المغني

انا المغني ..

تفرس الشرطي في وجهه جيدا وعرفه , هو ذاته , وليس تشابها في الاسماء , لكنه بمكر طلب منه ان يغني أغنيته الشهيرة أثباتا لهويته . وكانت أغنيته جواز مروره .

لاشيء في رأسه سوى وجه أمه التي فارقها منذ سنين وفارق الوطن , ولذا فهو لم ينتبه الى كل الجسور التي قطعتها السيارة ولا الى الشوارع بمبانيها واسواقها وملامحها الجديدة ولم يفتح نافذة السيارة حتى اعترضها رجال شرطة شكلوا مفرزة للتفتيش .

لم يكلمها كثيرا في الآونة الخيرة أو يهاتفها , وفضل ان يجمع لها أشواقه ويسعد قلبها بعودته النهائية . مر بمفرزتين بعد الأولى , وغنى بصوت راجف , فرقص أحدهم مبتهجا بأغنية عرسه والتي كانت اغنية الاعراس الرائجة لسنوات عديدة .

اخذ النهار يطوي ساعاته الثقيلة الحارة , وأمه الحبيبة بعيدة عنه جدا , بل ان كل شيء خارج السيارة بدا له بعيدا ضبابيا , وكل متحرك في الصورة بدا بلا شكل محدد .

غنى للمرة السابعة بصوت كانه ليس منه , صوت تقطعه آهات قلب يعصره الألم . لم يكن قربها في لحظاتها الأخيرة ولم يودعها , وهؤلاء استخفهم الطرب غير مبالين بدموعه التي غسلت وجهه ممزوجة بعرقه . وبعد ان شبعوا من اغنية العرس , ومن الرقص , أشاروا بايديهم لتمضي السيارة .

***

حديث الملعقة

قالت وهي تصب الشاي في فنجانه وبعد أن رفعت احدى ملعقتين صغيرتين وضعتا سهوا فيه .. سوف تتزوج باثنتين .. وضحكت .

خفق قلبه وشعت الفرحة في ملامحه , فيما غمزه قريب في غفلة من زوجته , وبجرأة هتف آخر .. هنيئا لك .

و رغم ان ماقالته هو شيء من تكهنات ساذجة تتداولها النساء , لكن الامر كثيرا ما حدث معه , وصار يترقب حدوثه في كل مرة يجتمع فيها باقاربه , حتى كانت آخر مرة . جلست قريبته جوار امه , ولمواساتها قالت .. لو كان المرحوم متزوجا لما تركك وحيدة بعده .