نقد / الأديب الكرواتى "ايجور زفريفتش" و روايته "تحت الخط الأخضر"
2006-04-10
بعد وفاته المفاجئه فى صيف 1998 بعده سنوات تحول "ايجور زفريفيتش" الى أحد ابرز رموز الأدب الكرواتى الحديث رغم أنه وحتى وفاته كان يعتبر كاتبا مغمورا حيث لم يتمكن طوال حياته من نشر أى من أعماله باستثناء مجموعه قصصيه واحده بعنوان " ريجوفيتشا تطل من النافذه" عام 1995.
وبعد وفاته بعام واحد قامت صديقته " ميلينا بوجوفيسيفا" بنشر مجموعه من قصائده فى ديوان عنونته باسم " ايجو " ورغم ان " زفريفيتش " نفسه لم يعتبر نفسه شاعرا ولم يحاول نشر أى من قصائده الا أن الديوان لاقى نجاحا كبيرا فى الأوساط الأدبيه الكرواتيه و عزى كثير من النقاد هذا النجاح الى التغيير الذى طرأ على الحياة الكرواتية بعد انتهاء الحرب وما صاحب هذه المرحله من حراك اجتماعى وسياسي وثقافي.
وبعد أن أصبح الطريق ممهدا لنشر روايته الوحيده " تحت الخط الاخضر" ثم ترجمتها بعد ذلك إلى الانجليزيه بات اسم " زفريفتش" فى أول قائمه الكتاب الأكثر شعبيه لدى الشباب الكرواتى .
فى روايته "تحت الخط الأخضر" يتجاوز " زفريفيتش " مفهوم الزمان والمكان فى الروايه الى ما يسميه هو نفسه (الحالة) ورغم أن هذه الحالة هي في الواقع تجسيد لما ينبع من ذاته الا انه يصر على تغييب وتجاوز هذه الذات أيضا من خلال أسلوبه السردى الأقرب للغه الصحافه اليوميه مستخدما بعض الالفاظ والعبارات التي نحتها بنفسه ولا تحمل دلاله لغويه معينه ولكنها فى ذات الوقت تسهم فى تجسيد (الحاله) في سياق الرواية ككل .
ربما يكون هذا الأسلوب الذي انتهجه " زفريفيتش " هو سبب نجاحه الآن رغم أنه كان سبب فشله أيضا في إقناع الناشرين والنقاد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي فحينما استطاع- بعد محاولات مضنيه- مقابله رئيس دار النشر الوطنية " بزغرب " قال له الأخير : " ولكنني لم أفهم شيئا من الرواية" فرد "زفريفيتش" ببساطه : "وهذا ما كنت أتوقعه "!! فلم تكن قضيته إذن هي فهم الرواية بل كان نقل الحاله هو جل ما أراد.
وما يبدو في الرواية من بعض ملامح " العبث" حدا بالبعض إلى تصنيف "زفريفيتش " ضمن (التيار العبثي الحديث) وقد يكون السبب في ذلك تشابه ظروف الحرب التي عاشها "زفريفيتش" مع أجواء الحرب العالمية الأولى التي أفرزت الاتجاهات العبثية الفنية والأدبيه في القرن العشرين و لكن بالعودة إلى رواية "تحت الخط الأخضر" يصعب ملاحظه الاشاره للحرب من قريب أو بعيد ومع ذلك لا يمكن تجاهل تلك الظلال القاتمة الثقيلة التي تلف الأحداث في الرواية دون معرفه كنهها تحديدا.
نحن أمام روايه تدور أحداثها فى لحظه واحده أو ان شئت فى جزء من الثانيه وتبدأ الروايه بجمله واحده وتنتهى بنفس الجمله ( الى هوه مظلمه والفئران تصعد الى أعلى ) انها لحظه سقوط بطل الروايه ولا نعرف مكان سقوطه الا مع تقدم أحداث الروايه فتبدو ملامح المكان فيما يشبه مجارير النفايات تحت حديقه مدينه ما وخلال هذه (اللحظه الروايه) يعود البطل الى ذكريات مشوشه تتداخل معها رؤى مستقبليه غامضه وهنا تكمن الحبكه الرئيسيه للروايه فى محاوله تخليص تلك الخيوط المتشابكه لمعرفه الحقيقى و المتخيل فيما يسرده البطل و الذى لا نعرف له اسما طوال الأحداث غير أنه يشار اليه أحيانا بالرقم ( 81 ) و أحيانا أخرى بضمير الغائب انه يتذكر طفلا ما وحينما يصل القارئ الى ان البطل هو نفس هذا الطفل فى الماضى يقفز "زفريفيتش " بالأحداث مبتعدا عن هذه الفكره لتتولد فكره جديده مغايره تماما .
ان مايبدو من( 81 ) كمحاوله للكشف والتطهر _بالمفهوم الكلاسيكي يتلاشى فى اللحظه التى يظن القارئ فيها أنه أمسك بطرف الخيط واذا كان( السقوط ) فى أدبيات الثقافه الغربيه هو المرادف لانفتاح أبواب الحقيقه على مصراعيها فإن "زفريفيتش " يحيلنا إلى موقف أكثر غموضا بيد أن قيمته الحقيقيه تكمن فى طرح الأسئلة و بلوغ آفاق لم يصل إليها أحد من قبل .
وحتى فكره السقوط نفسها يعالجها "زفريفيتش " بكثير من الشك فهاهو (81 ) يتساءل ان كانت الفئران تصعد من الحفرة أو تهبط فيها !! أو إذا كان هو الآخر هابطا أم صاعدا إلى هوة مظلمه !!
هنا يتوقف أمام عيني الفأر اللامعتين ليبدو لنا لوهلة أن الفأر يمثل المعادل الموضوعي لبطل الرواية إلا أن "زفريفيتش " يواصل لعبه الغموض ويحيلنا لمشاهد أخرى يبدو فيها جليا تأثير البناء السينمائي على أسلوبه فهاهي لقطه مقربه لأقدام حافية تقطر دما لكن أصوات القطار وعقارب الساعة تعيدنا مره أخرى إلى ظلام الحفرة وخلال كل هذه المقاطع يحافظ"زفريفيتش" على إيقاع متسارع لا يفلت القارئ خلاله من (الحاله) التي أرادها الكاتب والتي تظل حتى لحظه النهاية ليفاجئ القارئ بأن الحدث على المستوى الواقعي لم يتقدم قيد أنمله .
إن ما يخرج به القارئ من رواية "تحت الخط الأخضر" هو تلك ( الحاله ) وهذه التساؤلات عن كنه الخط الأخضر هل هو مساحه العشب الخضراء فوق الحفرة؟ أم أن الخط الأخضر هو الخط الذي يفصل بين القوات المتحاربة؟ هل الخط الأخضر هو الحياه؟ الخ .. إنها بعض التساؤلات التي تقفز إلى الذهن مباشره بعد قراءه الرواية و مع استعاده كل المشاهد والأحداث التي تبدو غير مترابطة تتكون تركيبات لامتناهيه من المعاني التي تدور كلها داخل حدود (الحالة) ولذلك لم يكن مستغربا أن يضع "زفريفيتش " ملحوظة في نهاية آخر صفحه من الرواية حيث كتب (من هنا تبدأ الرواية).
08-أيار-2021
11-كانون الثاني-2009 | |
نقد / الأديب الكرواتى "ايجور زفريفتش" و روايته "تحت الخط الأخضر" |
10-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |