قصة / الحب على الطريقة السورية
2006-06-03
خاص ألف
هناك في مدينة لاواديسيا ولدت على الساحل الغربي للبحر الأبيض المتوسط. أذكر أن قامتي كانت كبيرة بحيث كنت قادرة على الوصول إلى المدن القريبة في دقائق ، ناظرة إلى البيوت في الأسفل بحب وامتنان . وعندما كنت أريد ان أتجول في الأزقة كنت افعل ذلك بلمح البصر و خفة . حتى أنني كنت أجد متعة في الاستلقاء في الحمامات تاركة جسدي المرن بين أيدي رومانية لتدلكه . ما احلى دعة العيش على هذا المنوال!
لا اعتبارات تفرض نفسها علي و لا شعور بالذنبكنت أهيم في جنة سورية من صنعي و من صنع الله , هكذا كانت روحي عصية على القياس بينما الكواكب كرات تتقاذفها يداي لهوا .
اما هو فقد ولد معي في نفس المكان و في نفس الزمان ، و لقد أعطينا الفرصة الكاملة معا لنعاين
كيف يكون الحب ايضا على شكلنا و مثالنا ، سوريا عتيقا نابضا بالروح ، و منفلتا هو الاخر من الاعتبارات اللهم ما يحفظ نقاءه و وجوده ؛ الكرامة المشتركة ، التبادل الكامل ، و مسامحة الهفوات الصغيرة التي تطفو على سطح قلوبنا كلما استبدت بنا تلك الهموم اليومية الصغيرة التي تنقر على شبابيك الروح !
كان هو يقدم نذوره الى ( إيل ) اله القوامة الطبيعية ، بينما كنت اقدم نذوري الى ( عناة ) آلهة خصوبتي ، لكنه كان الحب السوري القديم العريق بكل ما فيه من روائح الصوامع و البيادر التي يوشك الفلاحون على حصدها ، حب لا يستطيع كهان المعابد ان يقضوا عليه بالفتوة القاضية كما هو الحال اليوم .
لقد التقينا مرارا في غرفنا الصغيرة عندما كنا نترك للهو صغارا ، ثم عبر ازقة المدينة اللاهية ، ثم في حقولها النائية بين سنابل القمح غير الناضجة ، ثم في متاجر والدينا بين أقمشة البروكار و العطارة و الزيوت المقطرة و اخيرا في غرفتنا المشتركة ، غرفة الحب و الأنفاس المقطوعة . هو الاخر كان سوريا عتيقا يركن سيفه في الزوايا و يغتسل بعد كل معركة ليطفح على وجهه ضوء الأيام الغابرة حين كان ضجيج العربات ذات العجلتين يطغى على همسنا الذي تحميه شمعة مشتعلة على وشك الذوبان !
عالم بهي رحب لم يلوثه بعد التقدم في السن ....سن البلد التي أخذت اطرافها تتآكل كلما مرت عليها الأحقاب !
لقد ساهمت انا و هو في خلق هذه الجنة القديمة ، عملنا معا ، حاربنا معا ، رقصنا معا و ذرفنا الدموع معا ! و أنجبنا أطفالا كان ينام في أحلام بعضهم رغبة القيادة و ادارة شؤون هذه الحضارة الخضراء . من كان يمنعهم من الحلم ! لا أحد! لا دين، و لا انتماء ، و لا شبهة ليست موجودة . كانوا أحرارا سامحة لهم العناية ان يختاروا ان يصبحوا مواطنين من الطراز الرفيع لمجرد انهم ولدوا فوق ارضها .
حين تولد في بلد و تحمل بصماته فوق وجهك ، و مع ذلك لا تستطيع ان تحلم مجرد حلم في قيادته فانت لا تنتمي اليه عمليا لان شعلة الانتماء تكون شبه مطفئة ! انك هناك تقف على بابه كغريب و لا تدخل ، تتعلق بحافلة منطلقة لعلك تصل مع الركب كله ! بواب على عمارة بلدك او جنائني في حدائقها او ربما ساعي بريد او حتى حلاق لذقون أخرى جعلتها ظروفها اكثر انتماءا منك .
و مع ذلك ، كان الانتماء يقاوم الغبن ، و الشعور بالحب يسمو فوق التسميات ، و كنت انظف سيفه السوري البرونزي الثقيل المركون في زاوية غرفتنا بالليمون و الزيت ، و اغسل القمصان التي لطختها دماء المعارك الطويلة ، معارك الدفاع عن هذه الأرض المباركة.
لقد كنت متيقنة ان الحمأة الوطنية التي نشعرها انا و هو أقوى من طموح بلوغ كرسي السلطة الكنعاني العالي . لقد كنا نخاف على حقولنا و البيادر ، على كروم العنب و خوابي الزيت و مخزون البلد من القمح . كنا نخاف على مدارس أطفالنا، التي نصبت في حقول الهواء الطلق، نخاف عليها من تلوث الكتب، و من رياح التصنيف ، و من نزعة التحليل المضحكة ، و من تسييس الكلمات ! نخاف على براميل العطر و المسك و اكياس التوابل المهيأة للرحيل على ظهور الحمير و الخيول باتجاه طريق الحرير . كنا نخاف على دروب البلد الترابية القليلة من نسمات تحسين تطيح بالواح الطين المسمارية و بقايا الرومانسية فيها .
ما هو الوطن اذا لم يكن هذا الاحساس الدفين بالخوف عليه ؟ و ما هو الحب ان لم يكن خط رؤيتنا المشترك ، انا وهو ، حين يجتاز السهول الخضراء باتجاه الشفق ! رؤية المستقبل السوري البعيد ، المتنامي مع حبة قمح خارجة من جحرها .
و في المساء حين نستكين في غرفتنا الوحيدة على ضوء شمعة صغيرة ، كنا نعيد حساباتنا القليلة ، كمحاسبين في دكان ، بينما تتصاعد انفاس الصغار النائمين بكل امان الدنيا .
عالم بهي ، لم تلوثه بعد الحمأة المزيفة المتراقصة على أغاني وطنية معاصرة ترعاها سوني و مهندسو الصوت و الموزعون الموسيقيون !
لقد كانت كلمات الحب في الماضي هي التي تحيك رداء الوطن بتؤدة و روية، اما اليوم فالباعة هم الذين يديرون نوايانا و الاحلام ! جنون نطلق عليه اليوم اسم اقتصاد !
و هكذا اصبح علي ان انظف سيوف المعارك لا بالزيت و الليمون و انما من بقايا تحويل النفظ و مخلفاته الى منتجات انيقة مصنعة تعمر بها الرفوف .
اننا نتقدم ! هذا ما اقنعنا انفسنا به ! و هذا ما نبز به العالم حولنا اليوم ، العالم الذي يتطلع الينا بعين المتشفي الحاقد !
08-أيار-2021
07-كانون الأول-2007 | |
04-أيلول-2007 | |
13-أيار-2007 | |
01-نيسان-2007 | |
13-شباط-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |