكلت معظم أبناء الشعب الخاروفي ثم ولت هاربة تاركة بقية الشعب الخاروفي لعدوها ومحتجزها الإنسان.
ولعل أكثر الذكريات ألماً للشعب الخاروفي هي عيد الأضحى عندما ترتكب المجازر الجماعية بحق أبناء هذا الشعب بحجة أن الله أوحى لإبراهيم الخليل بذلك كبديل عن ذبحه لابنه اسماعيل، ويقول أحد النقاد الخاروفيين الجريئين "ولم لا ينفذ إبراهيم الخليل هذه الوصية.. فاسماعيل ابنه.. أما نحن فأولاد حرام"؟!..
إذن فالتشاؤم هو عنوان ومصير هذا الشعب، إذ لا فائدة من الهروب.. وإلى أين؟! لا مكان للخاروف سوى الغابة وهناك لن ترحمها الذئاب أيضاً، وقد حدثني خاروف متمرد عن تجربته الشخصية عندما حاول الهرب فلحق به كلب، وهو لاجئ سياسي قادم من كوريا الجنوبية، إلى مشارف الغابة وأعاده إلى شعبه المحتجز دون رحمة فجلس يأكل الأعشاب منتظراً سكين الجزار.
ومع ذلك فقد وجد شعب الأبقار ملاذاً آمناً لهم وذلك عندما علمت جماعة من البقر أن في الهند حكومة جديدة تحرم ذبح الأبقار، وهذه الحكومة تدعى حكومة الهندوس، فهاجرت مئات الأبقار إلى هناك لتعيش في رفاه قلما يحظى به أحد، بل أن شعب البقر تمادى في دلاله في الهند، إذ كانت البقرة تمشي في الشوارع خبباً وسط نظرات الإعجاب التي يرمقها بها الهنود، وكانت البقرة تعرف أن من يحاول إيذاءها سيتعرض لعقوبات قاسية لذلك فقد كانت تتحرش بالسكان الأصليين وهي الوافدة علَّ أحدهم يخطئ بحقها لتتلذذ بمنظره وهو يعاقب، وكانت البقرة منهن تتمشى وترمي من مؤخرتها الروث هنا وهناك غير عابئة بنظافة الشارع، ولم لا، طالما هناك من ينظف خلفها، إلى أن تمادت وبدأت تنطح الهنود في الشارع وهم راضون ومسرورون ومتباركون بنطحتها حتى وقعت في خطأ تاريخي عندما كان أحد أبناء الشعب البقري اللاجئ وهو ثور متبجح قد راهن ثوراً صديقاً له على أنه يستطيع نطح إنسان ورميه مسافة خمسة أمتار، وفي السوق وجد الثور شخصاً هزيلاً يتمشى وهو يتلفت حوله متفرجاً مما أوحى للثور بأنه غريب عن المنطقة فما كان من الثور المتبجح إلا وأن نطحه نطحة قوية رمى فيها الشخص "الإسباني" مسافة عشرة أمتار قضى الإسباني نحبه على أثرها، ومن هنا بدأت الأزمة.. فالحكومة الهندية رفضت طلب الحكومة الاسبانية بتسليم الثور المجرم رفضاً قاطعاً، مما خلق هوة سياسية بين البلدين انتهت بأن نزل أبناء الشعب الإسباني إلى الشوارع ملاحقين الثيران التي تعيش هناك مفتتحين عهداً من التنكيل والتمثيل بالثيران في إسبانيا، بل أنهم اخترعوا المباريات الجماهيرية لقتل الثيران عبر بعض الفرق الخاصة المتدربة على قتل الثيران ويسمى الفرد منهم "الماتادور" وعلى الرغم من مقاومة الثور في الحلبة إلى أن مصيره دائماً كان الموت بين طعن القنا وخفق البنود..
وقد انتبه شعب الكلاب المستباح دمه في فيتنام وكوريا وشرق آسيا إلى هذه الواقعة فأسسوا ديانة باطنية قائمة على مبدأ توطيد العلاقة مع الإنسان في البلاد التي يعيش فيها الكلاب بأمان لذلك فإن الكلب الهارب من شرق آسيا لاجئاً إلى البلاد الآمنة كان يحمل معه تعاليم كثيرة ولكن أهمها بند يقول: "الكلب هو خير صديق للإنسان" ويستند هذا البند على الكثير من التعليمات التي على الكلب اللاجئ إتباعها ليصل إلى مرحلة يقتنع فيها الإنسان بأن الكلب هو خير صديق للإنسان فعلاً ومن هذه الإرشادات التي أسس لها كبير مفكري الكلاب في شرق آسيا أن يتمسح الكلب اللاجئ بالإنسان ويتملقه إلى درجة يسمح له فيها بمحاربة أبناء جلدته من الكلاب "الضالة" لصالح صاحبه "مالكه" الإنسان، إلى أن أصبح الكلب المتملق والمنافق رمزاً للوفاء!..
و هكذا أصبحت جموع الكلاب المضطهدة تتوق إلى الهروب من شرق آسيا حيث تعلق جثث إخوانها في محلات الجزارة كي يأكلها الآسيويون مع البهارات وأنواع التوابل المختلفة، ولكن إلى أين الوجهة؟!..
في البداية كان الكلب يقدم طلب اللجوء الحيواني في أي بلد خارج معسكرات الاعتقال في شرق آسيا ولكنه فيما بعد بدأ يفضل بلداناً على أخرى، فشعوب الدول الإسلامية مثلاً لا تأكل لحمه ولكنها لا تدللـه أيضاً لأنه "نجس"، ما عدا قلة منها تقتني الكلاب وهم يسمون أنفسهم بالعلمانيين، وقد حذر كبير مفكري الكلاب أبناء شعبه الهاربين من هذه الفئة أي "العلمانيين" قائلاً: "أما شر الجماعات فهم هؤلاء الذين يعيشون في دول إسلامية ويسمون أنفسهم بالعلمانيين، فهم يقتنون الكلاب لهم أو لأطفالهم كي يتباهوا بأنهم علمانيون، ولكنهم سرعان ما يصبحون إسلاميين في العقد الخامس من عمرهم ويطردون الكلاب من بيوتهم" وقد أثبتت الأيام ذلك عبر حوادث موثقة.
روى لي أحد الكلاب، من تجربته الشخصية فقال: "جئت إلى بلد يدعى سوريا بعد أن هربت من كوريا عابراً البحار إلى السعودية وهناك تعرضت للضرب والرفس والبصاق والاحتقار من الجميع فتتابعت مسيرتي إلى الأردن ونظراً لقربها من السعودية قررت إكمال سيري إلى سوريا حيث سمعت أن فيها بعض المسيحيين وكذلك طائفة جديدة غامضة تهتم بالكلاب وتدللها، وفور وصولي إلى دمشق لاحقت شخصاً ذو لحية وشعراً أشعث، يحمل في يده كتباً حمراء اللون، وبعد أن أنتبه إلى أنني ألاحقه نظر إلي فهرعت إلى ساقيه وتمسحت بها فأخذني معه إلى البيت، وهناك نعمتُ بحمام دافئ، وبعد ذلك بدأت أخرج معه إلى الشارع وفي زيارته لأصدقائه كانوا يكررون كلمات مثل: ماركس، لينين، ستالين، تروتسكي، كثيراً، وكانوا يقولون: الدين أفيون الشعوب، ويتحدثون مع النساء عن تحرر المرأة وعن كتاب مهم اسمه لينين والمرأة، وكان صاحبي يفتخر بي أمام الناس رغم أن بعضهم كانوا ينظرون إلي شزراً. ثم شاهدت صاحبي يبكي ذات يوم هو وأصدقاءه وهم يتفرجون على صندوق يسمونه التلفزيون وكانوا يرددون الاتحاد السوفييتي سقط، ولكنهم كانوا يرددون بأنه سيعود، وبعد فترة من الزمن، دخل صاحبي إلى البيت مرتدياً ثوباً أبيض و طردني إلى خارج البيت وهو ينعتني بالنجس، ومن النافذة شاهدته يمزق الكتب التي عليها صور أناس ملتحين ويضع مكانها كتباً عليها صور لأناس آخرين ملتحين أيضاً، ظللت أراقبه عدة أيام عله يرأف بي ويعود إلى رشده ولكن هيهات فقد كان يتصرف بغرابة فهو يقوم ببعض الحركات الغريبة خمسة مرات في اليوم ينهض واقفاً ثم يجلس ثم يجثو.. وما إن شاهدني أمام الباب ذات يوم حتى لاحقني بالحجارة ومن يومها أصبحت متشرداً في سوريا دون أن أستطيع المضي إلى مكان آخر".
08-أيار-2021
13-تموز-2019 | |
09-آذار-2019 | |
29-أيلول-2018 | |
11-آب-2018 | |
17-آذار-2018 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |