الكَأسُ العَاشِرةُ فِي حَضْرَةِ فتَاةِ العيدْ
محمود قحطان
خاص ألف
2014-01-04
كأسٌ إلَّا تِسْعَ دَقائقْ
وسيدخُلُ عامٌ يَختَرقُ ثُقوبَ العَامِ السَّابقْ
وأنَا فوقَ فتَاةِ العيدِ أُرَمِّمُ أضْلاعًا سَقطَتْ
وزوايَا تقتَرِفُ الحَسْرَةَ مِن دَمْعٍ يغسِلُها
ويُوزِّعُنَا في نَعْمَاءِ المَوتِ بُكَاءٌ صَاخبْ
تترنَّحُ في دِاخِلنَا خُطُوَاتٌ مِن أمَلٍ مَخنُوقٍ
وَوِشَايَةُ تَاريخٍ كَاذبْ
الرَّجْفَةُ ضَيِّقَةٌ، والرَّغبَةُ تَفتَحُ سَاقيْها
أحتَكُّ بنهديْها، أَرفَعُ مَنسُوبَ الشَّهوةِ
لكنَّ الخوفَ شَريكُ الَّليلة.
كأسٌ سَقَطَتْ
أَسألُها كأسٌ مِن مَاءٍ، تَسألُني كأسٌ مِن خَمرٍ
نختلفُ اليومَ بمَا نَحتَفلُ
أَبِمَوتِ الرُّوحْ؟
أمْ..
ضَخُّ خَلايا النَّفسِ المَوؤُدَةِ؟
وبِرَغمٍ منَّا، لا نجدُ –الآنَ- سِوَى ذاكرَةٍ تحبَلُ بالمَعنَى الغَائِبْ.
كأسٌ إلَّا سبعَ دَقائقْ
يتحرَّشُ في شوقٍ كأسَينا
وأنَا.. وهي نرقُصُ من نشوتنا –هَذي الَّليلةَ- طَرَبًا
وأصَابعُ كَفِّ العَازِفِ تَعزِفُ لا تَلعَبْ بالنَّار
تَخرجُ من فَمِها أَدخِنَةٌ تَتناطَحُ، أستَنشِقُها
في سَنواتِ الحَرْبِ المَوبُوءَة
في زَمنِ الأطنَانِ من القَتلى، والجَرحَى، والثّكلَى
في زَمنِ المُدُنِ المُغتَصَبةْ
في زَمنٍ يتنفّسُ من قَبرْ.
كأسٌ إلَّا خمسَ دَقائقْ
في حَضرَتِها..
تتبرعُمُ ليْ ألفُ ذِرَاعٍ حَولَ جَنائِنِها
تَجمَعُ عَرَقَ الَّليلةِ، تَرعى قَمَرًا في حَقلْ.
في حَضرَتِهِ..
حبَّاتُ العَرَقُ الأسوَدُ تسقُطُ للأعلى، تَنزِفُ شُهُبًا كالغَيثِ وأسْواطًا مِن بَرْقْ.
في حَضرَتِها..
أَخلَعُ أعضَائي، أُلحِمُ جِلدَينَا؛ كيْ أُحصيَ عَدَدَ الضَّوءِ المُندَسِّ كقِندِيلٍ في شَغَبِ العَتمَة.
في حَضرَتِهِ..
يُفسَدُ ضَوءٌ، ومَلامحُ تَبلَعُنا، تتوغَّلُ في دَمِنا، تمْزُجُهُ بِعجينِ الطِّينِ؛ لَتُصيخَ الشّمعَ بِعُنقٍ يتوسَّلُ أنْ يُنْحَرْ.
وأنَا بينهُما أشْلاءٌ، وصَهيلٌ يَهصُرُني
أتقيَّأُ بَردًا، مَعَ أنِّي مُرتَخِيُ الأطرَافِ يُحاصِرُني دِفْءٌ.. وهَشِيم!
كأسٌ.. إلّا ...
اقتربَ الوقتُ
وأنَا مُحتَارٌ، في صَدري ضِلعٌ أَعوَجْ
تَتزايدُ رَغبتُهُ فِي رَفعِ عَقيرَتِهِ بنَشيدِ المَوتْ
يَتَجَدوَلُ دَمعٌ في عَيني
وتُحاصِرُني في الوطنِ المَلويّ صُوَرٌ مَنسيَّة، وجِبَاهٌ مَحنيَّة
وجميعُ مَرَايا الغُرفَةِ سَئِمَتْ من عَكْسِ السّحَنَاتِ المُرتَعِبَة
تتجمّعُ أعضَائي فِي الأَعلى
أَضبُطُ أوتارَ الشَّفتينِ، وأَدعَكُ لحْمَ فتَاةِ العيدِ
أُحاولُ فَي يَأسٍ
أنْ أنسَى..
عُريَ الأبوَابِ
وغَمغمةَ الحائطِ بالصّمتِ المُضْنِي
ودفيفَ النَّافِذَةِ المُضَّطرِبَةْ
أنْ أنسَى ...
أنْ أنسَى ...
ولماذا، يَغرَقُ عامٌ.. حينَ جَفَافِ البَحرْ؟!