من الشعر الصيني الكلاسيكي ترجمة حرة
فراس الســواح
خاص ألف
2017-03-18
مقدمة
يرجع تاريخ الشعر الصيني إلى كتاب ((الشعر)) الذي تم تدوينه في القرن السادس قبل الميلاد، ثم بلغ مرحلة النضج في عصر أسرة تانغ الملكية الذي دام من مطلع القرن الـسابع إلى مطلع القرن العاشر. ولكي نقرّب هذا الشعر إلى الذائقة العربية، لا بد لنا من الإشارة إلى نواحي الاختلاف بينه وبين الشعر العربي، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
أ- الإيجاز، وهو سمة سائدة في الشعر الصيني بل الشرق آسيوي عموماً، فقد تقع القصيدة الصينية في أو أربعة جمل فقط، لأن الشاعر يستمدّ الإلهام من انطباعات رقيقة تخطر بباله فيسجلها شعراً قبل أن تتلاشى، فيما يشبه الهايكو الياباني الذي تطور عن الشعر الصيني.
ب- التشابك بين المنظر الموصوف ومشاعر الناظر، فكثيراً ما يحضر الوصف في الشعر الصيني دون إفصاح مباشر عن العواطف والأفكار، حتى ليبدو ساذجاً بالنسبة إلى العرب. إن عواطف الشاعر وأفكاره تكمُن في المنظر الموصوف الذي يعكس مكنوناته الداخلية.
ج- البعد عن الخطابية التي تميّز الشعر العربي، فالشعر الصيني يصدر عن أحوال شخصية دون ميل إلى الإقناع، وهو في ذلك أقرب إلى الشعر الرومانسي العربي منه إلى الشعر الكلاسيكي.
تساو تساو (曹操Cáo Cāo)
ولد عام 155 للميلاد وعاش في أواخر عصر أسرة هان عندما ضعفت السلطة المركزية وانقسمت أراضي الدولة بين أمراء حرب كان هو واحدا منهم. تمكن من السيطرة على البلاط الملكي من خلال منصبه كوزير، فوحد نحو نصف مساحة الدولة، ليرسي بذلك حجر الأساس لمملكة وَيْ التي أسسها ابنه رسمياً بعد وفاته عام 220.
كما قدم تساو تساو مساهمة جُلّى في مجال الثقافة، فأبدع في الشعر والخط وجمع حوله نخبة من أبرز مثقفي عصره فكان رائد حركة تجديدية في الأدب.
تميز شعره بتمجيد البطولة والطموح إلى جانب الشفقة الخالصة والمأساوية التي تعتبر اللون السائد في ذلك العصر.
قال في وصف تعاسة الناس من الجوع والحرب:
العظام النخرة تملأ العراء
وصياح الديكة لا يُسمع في هذا الفضاء
لم يترك الموت إلا نفراً قليلا
يا لأحشائي التي تتقطع لهذه الذكرى
صعد إلى جبل مطل على البحر فقال:
صعدت لأتطلع إلى البحر الشاسع
المياه تتلاطم، والصخور تقف شامخة بين ذرى أمواجها
الأشجار متشابكة، والأعشاب نضرة
ريح الخريف اشتدت، فصوتت في الأشجار وأهاجت الأمواج
حتى حسبتُ أن دوران الشمس والقمر قد نشأ مما أرى
وأن سطوع كواكب المجرّة قد ظهر من هاهنا
فيا لسعادتي أن أغني وأبوح بما تجيش به الظنون
قال بعد انتصاره في معركة وهو في ال54 من عمره:
السلحفاة الخرافية قد تطول حياتها ولكنها لا محالة هالكة
والحية الخرافية مهما سابقت الغيوم لا بد إلى تراب ورماد آيلة
والجواد المسن عند المعلف يجترّ أحلامه في قطع الآلاف الأميال
والبطل في مغرب عمره لم يفقد تطلعه نحو العلا
ليست السماء وحدها من يحكم في طول أيامه
فلربما مد في سنواته وحفظ عليه الروح والجسم
فيا لسعادتي أن أغني وأبوح بما تجيش به الظنون
من قصيدة نظمها عند مأدبة:
غنّ ما دام الكأس في يدك، فكم من مرة يحلو لك فيها الخمر والغناء؟
قطرة طل على العشب هي الحياة، فيا أسفاً على أيامها التي مضت
الأغنية مؤثرة لكن الهم والحنين يملآن القلب
فبِمَ أحلّ عقدة الهموم؟ بهذه الخمرة لا بغيرها
تاو يوانمينغ (陶渊明Táo Yuānmīng)
ولد حوالي عام 365 للميلاد أواخر عصر أسرة جين. كان أسلافه نبلاء يتولون مناصب عالية، ثم تدهور شأن العائلة. تأثر منذ طفولته بفلسفة لاو- تسو وفلسفة كونفوشيوس. تولى عدة مناصب في شبابه، ولكنه اعتزل العمل أخيراً لكراهيته للفساد والمحسوبية، وعاش بقية حياته زاهداً. توفي عام 427.
كانت لِتاو يوانمينغ شهرة ذائعة في الشعر والنثر، وقد أدخل موضوعاً جديداً على الشعر الصيني وهو الحياة الزراعية. يتسم هذا النوع من الشعر بالبساطة والإيحاء بالسكينة حيث يصف الشعراء جمال الطبيعة والحياة الزراعية.
من قصائده:
-1-
بنيت كوخ عزلة في موضع ينشط فيه الناس،
موضع لا يُسمع فيه ضجيج العربات والأحصنة العابرة
فالمرء يكون بعيداً عن ضجيج الدنيا
ما دام قلبه فارغاً منه
رحت أقطف الأقحوان عند السياج الشرقي لبيتي،
عندما ولج الجبل الجنوبي على مهل في عينيّ
منظر الجبل خلف الضباب الرقيق كان ساحراً
بينما رفوف العصافير تعود إلى أعشاشها لتأوي فيه
إن حكمة الحياة كامنة في هذا كله
وعندما وددت شرحها لم تسعفني الكلمات
-2-
لقد أحببت الجبال دوماً
ولم يكون لي مزاج يتفق وحياة الناس
ومع ذلك وقعت في شراك عالم التراب والغبار
وثلاثون سنة من عمري ضاعت فيه
ولأن الطائر الأسير في القفص يرنو إلى غابته
والسمكة في بركة الماء تشتاق إلى بحيرتها
فقد استصلحتُ أرضاً قفراً في الضواحي أعادتني إلى الزراعة
محافظاً على طبيعتي الساذجة بعيداً عن ذكاء الناس
حقول واسعة تحيط ببيتي
بنيت فيها ثمانية أو تسعة أكواخ لا أدري،
تظللها من خلف أشجار الدردار والصفصاف،
وأمامها يرتفع شجر الدراق والبرقوق
أرى القرية البعيدة وراء الضباب الرقيق،
ودخان الطبخ يرتفع من البيوت على مهل
عواء كلب خرج من الزقاق الطويل،
وصياح ديك جاء من غصن التوتة
ليس في فناء بيتي وغُرَفِه من آثار الدنيا ما يزعجني
وهنا أقضي أيامي فارغ القلب
لقد عشت أسيراً في القفص زمناً طويلاً
وها قد أفلحت في العودة إلى حضن الطبيعة
شارك في الترجمة هان- يو