الروح يمكنها أن تتألق في الصلاة أو البار أو عند المضاجعة 1/ 4
ماجدة سيدهم
خاص ألف
2019-11-09
الإصحاح الأول
دعوة للمواجهة
-------------
لك السر يا من أسريت بالجسد إلى قدسه – ضحكة التين لك –
وكبد هذا الساعي إلى وثنك لك .. لنايك الوردة الجريحة ..
لبرقك ينهض ترفاس صدري فقر في نرجسي ما شاء لظاك
-------------------------------------------------------
في البدء كان السؤال - وكان العرى لحظة سؤال - وكان الماكياج كذب أنيق – لتأتي المكاشفة و من البداية - جريئة.. واضحة ( شوك تحصن بالصخر )حيث تتضافر كافة المحاذير الاجتماعية ونصوص القهر التاريخي تصنع وخزا من المفاهيم الحادة والتي وجدت من صخر ارتباكات الفكر والتيار الديني المتشدد مرتعا خصيبا تمتد جذوره وتتأصل لتصبح الدائرة الاجتماعية حلقة من التلصص عبر ثقوب الظمأ إلى الحياة والانطلاق لتزداد الهوة عمقا وعداء ( شوك تمدد بيننا ) فتنمو بدورها مسافات لا حد لها من فقدان الثقة ،ويصبح النسيج بين الشريكين مثقوبا مشوها محفوفا بكتل العتمة والريبة بينما يتفاقم الأمر خطورة ليصبح حائلا مابين الإنسان ونفسه- تختلط معه تباعا كافة المفاهيم
حكايا البنات
---------------
ورغم ذلك ،حيث يجوب بنا الكاتب نجدها من قريتها الصغيرة تخترق الغابة ، ربيعية العمر، تقف على أعتاب الحياة قلقة ،تبحث عن من يطلعها ، يحاورها ، وحدها تتسلق براعمها وملء عينيها تساؤلات الحيرة ،لا تجد تفسيرا لاختزال صوتها و مصادرة جسدها ، لا تفهم علة كل هذا الرعب وكل هذا الغضب بينما يـُتلى عليها أن جسدها ليس أكثر من شيطان ينمو ، تجد نفسها تحبو في مجتمع لا تعرفه ولا يعرفها ، يسعى دوما لفصل الجسد عن محيطه الحيوي (كلما نهدت بنت تدحرج أمام صدرها باب) أدركت ببساطتها أنها في معترك قاس ،لكنها ترفض تجاهلها ، هروبها . وتهرب ، أمام عمامات الصمت تبدي إيماءات الخضوع ( توصد باب غرفتها الخشبي ) بينما تذهب تتحايل وتصنع بأظافرها هروبها المستحيل ( تفر كعصفورة سانحة من النافذة )-ورغم ترصد تحذيرات الحراس إلا أن المجتمع كله غائب (تنام القيقب مبكرا ) فلا شيء يدعو لليقظة ، أبواب العقل مغلقة ، أنوار الروح مطفأة ، وأحلام البنات محرمة وأجسادهن بإتقان مصفحة ، فتدخل هنا صراعها الخفي وتحطم في ذلك كل ما يعيق رفضها ( الحصى يتكسر تحت سباطها ) تصفع وجه القبيلة ، تسخر من زيف الهيبة المهول فتنتقم بمزيد من الخداع والسخرية ( تركض وتأوي مع الضوء إلى فراشها البعيد ..وتلبس وقارالنهار ثانية.. حتى ليل آخر خرافي )..
-- بينما هناك -عند المرتفع الصعب - مرتفع ا لجمال والإبداع - نراها الفتاة التي تواجه بفنها وطموحها كافة القيود،فهي الملتحمة قبلا بالجمال ، ينتصب تمردها ، تضع الألوان في أماكنها ، تلون الغابة – تدرك بوعي الأنثى إن ما يمارس عليها من اضطهاد وما يملى عليها من تهديدات وتحصينات وضعت من اجل الأنثى وحدها، ويكشف لنا حوارها مع الكاتب عن سلامة المنطق والقدرة على الاستنتاج إلى جانب قوة الشخصية يحاورها :
ليس في نفق الألوان غيرنا ..– الشيطان أنيسن.. - مأذون العشاق في كل زمن .. لكنها في وعي الواثقة من يقين الفن والحياة تبادره: (في المجتمعات البدائية وفى المجتمعات المتحضرة كانت العلاقة مفتوحة دون عقد بين الجنسين ) إذن لا مكان للشيطان هنا، فهي الأنثى الواعية بحقيقة كيانها تحترم جسدها ولا تنساق لرغباته - ترفض من لا يحترم أنوثتها وعقلها وطموحها، تواجه في شجاعة (وجهك لا يكفى لصخب ريشتي – الأنثى الجادة لا تستسلم للرجل إلا عندما تمتلئ به ) تؤمن أن الحب يبدأ من احترام العقل والذات وليس لمجرد أنها جسد أنثوي ، الحب الذي يعود بها إلى النقاء والبساطة الأولى عنده تقيم حياتها من جديد وتهب الكل والملء إلى المنتهى :( من أجلك ادخر ت لك بكارتي كنز الحياة الذي لن اكشفه إلا لمن قدس الجسد واعتنق الأنثى ) نجدها تمتلك شجاعة القرار فتترك خلفها كل همس لاذع وكل صراخ ساحق ( خذني إلى الغابة الأولى ، إلى همس العشب ومغفرة التراب تفوح منه رائحة المطر الأول فشمسي حارقة والارتواء هنا قليل) تلتحم مع الطبيعة حولها ترتدي صدق إيمانها ، عارية من العري من الزيف والخوف ( هكذا أضجعت على الملاءة البيضاء عارية ) تتلو مزمور افتخارها : لك السر يا من أسريت بالجسد إلي قدسه ..ضحكة التين لك .. وكبد هذا الساعي إلى وثنك لك ..لنايك الوردة الجريحة .. لبرقك ينهض ترفاس صدري .. فقر في نرجسي ما شاء لظاك
-- كإله .. يذهب الكاتب في حضن الحقيقة - حيث بكارة الروح وصفاء الشغف –ينحت الأسطورة فوق جدار كل متسع ويخترع الأنثى كما يراها ومنذ البدء : امرأة هي كما استلهمتها غامضة كآلهة ومستحيلة ، حارة كالزعتر الجبلي .. واثقة من بلوغها الروح ..تزداد التباسا كلما توغلت فيها، رقيقة حد التلاشي، الملح في فمها عذب ، تخشى الرجل الذي لا يعتق أنوثتها ،محذوره تنصت بهدوء إلى أنين الروح و مرهق غيابها ، تغدق دفأها على عنب لا يلتفت ،غير قادر وجهها الخجول على اكتساح المدينة ، في حذائها رغبات كثيرة يقتلها البرد، وفى أصابعها طعم التمرد ،كثيرة عليّ أنا الملتبس بالآخرين، استرسل فيها متعبا كإله لا يقوى على المغفرة ، محاربا لها كآخر حالم في ارض التعب ، انتخب لها أجمل الأوقات وقريبا منها أتنفس الفرح .. كلما اظمأ للشعر..اشرب من عينيها الغامضتين ..ارتوى واكتب القصيدة ..
-- لكنها هي أيضا الغابة ، متسع الأسرار وارتباكات الحكايا ، تنمو الصرخات فيها بدم ضحاياها ، ويقودنا الكاتب إلى كليلة -المأساة العربية عبر التاريخ الملطخ بدم العذارى ،كليلة الفتاة الرافضة اختصارها وقهر جسدها ، تعلن رفضها أمام شيوخ القبيلة و ارث جوع الأمهات - وأمام وابل التهديد والقمع تقف وحدها وحيدة، تلتهم سوط العيون النهمة لدمائها ، تتحدى دون أن ينطفئ فيها الشموخ ( لحمها للتراب أطيب من سرير لا تحبه ) مجردة بلا رداء أو حنان أو أدنى إنصات ورغم ذلك لم تخضع ( مرت من ورق الغابة إلى نعشها الأخضر،عرسها الآن مأتم الروح ، زفاف العنب إلي حتفه ) لتبقى مأساة كليلة تنبض بوخز حي في كراسات البنات ، - بينما يذهب الكاتب يرثيها كأنة يعلن مسؤوليته ومشاركته الضمنية في سحق صباها ، يعاهد حلمها المصلوب على كروم الغابة أن واصل درب نزفها في كل محفل وقصيدة : ( قبر كليلة كعبة العاشق وأنا هنا قرب كعبتها اهذى .. ارش من ترابها في عيون المدينة- فتنبت مقاعد العشاق في ركن.. كل صخرة مقعد لعاشقين وكل بطومة خلوة لتأدية الحب ..!) بين وديان الجفاف وصدى الحلم الجائع يناجيها :( مري بمشطك على فوضاي ..مري ببخورك على ضريحي الأبيض ، مري بحلوك على مري- يا شفيعة القائمين في برد المعابد ..!) ترحل كليلة وتولد ألف دمعة لألف بنت تحفر كل يوم ألف جدار كي تصنع صوتا يخترق كل هذا الصمت وكل هذا الخلاء ...
-- ويمضى ..صامتا يفتش صفحات الطبيعة - أعظم كتاب مقدس - يسأل عن إجابة السؤال – ويأخذنا الكاتب في رحلة شغفه الحثيث بالمعرفة وراء اتساق الحياة مع نفسها حيث عيون الكائنات لطيفة والأغصان ترقص بفعل الحب ، فهي الغابة الممتدة أفاقها إلى ابعد من ارتفاعها، تصنع من أوراقها هيكلا مقدسا لاتحاد الكائنات فثمة حاجة غامضة تنتاب كل الكائنات التي تشاركنا ونشاركها الشغف الفطري
ومن بين نعومة العشب وحين الغروب تتألق يراعات الحقول الذكرية والأنثوية إذ ترسل الذكور ومضة واحدة متقطعة وترد الأنثى بومضة ذات مغزى ..! وبعد هذا الحوار الضوئي يصل الذكر ويبدأ التزاوج المفعم بالشغف ،بينما على الرحب الأخضر ، تنثر أنثى الفراشات عطرها من غد د أعلى الجسم ليلبى هذا النداء عدد هائل من الذكور -اللون الأبيض المتألق للذكور يساعد على اختفائه وعطره المنثور يشد انتباه أنثاه التي تطير بحثا عنه ، و مابين عشب وفضاء تنبض المساحة الزرقاء بالألوان إذ يعمل السيف الذهبي للسمك المسيف كمنبه جنسي فتتقاتل ذكور السمك ذات السيوف الملونة في حضور الأنثى (رائعة هذه الحرب بالألوان التي لم يستعرها الإنسان الذي مازال المعدن والنار أداته ) ويشير الكاتب أن التهديد اللوني يعنى الكثير للسمك ذي الحساسية المرهفة للون ، فالأنثى تعرف الذكر من ألوانه ويا للروعة والجمال المذهل أيضا الذكر يعرف الأنثى تماما لأنها أبدا أبدا لا تهرب ، بيد أن اسماك الغر ونيون وعند اكتمال القمر وفي ربيع المواسم عندما يكون المد عاليا تضع الأنثى بيضها على الرمال ويحوم الذكر حولها ليلقحه لتفقس البيوض بعد أسبوعين مع المد العالي ( انه الإيقاع الذي يسري في خلايا السمك متمثلا في النمو الدوري للمبيض والخصي.. هي حالة الوجد الصوفي التي تنتاب الأجساد في حنينها إلى العناق ومقارعة الفناء بمائها الخالد ) و يلخص لنا الكاتب قراءته في دراسة شيقة عن مجتمع الكاناك ،إذ يستعير الجسد خصائصه من المملكة النباتية فالكلمة نفسها تطلق على جلد الإنسان ولحاء الشجرة - ووحدة اللحم والعضلات تشير إلى اللب ونواة الثمرة بينما يمثل قلب الشجرة الهيكل العظمي أما الأمعاء فتشبه الضفائر المتسلقة التي تغص الغابة ليؤكد لنا في دروب وأسرار الغابة أن الصلة مع العالم النباتي لدى الكاناك ليست مجازا وإنما هي هوية جوهرية ليترك لكل منا تأمله ،أليس بالأحرى الإنسان المتوج بالحواس المفعمة جمالا و ذكاء أن يدرك فطرة الحقيقة التي هي بذارا تنبت لتطل في المواسم القاحلة براعم الروح ، تمحو في دروبها وصعودها كل عشب يابس ورأي شاذ وكل نبات وفكر متسلق، خانق ..
--وفى رحلة الجسد وعبر تلال العشق الأخضر نقترب منها ، حيث لا تنضب الرغبة الصارخة، الجسد الدؤوب سعيا وراء اللذة المتوهجة دون كلل أو ملل - لا يهدأ في غير حضن متعته القصوى ونشاطه المتلاحق لينتشي حبا ، يبحث عن الحليب الأزلي في عين الممتد من رحم العشق وحتى منتهى المتعة ، جسد الأم عاشق الألم والسخاء ( ملهم باللذة والألم عبر تصدير ممكناته للآخرين بلا وهن) منهك الصمت في عينيها ..لا تكف عن غزل أحلامها لتصنع الرداء والشبع والاحتواء، في مواسم هطول القلق والمطر تبلغ لذتها المريحة التي تحيل أسقام الجسد إلى ذروة حيويته ( تلقى بجسدها في قلب العتمة والبرد لتحمى أجسادنا ونمنا جميعنا لكن أمي لم تنم ، قضيت ليلتها تجرف الجليد المتراكم فوق نسيج البيت حتى لا يسقط فوقنا ) هو الجسد المطوب بالحب والتضحية ،صدرها خزانة الذكريات والضحك البريء، من بين ذراعيها تذهب الأحلام كل لطريقه ..تصمت وتكابد روحها مرارة الانتظار وتضحك..
-- وهنا، تصل بنا منعطفات الغابة عند هذا المفترق ..وسط زحام المدنية وضجيج الأرصفة والشوارع - نجدها نموذج المرأة الوحيدة ..خائفة..قلقة..مفعمة بالحيوية ، امرأة هي في سباق مضني مع الزمن وصراع متصاعد مع المرض ، تفتش في خزانة الذاكرة عن الهارب من أيامها وتنهل، ورغم الحياة الضاجة بالثراء ..النفوذ ..العمل..الفنون .. الأصدقاء.. الجنس نجدها تعانى ، يطاردها شبح الوحدة ،فهي في هذا الزخم لم تدرك يقين الحب ، تركض وعلي شيء لا تقبض ، في صخب هروبها تعاند .. تخفق ..تقاوم وتبوح وتهرع تختبئ فتنتقل من عشيق لآخر( كانت المتعة هي ملاذها الأخير في مواجهه الموت والزمن الفار من بين أصابعها ) في كل هذا تبحث عن ذاتها ، خلاصها ليلتئم فيها الروح والجسد معا - فليس من يهدئ من روعها فتعي أن امتداد الحياة لا يقف عند حد المرض أوالموت بل بقدر ما نحب ونهب -ليس من يطلعها أن الموت عارض والحب هو اليقين الأبدي الذي يرفع هلع الخوف الساكن فيها - فتسرق الأوقات وتختبئ ( خذني إلى عتمة الغابة تضيء روحي -- إلى الأرق وقليل من الخوف ) لتمتد من جديد مسافات الشوك و الخوف تقف حائلا بينها وبين روحها واستقرارها لتظل هي المرأة الهاربة من نفسها ، تلهث في حلقة مفرغة من الوحدة و الشغف والعنف والخوف ، تترقب شيئا لا تدركه وكثيرا ما تخافه...-
-- بينما يتصاعد الصراع إفرازا لإزدواجية الموروث الاجتماعي والتربية القاسية من شرنقة الهواجس، ففي منعطف التيه نراها الأنثى المضطربة ،منغلقة على حزن كبير في أعماقها والافتقاد إلي الحنان لذا نجدها مندفعة عاطفيا ، نموذج المرأة الأكثر أنشارا وتكرارا ، لتتكرر هنا مأساة كليلة ولكن بشكل آخر ، فلا يأتي سقوطها خارج منظومة العادات والتقاليد والتربية الخشنة بل يأتي في سياق الشرعية التي يباركها المجتمع فإذ بالزواج مجرد مشروع وظيفي (لإطباق فم المجتمع حول عزوبيتي التي طالت ) لتسقط أمامها القيم التي ترتقي بها ، فتجد صعوبة في التواصل والالتزام مع الشريك الآخر ليتحقق لها الاستقرار والانسجام مع الذات والحياة برمتها ، فتخرج من انغلاق إلى اختباء إلى فراغ أعظم ، تهرب إلى داخلها المضطرب ، يصبح مفهوم الجسد لديها ليس أكثر من وعاء للمتعة الوقتية ، إنما نراها هنا تحمل قدرا لا بأس به من عدم المسؤو-فهي لا تجد غضاضة أن تتحدث عن صديق لها أمام آخر تحبه والذي تشكل ملاحقته المستمرة لها تهديدا لزواجها من آخر:( إنني أحبه – وهو يؤمن بامتلاكي وأنني امرأته المصادرة رغما عنه ) تتسرب الأيام ولا تعرف ماذا تريد ،وعبر العلاقات المتعددة تلك تبحث عن المعجزة التي تخرجها من ورطة هذا التشابك ، في نهاية الأمر تسعى لتتشبث بكل شيء لتتأكد من حقيقتها وهويتها التي لم تبلغها بعد ( كنت في حاجة إلى كل هذا ..الوظيفة والألم والشغف والعنف والخوف والآمان و...) امرأة أدمنت التيه حتى فقدان الوعي بذاتها ، تناءت عن نفسها وعن المحيط حولها ، تزداد فى ذلك توجسا وحزنا وانغلاقا ، فأصبحت العلاقة الحميمة مهربا ووسيلة أنانية لمتعة اللحظة فقط ، ورغم ذلك تئن أعماقها إلي الجوع الحقيقي للحب والفهم ( لكن خلاياي تعوي من اجل مفهوم آخر لفعل الحب ..) ويبقى الإنسان هو الإنسان الطامح دوما إلى كل فعل أنساني راقي ( أريد أن اكتشف لغة جسدي مع رجل يتحدث عن الحياة كأنه نبي يحاور جسدي لا يمتلكه .!) امرأة هي ضحية مجتمعات خائفة، محبطة ،خارج نطاق الوعي والمواجهة ، مجتمعات جائعة جدا للحب والشجاعة ..
-- وينعطف بنا طريق ازدهار الروح - حيث ظل الانحناء ، والحياة أيضا تتسع للوهم ،هنا ينوء الجسد الزاحف إلى العزلة والانكفاء بثقل الأسف ،وراد القيقب / السقا ( نبي العطش وخاتم الراقدين ، قادم إلى القرية من وجع قديم ، يضاجع بمائة كل امرأة مستحيلة ) اعتاد أن يجد متسع البهجة والراحة في إثارة وهج الرغبة بين العشاق وتبادل ما بينهم من رسائل ،من خلال مأثوراته الشعبية الفجة والتي لها مدلولاتها أيضا -حيث لا متسع سواه ، فيقتات يومه من عطش الآخرين ،يسرق في الخفاء لحظات الرغبة ، بينما في رحب الغابة هو الجسد المنهك في التلصص الساخر- ومع دخول التقنية الحديثة عبر الأنابيب الرصاصية كشأن كل إحداث مختلف وكل فكر مغاير لم يستطع أن يتعايش أو يكتسب مهارة جديدة ليستمر ، لكنه أدرك عجز أدواته القديمة وان هناك ما هو أفضل مما كان يعرف وأيقن - يجد نفسه و كما الكثيرون في المفترق - مابين خيارالعنف والتخريب أو الانسحاب .... يختفي الوراد ليبقى وحده ، ينحني إلى نعشه ، ويكتشف انه لا يشبه أحدا حتى نفسه ، ليتساءل هل كان في كل هذا واهما مخدوعا ..! يحمل جسده الفارغ من الماء محملا بتجاعيد الخيبة وانحناء الحلم ، بوجعه يختفي ، بأسفه يختفي ،متعثرا في أنينه و يختفي (الشيخوخة ، الحالة الرمادية الممكنة ليبدأ الحداد البطيء في تجريد الجسد واختزال الكائن إلى قطعة لحم قديمة،هي طريقة أخرى للكف عن الوجود ) إلى غابته حيث يلتقي هناك لأول مرة مع نفسه والحنين إلى الحب الساكن حزنه ، إلى شريك يلتصق به حيث البداية من جديد، لكنه يختفي ( لا وقت للتجربة لا وقت للذاكرة ) مخلفا ورائه سنوات الجدب القارص في عمر هرب ( صندوقه الحديدي الصدئ )وهم و قلق وخوف هي مدخرات عمره المتلاشي في ملامح السخرية هي من العملة القديمة التي لم تعد تصلح لأي شيء حتى التداول ، هنا نجده الجسد الذي لم يعش بعد لم يختبر بعد - والروح المحزونة التي لم تذق الحب يوما ،مات قبل أن يولد، ويموت الشعر على لسانه قبل أن يبوح به ، وتهوي من الشيخوخة أيضا آخر صفصافة في القيقب ...
هامش الغابة
---------------
رغم إن أحداث الغابة تجسدت في كثر من موضع - نرى أن التصاعد في الدرج المكاني مابين القرية مرورا بالمدن المتألقة إلى الغابة متسع الأخضرالرحب جاء مثقلا بعبء تفاصيل الفراغ الموصد -إذ جاءت الأحداث محفوفة بكثير من المخاطرة والمجازفة والكثير من الحزن والضياع ليبقى القلق النفسي ومسحة الحزن تلك والتي بدت واضحة على بطلات العمل هو البطل الحقيقي للعمل ليمثل القاسم المشترك لكل ردود الفعل الوجدانية المضطربة من قبل شخصيات العمل ..فلم يفلح الانتقال والاتساع الجغرافي في كسر حدود الخوف وتحريرالرؤى المتشابكة من غموضها والتباسها وقصورها ، حيث التغيير يبدأ من الداخل من إعمال العقل والمواجهة وطرح السؤال حيث الرغبة الأمينة للمعرفة والفهم في قراءة موروث الورق كله وإعادة التفكير ..
- يكشف لنا الكاتب هنا رؤيا الطرح في :محاولة تأصيل الشغف الجسدي إذا صح المعنى فكل كتابة جنسية لدينا دائما مرتبطة بالغرب المنحل فاستعنت بسيرة المكان والتراث الشعبي لإعطاء هذا البعد شرعيته المحلية – ثانيا هذا الإيقاع الجنسي الكامل الذي عشته في الغابة والقرية والمتمثل في كل الكائنات مأخوذا بموضوعة الجسد اغرانى أن انبث هذه الأفكار بكل نزواتها وإخلاصها للطبيعة مزاوجا بين الواقع والخيال بين ما حدث وما كان يجب أن يحدث ..!
- - مهما تتعدد ت لنا التجارب الجنسية ومهما امتلأت حياتنا بعلاقات الحب المتكررة تبقى دوما في أعماقنا الحاجة إلى اليقين الذي لا يأتي في العمر غير مرة واحدة لذا لا يتكرر -عنده نتوقف ومعه نولد من جديد ، تتغير الحياة كلية للأفضل، قد تنقضي بنا الأيام ولا نلتقي به ، وقد تحول صعوبات كثيرة في الحياة دون استمرار التقاء العاشقين لكنه يبقى هو الإيمان الحقيقي الذي ينمو ويمتد مزدهرا في أعماق كليهما ليتحقق من خلاله ذروة الوفاء والتواصل الأبدي والانتشاء الروحي المذهل بينهما..!