قصة / حبر على جسد
2006-07-12
خاص ألف
"فصل من رواية لم تنشر بعد"
أيهما يتجه نحو الآخر، أنا أم سهام قتلي ؟
أتواطأ مع نفسي أحياناً وأحاول ألا أنبش مستقبل شخصيات الرواية من لا وعيي . أرغب بأن أشعر بالدهشة لمصائرهم وأن أفرح وأحزن معهم دون علم مسبق مني . أريد أن أحيا وإياهم لحظاتهم الحلوة والمرة والمثيرة وأن أحزن لخيبا تهم وآلامهم وكأن جسد ي وحواسي ينا شدوني المتعة والإثارة فيهم .
وبالعودة إلى ندى كنت أود أن أتحدث عنها بوصفها جسداً مستقلاً، نعم جسد لافكر، ولا عاطفةً ولا ذاكرة ولا لغة،ولا شيء من هذا القبيل. جسد فقط، ..
فمن جسد ندى؟!
إن تاريخ شيء ما هو إلا جزء أساسي، حيوي ،وجوهري منه، وقد يكون هو ذاته، نفسه أحياناً. وما جسد ندى إلا هذا الشيء الذي يحركه تاريخه، ولا يُقصد هنا ماضيه أبداً. تاريخه وحسب. لأن الماضي شيء والتاريخ شيء آخر، الماضي هو الوعاء والتاريخ هو المميز فيه ، الماضي سعة وامتداد ،والتاريخ علامات وإشارات ، رموز ودروب مخطوطة ترسمه. الماضي له بداية ونهاية أما التاريخ فهو هذه اللوحة التشكيلية الخاصة،المنحوتة فيه..
كان لجسدها تأثير كبير على حياتها فجمالها، قوامها الممشوق ورشاقتها، ألق عينيها، مسامات جلدها، ساقاها الرائعتان وصدرها الشامخ جسدها كل جسدها لعب دوراً كبيراً في اندفاعها نحو الغير، بقدر ما كان منطقةً لتلقي اندفاعات هذا الغير.
عندما كانت في التاسعة من عمرها اصطحبها والدها إلى الشاطئ للسباحة وهناك التقي مجموعة من أصدقائه وكان بينهم رجل هو أكثرهم دعة ورقة ، أدباً واحتشاماً. فتبرع بتعليم ندى السباحة التي لم تكن تجيد سوى العوم بصعوبة. نزلا إلى الماء فحملها على راحتيه بكل أناقة. يده اليمنى على شيئها ويسراه بين نهديها الذين لم يتجاوز حجم الواحد منهما حبة الفريز الكبيرة بحيث استقر إبهامه في أعلى الزاوية بين فخذيها، وبمساعدة من حركة الماء المتموجة كان يمرر يديه على هاتين المنطقتين الحميمتين والبنت لا تدري ما يحدث فلم تكن بعد قد تفتحت أزهار شهوتها بشكل كاف ناهيك عن انشغالها بتعلم السباحة وإحساسها بأنها تسبح مع أحدٍ كأبيها لكن هذا الوديع الرقيق مد إبهامه تحت سروالها ساعيا ًنحو المزيد من المتعة وباللحظة انتفضت واقفةً في الماء، مشدوهة لا تملك تفسيراً لما حدث. أما هو فقد غادر الماء بعد قليل وغادر المجموعة بعد مدة قصيرة أيضاً متذرعاً بموعد كان قد نسيه وكاد أن يفوته ، واعداً الجميع بلقاء ثانٍ . إلا أنه غاب ولم تعد تراه بعدُ طيلة حياتها.
بعد زواجها بأكثر من سنة كانت في البيت وحدها نائمة على بطنها فوق السرير وجاء رامي ليخبرها بأنها حامل وذلك بعد أن صدرت نتيجة التحاليل الطبية فأخذ يداعبها وهي تتململ مسترخية وعندما وضع يديه تحتها وتحديداً عند أسفل بطنها وصدرها محاولا قلبها على ظهرها ملاعباً، انتفضت جالسة مشدوهةً وكأنها في عز يقظتها،وحين سألها عن ردة فعلها هذه ،لم تكن لتملك جواباً ًتقوله، ولم تستطع تحديد سببٍ لما حدث .ناسيةً وبشكل تام حادثة البحر، حتى إنها قالت لاأ دري ما الذي حدث، ثم مالت إليه وقبلته.
ومرة في حافلة النقل العام، والواقفون أكثر من الجالسين، اقترب منها أحد الرجال بشكل ملحوظ مستغلاً الزحام الموجود في الحافلة وعلى الرغم من أنه لم يلامسها إلا أنها حبست ردة فعلها خشية أن يلاحظها أحد لكنها لم تدر إلا وجسدها يفعل فعله ويتحرك قليلاً إلى الأمام فقد أحس جسدها أنه اُُقتحم ، ورد على هذا الإقتحام.
إنه يقرر ، يحب ويكره ، يرفض ويقبل وكأن له رؤيةخاصة وكيان ليس لغيره.فهو يفعل ما يريد دون انتظار أية موافقات من أية جهة..إن له منطقه الخاص الذي يوجهه.
كما أنه تشعر أنها تمتلك هالةً حول جسدها بالإضافة إليه. منطقة من الوجود هي حيزها الخاص وإذا اقترب أحد منها بصورة مفاجئة فإنها تشعر أنها قدأُصيبت في هذا الحيز الذي هو ملك خاص لجسدها.
عادت إلى البيت وبينما كانت تخلع ثيابها لم تشعر إلا وهي تتوجه نحو المرآة وأكثر من ذلك لم تشعر إلا وقد تعرت إلا من سروالها وراحت تتفحص جسدها بتفاصيله ويخالجها شعور أنها لا تملك من الدنيا أهم منه. جسدها الذي تستطيع أن تتأمله وتحفظه بدقة، وتنظر إليه بمعرفة وتكتشفه بشغف وحساسية وهي متيقنة أنه هو، وسيبقى هو، فهي لا تستطيع النظر إلى أفكارها وقناعاتها ولو استطاعت أن تتأملها ، كما أنها تعلم أنه من الممكن أن تتبدل هذه الأفكار والقناعات وتتناقض ويهمل ما هو قديم منها وينسى ، إن أفكارها ليست جزأً أصيلاً منها وهي ليست أفكارها بالأصل إنها نقل ومحاكاة واستنتاج في زمان ومكان محددين ، وقد تتكرر عند آلاف البشر. أما جسدها فلا، إنه واحد لا مثيل له، وهو هو. مهما تغيرت بعض مقاييسه وهرم.
فكل شيء بالنسبة إليها يبدأ منه إلى أي مكان. وكل الأشياء تنتهي إليه من كل مكان.
ازدادا تعلقها بعملها الجديد وبرعت أكثر في الطباعة على لوحة مفاتيح الكومبيوتر و يوماً بعد يوم صارت تحب هذا المكتب وتألفه ولم يعد يعني لها عملها الأساسي في وظيفتها الرسمية شيئاً إلا بوصفه عملاً روتينياً خالصاً مرغمة عليه، وأصبحت تنتظر الساعة السادسة من بعد ظهر كل يوم بشغف وكثيراً ما صارت تصل إلى عملها في مكتب الروائي قبل موعده بمدة كما صار فنجان القهوة الذي تحتسيه في هذا المكتب إدماناً يومياً ومع أن كلاً منهما يعمل في مكتب منفصل عن الآخر إلا أنه كثيراً ما جمعها العمل لتصحيح بعد الفقرات أو الكلمات .
طرق باب الغرفة التي تعمل بها على الرغم من أنه غير موصد ليسألها إن كانت ترغب في فنجان قهوة ودعاها إلى مكتبه . لم تفكر بالأمر كثيراً بل سارعت وعرضت عليه أن تحضرها هي لكنه ضحك وقال :
- لا عليك -- أحببت أن أحضرها بنفسي وطلب منها أن تسبقه إلى مكتبه فوافقت ولم لا فكل شيء طبيعي والمكتب في حالة مفتوح طالما هو معها وهذا ما جرت عليه العادة كانت مقتنعة بأن لا مشكلة معه فقد أتضح لها خلال هذه المدة أنه أهل للثقة ويتمتع بشخصية محترمة قليل الكلام قليل النظر إلى جسدها وحين يخاطبها فهو ينظر إلى وجهها أو يكون يقرأ في ورقة ما.
إن أكثر ما كان يزعجها إلى حدٍ وصلت معه إلى درجة القرف أنها كانت تلحظ أعين الرجال كيف تتركز على جسدها وبخاصة على المناطق الحميمة منه، وهذه المتابعة لهذا الأمر زادت من حساسيتها تجاهه لدرجة أنها كانت تحس بنظرات الرجال إلى جسدها دون أن تنظر إليهم وبات شعور بالإرباك تجاه جسدها ينتابها من حين لآخر حتى لتشعر بأنه ثقل عليها تدفعه دفعاً ليسير أو ليغادر زاوية نظر الآخرين.
كل ذلك جعل علاقتها بالرجال احترازية حذرة مما جعلها تبدو في كثير من الأحيان على غير حقيقتها، صلفة جداً وجامدة حتى مع أكثرهم وسامة ورقة .
جلست على الكنبة أمام طاولته وأشعلت سيجارة، وجلس هو في مكانه خلف الطاولة . سألها :
- أربعة أشهر مضت على عملك هنا فكيف وجدت ذلك.
- أتصدق يا أستاذ ؟
- أرجوك بلا أستاذ فهي كلمة باتت تشعرني بالملل، وإن كنت محرجة من مناداتي باسمي فخاطبيني بلا لقب وبلا أسم.
- يحرجني طلبك الأخير هذا أكثر ولكني سأحاول.
- إذاً ما عندك؟
- ما عندي أني أصبحت أحب هذا المكتب ( واستدركت) اعذرني على صراحتي وأنا على ثقة بأنك لن تفهمني خطأ . أنا أتعلق بالأشياء التي أحيا معها وأحب الأمكنة التي تعزز وجودي وتفردني بها و تمنحني نفسها.
انتصب واقفاً:
- عظيم
- وما العظيم
- كلامك الذي تقولينه، أتعلمين أنني في كثير من الأحيان لا أستطيع أن أعبر عما أريد دائماً أو في الوقت المناسب , وكثيراً ما أقول كلاماً في مثل هذه الحالات هو غير ما أريد.
- أيعقل هذا وأنت كاتب؟
- يعقل كثيراً، وأنا أفهم لماذا يحدث ذلك وسنتحدث فيه لاحقاً المهم كنت أسألك عن أوضاعك.
- كل شيء تمام , ابني. في حضانة ليلية وزوجي يداوم بعد الظهر في مكتب عقاري لأحد أصدقائه وأنا سعيدة بعملي و بخاصة بعد قدوم هذا الكرسي المتحرك .
- لن أسألك بخصوص الراتب فأنا أعلم أنك تستحقين أكثر ,فالطباعة ليست سهلة وسأدرس هذا الأمر شكراً لك وأنا سعيد بمعرفتك وأتمنى أن أسمع منك أية ملاحظة ودون تحفظ.
انتهى فنجان القهوة بسرعة لم تلحظها هناك كلام كثير تود قوله وملاحظات تريد أن تبديها ولكن ليس لديها الجرأة بعد على طرحها فهي تخص عمله هو . قامت واقفة وقالت :
لاشيء مهم , هي ملاحظات بسيطة على ما أطبع ولكن في وقت آخر بالتأكيد طالما ذلك لا يزعجك.
- أنا شديد الرغبة لسماع ما عندك، فإلى فرصة أخرى لأني مضطر للمغادرة وبين يديك عمل علينا إنجازه .
ودعها هو، وقال:
- لا تنسي أن تغلقي الباب خلفي.
عادت إلى طاولتها وهي تتمتم " علينا إنجازه " قالها بالجمع لا بأس فأين المشكلة؟
انكبت على المسودات تعيد ترتيبها , سوت من جلستها كعادتها وبدأت بطباعة ما يلي:
.
"هي في أول الأربعين وبهذا كانت تكبره بخمس سنوات، جمعته معها سهرة دارت فيها كل فنون الثقافة ومورست فيها أشد الفلسفات غرابة وتطرفاً ، فكان نجم السهرة بلا منازع ، الأنظار تنشد إليه باستمرار ، فهو متحدث بارع ويملك تأثيراً استثنائيا على محدثيه وحجتةً لاتُرد. شاب وسيم مندفع ، كله حماس وحيوية وقدرة على الإقناع وهو في ذروة النقاش ، قمةٌ في الأدب والكمال فلا يمكن أن ينسى أياً من الحضور، وينتبه إلى كل كبيرة وصغيرة حتى إنه لا يغفل أن يقرب صحن السجائر قليلاً إلى من يدخن ولو لسنتيمترات.
ظلت تراقبه من بداية الجلسة إلى نهايتها وبفتنة لم تمر بها في حياتها. لقد سحرها بشخصيته.
انفضت السهرة وتفرق الحضور وهي في غرفتها تخلع ملابسها ، تتعرى. امرأة بكل معنى الكلمة ،كاملة مكتملة ، وكانت بين اللحظة والأخرى تستعرض من ذاكرتها بعض مقاطع فيديوية لنشاطه وحيويته وهي تتحس جسدها مارةً بكل الخطوط والمنحنيات ، مستلهمةً وسامته وقوامه الجميل مسحورة بنظراته المركزة على صدرها وعنقها، هاهو صوته يقترب رويداً رويداً حتى كادت تحس أنه يلتصق بها ويغمرها ، أغمضت عينيها وغابت في متعتها نشوى بحضوره حتى وهن جسدها وتراخت مفاصلها فانقلبت إلى سريرها عارية حتى الصباح ".
مضى شهر كانا قد التقيا فيه أكثر من مرة وفي كل مرة يلتهبان افتتاناً ببعضهما بشكل لم يعد من الممكن احتماله، وكم من صدفة مدروسة بشكل سري جمعتهما في مكتبة أو سهرة أو مسرح وفي كل مرة كانت أناقتها محط الأنظار وألقها وحيويتها يزيدانها إثارة، ونظراتها وحركاتها تحول مجرى الدم في عروقه إلى مراكز حميمية جداً.
إلى أن التقيا في مركز الفنون التشكيلية في افتتاح المعرض الأول لرسام مغمور، والذي لم يكن ليزوراه لولا أن كل منهما عرف بأن الأخر سيأتي فبدأا يستعرضان اللوحات المعلقة ببطء ملفت قالت:
-هل أعجبك المعرض؟
- أتيت لأرى لوحتي وهاهي تمر أمام اللوحات جميعها لتقول: من الأجمل؟ أجيبيني أيتها اللوحات.
- كفاك مجاملة، ثم هل حقاً تراني جميلة إلى هذا الحد ؟
لم أعد أرى الجمال إلا فيك ، ولا أحس بأني رجل بما فيه الكفاية إلا أمامك؟ وجهك يسحرني، ونظراتك تلهبني، وأناقتك تبهرني.
وهي تنظر ولا ترى إلى إحدى اللوحات سألته:
وهل أعجبك هذا الفستان ؟
كل الفساتين التي رأيتك فيها جميلة فأنت إما خياطة ماهرة ،وإما متسوقة ذكية ومحظوظة .
لوتعلمين كم أحسد ثيابك وأغار منها .
وللحظة أحسا أنه لم يبق غيرهما في المعرض مع موظف الصالة فارتبكا فسارع للقول:
- ما رأيكِ بفنجان من القهوة؟
أين؟
أينما تشائين .
لا أحب الأماكن العامة .
حددي مكاناً.
حدد أنت .
إذا عندي أو عندكَ ولا مكان ثالث .
عندي ولنلتقي بعد ساعتين .
بعد ساعتين.
وماذا تريدني أن أرتدي لك؟
فستان السهرة الأولى.
إلى اللقاء."
انتهى .
قفزت عن كرسيها واقفة فقد تجاوزت الساعة الثامنة ولم تدر.
أقفلت الكمبيوتر وتركت الطاولة كما هي دون ترتيب وبسرعة غادرت المكتب.
08-أيار-2021
12-تموز-2006 | |
10-نيسان-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |