طـــالع
خاص ألف
2016-07-02
أعلم أن دمي الذي أحبه ، دمي الذي لفرحي ونشاطي وعشقي ،
دمي الذي امتد بطول أيام لي ورافق كل تفاصيل النضج والتهور، كل المشاوير والمخاطر والقصائد والطموحات والكوابيس.. وذاق معي غصة الهزيمة ووخزة الوحدة وسـُمّر معي بشكة الرعب ، دمي الذي ضخ في عروقي كل الدفء والعنفوان ولازمني حتى الاعتصار ..حتى لهفة الإنتظار ووجع الغياب ..
دمي الذي علمني الرقص والسباحة في دماء من ضم الروح إليه في عناق وكل طريق ليكرر بجدية كم ضاق الجموح به حيز نحول حشي ، دمي الذي يشبه نزفي ونزقي ،الذي وحده يشهد لي أني أنا هي بعينها بملء السر والوجع والشموخ .. يعلن عليّ الآن التمرد علانية ، ورغبته الملحة والمكثفة والتى باتت تلاحقني مطلع الوريد ..طموحاته فاقت حدود الشريان .. دمي ينشد الانفجارمني ،يسعى للامتداد عني ..
دمي الذي مني وكنت لا زلت صغيرة ظل يغازلني ..يرواغ شهوة الطرق للعناق المباغت ، أقول هذا بعد كل مرة أنجو فيها من موت مؤكد لا غش فيه، بل ويتأكد لي على ما يبدو أنها الطريقة المثلي الى سأباغت بها مرة ما .. لحتى بت أراه بوضوح على الجانب الآخر من الطريق كمن يتأهب ويرقب جل تلك اللحظة الفارقة ..
في كل الأحوال أرفض جدا ولا أصدقها النهايات بأشكالها ، ربما هذا ما يفسر لي عدم الرغبة في إكمال أية عمل للنهاية حتى لو كان لعبة أو كأس ماء لا أشربه كاملا ،فلا أكمل فيلما حتى نهايته أو كتابا حتى صفحته الأخيرة أو صحنا لأخر مذاقه ،لا أتواجد في حفلات العزاء رفضا لقبول فكرة نحيب النهاية، بل وأحرص دوما الاّ أكون آخر المنصرفين في أي تجمع ما ، كثيرا ما أذيل مقالاتي بعبارة " لم ينته بعد ..أو ولن ينتهي .." ، وأختم المقاطع كلها بنقطتين وليس نقطة واحدة .. ، دائما ما أترك خلفي ما يوحي بالعودة مرة أخرى وأن هناك استمرارية وبدايات متجددة ..
هذا ما دفعني لإعتناق فكرة الامتداد الحي للإنسان ، لذا آمنت ومن قبل تكويني بمطلق الحب، مادفعني أيضا منذ سنوات للمضي جهدا وبحثا في الرغبة الجدية للتبرع بكل الممكن من أعضائي في حالة الإنتقال طبيعيا أو بمباغتة الطريق وسعيا مخلصا مني في الحصول على بطاقة افتخاري " متبرع بالأعضاء " ، فليس ثمة أجمل وأرقى أن تمتد حياة المرء منا في حياة آخر يحتاج لعضو ما منا حتى سريان الدم ..
ليس من اللائق بحال ولا يحتمله عقل نبيل أن ينتهي الإنسان –ذاك الكائن المضيء -كما سائر الكائنات والهوام، ففي هذا سخف كبير وعدم احترام لله ذاته ، الإنسان كائن خالد..أبدي .. حتى لو أكدنا على فكرة الانتقال وهي الأكثر رقيا وإنسانية ، فهي أيضا لا تـُفعل في مجتمعاتنا بالشكل الأمثل لتظل محض لفظة متداولة إلى حد كبير، بينما تتجلى عبقرية الله في عودة الجسد للتراب ليبقى موصولا بالحياة حين يصبح الجسد منبتا عبقريا لبذار الحنطة وثمار العنب وتفاحات الزيتون من جديد ، هكذا تتأكد حقيقة الامتداد الأبقى للإنسان حتى لو تباعدت الروح مؤقتا عن الجسد ..
حين سألني الله ووضع أمامي كل الإختيارت المتاحة لأنتقي الأنسب منها ، ورغم ولعى بالحياة الممتدة ما وجدت جاذبية في موت الفراش أو مضاجعة سخف الألم أو في مغازلة شيخوخة حين تستبدلني بغيري و تسكن ملامحي ولا أعرفني فيما بعد ،حينها ضحكت واخترت نبوءتي بالمباغتة على الطرق الشاسعة ،ترى هل سيتحقق فينا طالعنا وكنا لازلنا صغارا ،كنا نركض ونمد أكفنا الصغيرة تحت عدسات مثقلة بالحنكة ودراسة الخطوط وفهم نجمات المجرة ، تلك النبوءات التي تطوق دروبنا بالمنحدارت والمرتفعات والتوقعات المحتملة وغير المسبقة .هل سيكون لنا طالعنا ..؟.
لذا أعود إلى ذاك "الموت " الذي يحوم فوق رأسي بلا هوادة ، لا بأس ، العجيب لم ارتبك له ، ففي كل مرة يبدو على مرأي بصيرتي لطيفا ، أعرفه ويألفني ، عدا بعض الشحوب الذي يبدو بالوجنتين وغلاله تشف المشهد الصاعد إلى الماوراء الأعظم ..
لا بأس ..سأكتب قصديتي الأولى إذن ، غاية الأمر أن رؤية دمائي للمرة الأولى والأخيرة بشغاف هذا الامتداد المتنامي هو مشهد خرافي يستحق التصفيق الحاد ، لذا أدعوكم أيها الأصدقاء أن تتجرعوا معا كؤوس المحبة الشهية ، أن تتعانقوا بالولع الذي أبتغيه بل وأطيلوا العناق جدا ، ضجوا الساحات بالرقص، اقرعوا الطبول بالتهليل والنداءات الملونة كي يظل دمي بالفرح المثالي ينزف ويمتد ..
سأكتب قصديتي الأولى لكم أيها المارون صدفة هنا ، هذا هو دمي الذي للصيحة والبدء الجديد ، خذوه كلكم ، ولتلتهم أصابعكم من خمره الآسر ،ارسموا بجدر الهواء والملامح جل التغييرالمنشود ، شيدوا أوتاد الضوء لتنمو فيكم كل الأفكار السعيدة ، اخترعوا الإيقاعات غير المألوفة ، اطلقوا جدائل طموحاتكم لتصافح النجاح الذي لكم ،اعيدوا تنسيق الهطول صاعدا ، دقوا بالأوتار تكوينات تذهل روح الله ، مدوا عنق السنابل بالتفتح وعلموا الزرافات كيف بأعناقها تحلق وتطير، كيف بلا خوف تربض الدجاجات في حضن الثعالب ، وكيف للأفاعي أن تحمي موسيقا الخراف ..وكيف ينمو من هذا الأحمر كل هذا الفهم .. كل هذا الإخضرار ..هكذ تعود للقداسة عريها وطهارتها حين تحولون تراث البكاء إلى مسرات راسخة، وحين يرتدي مشهد المغادرة ثوب الأناقة في مسلك حضاري جديد ..
خذوا من دمي وتعلموا الضحك بصوت يفوق القهقهات ،فأنا لا أحب غير الضحك وعلاقات العشق الأبدية ،لاتبكوا ولا تتأسفوا ، فغاية الفرح أن ينضج وضوح االله الحي في الإنسان الحي ..لذا لن يـُغفر لنا الإيمان بالموت أوالفناء ..
تذكروا الكائنات المضيئة لا تتساوي مع الهوام ..هذا ما أطلعني به طالعي ..
ولن ينتهي ..
08-أيار-2021
الروح يمكنها أن تتألق في الصلاة أو البار أو عند المضاجعة 1/ 4 |
09-تشرين الثاني-2019 |
22-كانون الأول-2018 | |
09-حزيران-2018 | |
10-أيلول-2016 | |
16-تموز-2016 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |