ترامب: أنا رجل لطيف صدقوني...
عدنان عبد الرزاق
2017-06-03
ربما يكون الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب لطيفا، كما قال هو عن نفسه في كتابه "أمريكا المريضة" وخاصة أن الرجل توسل القراء ليصدقوه وكررها مراراً "أنا رجل لطيف حقاً، صدقوني وأشعر بالفخر كوني رجلا لطيفا".
إذ لا علاقة عكسية بين اللطف وكونه مليارديرا تنوف ثروته عن 10 مليارات دولار، كما ليس شرطاً أن لا يرفع اللطيف شعارات مجنونة، أو حتى غير لطيفة، من قبيل إعادة المهاجرين السوريين الذين يطلبون اللجوء إلى الولايات المتحدة، أو العالم سيكون أفضل حالاً إذا كان "صدام والقذافي" بالسلطة، أو حتى تغير المناخ هو مجرد "طقس".
إذ يمكن إجمال كل تلك الصيحات وغيرها ما هو أفظع، من كرهه للنساء والمسلمين، ضمن الجنون أو وجهات النظر، وليس لذلك -حتى الجنون- علاقة باللطف من عدمه.
وأيضاً، لا علاقة للطف بتنفيذ الوعود الانتخابية التي رفعها خلال حملته، بعد انقضاء مئة يوم على تسلمه الرئاسة، إن ما يتعلق بالتأمين الصحي والإصلاح الضريبي أو فصل الولايات المتحدة عن المكسيك "بجدار عنصري" أو حتى، وهو الأهم، تحديد ولو ملامح للسياسة الخارجية الأمريكية، إن ما يتعلق مع عمالقة الاقتصاد، والصين بمقدمتهم، أو بالسياسة والعسكرة، بعد أن أراق سلفه أوباما، ماء وجه واشنطن، بغير مكان وزمان، عبر فترتيه للحكم، وأخص بسوريا أمام التمدد الروسي.
لكن كل ذلك، لا علاقة له باللطف أولاً، والأهم، أن لا علاقة له بالتجارة وتحقيق حلم الولايات المتحدة، فالرجل لم يقل "أنا لطيف صدقوني ويصمت" بل نحن من اقتطع من قوله ما يتوق إلى تسويقه، كما نقول "لا تقربوا الصلاة " ونصمت عن "وأنتم سكارى"، لأن الرئيس أردف بعد تمنيه بتصديقه أنه لطيف "أتوق ومصمم على أن تكون بلدنا دولة عظيمة مرة أخرى".
وإلا من يعرب لي سر 300 مليار دولار، حجم الصفقة التي تمتد لعشر سنوات مع المملكة السعودية، ومنذ أول زيارة يقوم بها السيد الرئيس التاجر.
أما لماذا تشتري المملكة أسلحة وتعزز قدراتها الدفاعية ومن ستحارب وما ثمن الصفقة من حماية أمريكية أو تجميد قرارات كانت ستصدر، فهذا الطرح ليس في مكانه الآن، هذا إن اعتبرنا طرحه من اللطف بمكان.
قصارى القول: أمام لطف هذا الرئيس الذي بات قدر العالم، لأربع سنوات على الأقل، ماذا يمكن للسوريين أن يفعلوا، ليستغلوا اللطافة ولا يوقعوا أنفسهم وقضيتهم العادلة بوجه عدم لطفه، فالرجل ولشدة اللطف، لا ضير لديه حتى ولو استخدم النووي، ولعل في تقرب كوريا الشمالية من لطفه، بعد أن تلاطف قليلاً بمطار الشعيرات، مع نظامي الأسد وبوتين، دليل على أن "من يلاعب اللطيف سيتحمل خرمشته".
نظرياً، قد لا يكون لدى سوريا، من الإغراءات ما يستثير لطف السيد الرئيس، ولكن عملياً لديها كل إغراءات وإثارة الشهية على اللطف، فلو وقفنا على الجغرافيا فقط، وليس القصد جوار "الكيان الصهيوني" فحسب، بل هبة الجغرافيا التي تتمتع بها سوريا، وخصصنا أكثر حول كونها ممرا شبه إلزامي للطاقة الخليجية باتجاه تركيا فأوروبا، وأنها مرشحة لتكون ثالث أكبر منتج للغاز بالعالم، وفق تقديرات العام الجاري، فبعد أن كان ترتيب سوريا لعام 2008 في احتياطي الغاز في المرتبة 43 عالمياً، بواقع 240,700,000,000 متر مكعب، حسب "List of countries by natural gas proven reserves"، قالت الدراسات اليوم، إن سوريا وفي عام 2017، سيكون الاحتياطي من الغاز في منطقة تدمر، وقارة، وساحل طرطوس، وبانياس، إن تمّ استخراج هذا الغاز "ثالث بلد مصدر للغاز في العالم".
أي أن سورية ستحتل مركز قطر، بعد روسيا وإيران، ويقدر مركز فيريل للدراسات احتياطي الغاز السوري بـ 28,500,000,000,000 متر مكعب.
نهاية القول: أعتقد أن اللطف وحتى الحماقة، هي مسائل نسبية، يتعلق استخراجهما من الآخر، طريقة التعاطي معه، فإن داعبت الأسد، كما لاعب السيرك، فسيظهر لطفه كما لو أنه هرة، وإن استفززت الهرة فستتحول لأسد.
ما يعني، اليوم الفرصة سانحة لملاطفة الرئيس الأمريكي الذي سيبدي، وفق المتوقع، لطفاً شديداً مع روسيا، إن استمرت بلعبة "الفيتو" والبلطجة خلال جوله جينيف 6 التي وافقت المعارضة على المشاركة المشروطة فيها في 16 مايو الجاري، ولكن هل يمتلك السوريون طرائق ملاطفة تستميل ترامب، إن كان الجواب نعم، وإن مجازفة، هل يملكون لاعبي سيرك كفؤين على إغراء الرئيس الأمريكي ليبدي لطفه؟! .
- See more at: https://www.zamanalwsl.net/news/78721.html#sthash.bRei5E9b.dpuf