"مُذكّرات لغرفةٍ تُطلُّ على بَردى"
خاص ألف
2013-09-03
كانَ لِزاماً عليكَ
أن تنزلَ الدّرجَ الحجري
المفضي إلى غرفتي الممتلئة
وبعد الهبوطِ أن تخفضَ رأسكَ
كي لا يَصطدِم برأسِ الباب
هكذا.. ستجد نفسك فجأةً في غرفة (السيدة شوكولا)
كما أحبُّ أن أسمّيها
ستذكر أنك في ذلكَ اليوم تَماماً
قد عرفتَ تقاليدَ الدخولِ إلى غُرفة الشوكولا
البابُ الذي كُسِرَ في بَطنِ الغُرفة
عندما اضطررت ذاتَ ليلةٍ أن أقفزَ فوقَ السور الحديدي
وأنا أستَندُ إلى أضلاعِ المُكيّف
الذي يَقعُ حَتماً في جنوبِ الفسحة
نفسُ الفسحة التي وضعتكَ كاملاً في منتصف البيتِ
بينما أنامُ على سريريَ الحديدي
والذي حاولتُ دونما جَدوى
أن أقتلعَ أذرعه التي لم تَتوقّف يَوماً عن الصَّرير
وبلا جدوى أيضاً، حاولت ألا أترك مساحةً
بين الأرضِ وأصابعِ أقدامِنا
الآنَ .. و بعدَ ما تعثَّرَت قدماكَ بسجّادة الباب
استيقظتُ من نومي
ثمَّ حَلفتُ بكلّ ما في الدنيا مِن أيمانٍ مُغلّظة
أنيَّ سأنام ثلاثةَ أيامٍ مُتواصلة!
لماذا عُدتَ بعد سهرتنا المجنونة في بيروت؟!
هل تعلمُ أن هذي الغرفةً تشبه شيئاً ما!
حسناً .. أنا لم أستطِع حتّى الآن أن أتعرّفَ عليها
هُنا ..
كلُّ شيء يختَلِفُ استخدامُه
عرفتُ هذا من خلال أول زيارةٍ قمتُ بها
لاستطلاع المكان
يقالُ أن طلاب جامعة دمشق بارعون في التسرُّبِ
من أقفاص المدن الجامعية
إلى غُرفِ الكبريت في باب توما والقيمرية وشارع الأمين
أتدري أن أولَّ ما فعلتَه أني قفزت إلى كهفي الدافئ
وفتحتَ البرّاد الصغير
الذي يُشبهُ حتى بما يحتويه، اسمَ النهر الذي يَحملُه
كتب، مدفأة كهربائية، بضع أشياء أخرى لا أعرف كيف تسللت إلى البيت
كلها تنام على رفوف البراد!
وحدَه الدّرج الأخير، ما زال يَحتفظُ بتُفاحةٍ حَمراء
لعلّهُ آدم من خَبّأها هُنا
بعيداً عن مُتناول حواء
وباقي أصحابِ القلوبِ المَفطورة
نعم ..تحوّلَ البرادُ إلى مكتبة،
لا لشيءٍ .. وإنما لضيقِ المكان
يُمكننا الآنَ أن نتناولَ الكُتب المُثلّجة
لوركا بترجمة عجائبية،
نيرودا .. درويش
وما تَيسّر مِن أعدادٍ قديمة من مجلّة الكرمل
والتي عَادت طَازجة
مثلما صَدرَت في ليماصول قبرص.
فوقَ السريرِ تَماماً ستشاهدُ
صُورةً لي وأنا أبكي، ويَداي مفتوحتان
كما يَتصوّرُ المَسيح
أما بالأسفل، فسترى صورة بالأبيض والأسود
للسيدة شوكولا
في مُنتصفِ الغُرفة أريكةٌ حَمراء
صنعتهُا مُنذُ زمنٍ أنا وصَديقيَ الميت
عِندما أدركنا أنّ الخِزانةَ الخَشبيّة في غُرفةِ النّومِ
كانتَ بِلا سَقفٍ أيضاً
ومع أنّها كانَت تَعجُّ بالثيابِ
إلا أنني لم أكن لأرتديها
خَجلاً من شِدّة البرد
أما التلفاز، فكانَ مُخصّصاً للمُناسباتِ
كذلك، في الغرفةِ سُبورة
دَوّنَ عليها الأصدقاءُ قصائدَ نحيلة
وأقوالي المَأثورة.
أما أنا، فلم أسجّل عليها سوى عِبارتي المُفضّلة
(ابتَعِدوا عَن حَياتي أيًّها البَقر، فإنّ الحياةَ قَصيرة)
أذكرُ أنّك قد دَونّتَ بخطِّك الرَديء
مَقطعاً مِن أغنية لفيروز
"وتجي هاك البنت .. من بيتها العَتيق"
ما زلتُ أشعِلُ شَمعتَين في المساء
ثم أشغّلُ أسطوانة لأندريه بوتشيلي
وأطيلُ النظرَ في قطراتِ الشمعِ
تَسدُ أعناق زجاجات النبيذ الفارغة
حقاً، باتَ المَكانُ ملائماً لحَريقٍ رائِع
تِلكَ هيَ غُرفَتي على كلَّ حال
مَا مِن مُفتاح،
مَا مِن باب،
ومَا مِن صَديقٍ حَقيقي يَكشِفُ أسرارها
الآنَ فقط يُمكنكَ الرَحيلُ قَبلَ أن تَنقَطِعَ الكهرباء
سيَّما وأنّكَ وحيدٌ وتَحتاج يَداً تَلتَقِطُك
سأسحبكُ بقوةٍ لقعرِ سريريَ الدافئ
لتُقبِّلَني قَبلُ سَفركِ المَحتوم
أيُّها الهاربُ، والمُتهوّر في الحبِّ
خُذ بي إلى بردى
حتى أقذفَ فيهِ أمنيَتي الأخيرة
" أن يَموتَ صَاحبُ البيتِ،
وتَبقى لنا الغرفةُ إلى الأبد ".
عبدالرزاق الجميلي
2013-09-14
وكأني أراك من خلف هذا النص تعلن انتصاراتك بعد رحيلي عن دمشق ....كبييييييييييييييير ابو حميد ونصك جميييييييييييييييييل جدا
أحمد بغدادي
2013-09-16
تحياتي عبود ..... لربما أخطأتَ بين أزقة ألف .... كما يُخطئ الجمالُ أحياناً ترتيب نفسه للقائكَ في دمشق.......... أيها الثعلبُ الفراتي .... جميلٌ أنتَ حتى بمكركَ ....... نلتقي بين عيون الصبايا في أزقة باب توما الضيقة كالفرحِ بقلبي !!!.
fatimaBorge
2013-09-28
يا الله...ما أجمل هذه القصيدة!!!!!
08-أيار-2021
20-تشرين الأول-2018 | |
03-أيلول-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |