إيروتيك / بدء تقاعد زير نساء عجوز
عماد فؤاد
2006-10-28
خاص ألفتردَّد
حين قال جملته الأخيرة
ندَّتْ عن جبينه العريض
رعشةٌ مفاجئة
فيما قبضتْ أصابعُه الصَّلبة
على حفنةٍ من الهواءِ
وانسدلتْ أعضاؤه
بين أيديهم.
منذ قليلٍ
كان يسير برأسٍ
تتلفَّت في كلِّ الاتجاهات
ثم ترتدُّ من جديدٍ
كبندولِ ساعةٍ
كطائرٍ تسقطه من عَلٍ
رصاصةُ قنَّاص
فيما ساقاه تأكلان الطَّريق
نحو فضاءٍ
مفرودٍ على الجهات كلها
وعيناه
تناصبان كلِّ جميلةٍ تمرُّ
العداء.
العجوز
الذي شاخ وهرم
العجوز الذي شال في جيبه العلويِّ
قائمةً بأسماء وهواتف أقربائه
تحسُّباً لموتٍ مفاجىءٍ في الطَّريق
العجوز
الذي لم ينجح فى تأسيس عائلةٍ صالحةٍ
طوال أربعين سنة
سقط مثل مخمورٍ
تشبَّعتْ دماؤه بالكحول
تهاوى طوله الفارع على الأرض
في ضجةٍ
رغم نحوله الشديد
ورغم شفتيه اللتين كانتا
تحاولان الابتسام بجد
حين غاب تماماً
عن الوعي.
لا مناص
الخفَّةُ التي كان يتمتَّع بها قديماً
ثقلت على أعضائه بشكلٍ بشع
لم تعد ملامحه تطيع قناع الطيبة
بالسرعة الكافية
ولم يعد جحوظ عينيه يذوبُ
حين يرنو للصبايا
والنساء الصغيرات
حتى شفتيه
اللتين كانتا ترسمان أعذب ابتسامةٍ لمحبٍّ
صارتا تنفتحان في بلهٍ
كلما ركَّز انتباهه
على فريسةٍ
مقتربة.
لم تكن عيناه
تنمَّان عن كراهيةٍ
بل عن فضولٍ موجعٍ
وهما تمسحان كلَّ نهدٍ يمرُّ
بنظرةٍ متأنيةٍ وصبورةٍ
إلى ارتجاجته.
عيناه
اللتان يهبط بهما سريعاً
إلى الرِّدفين الملفوفين
باحثاً بشغفٍ جائعٍ
عن خيطين رفيعين يحدَّانهما
خيطين
يوقن كنبيٍّ
أنهما سيظهران في الخطوة القادمة
فقط
لو ترفع التي تسير
إحدى ساقيها
لتصعد مصطبة الرَّصيف.
طوال عمره
وهْو يؤمن بفكرة الاستفادة من جسده
لأقصى درجةٍ ممكنةٍ
لكنه كلَّما تعرَّى أمام امرأةٍ
منحها الشُّعور بأنَّ يتمه أبديٌّ
لا يمكن لأحدٍ الحدَّ منه
وأنَّه يعفُّ عن جسدها
المفرود أمامه
كقطٍّ أليف
وأنَّه
غيرُ طامعٍ في شيءٍ
أكثر من مسحة يدٍ
من كفِّها الصَّغيرة
على شعر رأسه
الغزير.
سمَّاه أصحابه "يوسف"
حين اكتشفوا ولعه بتفسير الأحلام
وحين لم يجدوا بئراً
تتَّسع لحضوره
اكتفوا بشكايته مباشرةً
للعزيز!
عقله
حين لفَّه ضباب الإغماءة الأولى
كان مثل سنَّارةٍ
بغمَّاز من الفلِّين
فوق سطح ذكرياته
في سقطته بين أيديهم
تشبَّثَ ببوصةٍ في يديهِ
فأخرج وجه أوَّل امرأةٍ
أول امرأةٍ
بعد أمِّه التي ماتتْ
حين كان يُخرج رأسه الصغير
من بين فخذيها.
الأرملة الشَّابة
ابنة الخامسة والثلاثين
الأرملة
التي لم تعط زوجها السِّتينيّ طفلاً
طوال سبعة عشر عاماً
الأرملة
التي "موَّتتْ" زوجها بعشرين طعنةٍ في الصَّدر
من مطواة "قرن غزال"
كان يحملها بلطجيٌّ عاكسها في الشارع بالمصادفة
لم تصبر حتى يبلغ ابن الجيران
ويفرح بقذفه الأوَّل في السِّر
لم تصبر
حتى تمرَّ سنوية زوجها الأولى
غافلتْ والديه الطيِّبينِ
وحمَّمتْه
فى عزِّ مايو
ككلبٍ أجربٍ
بين وركيها.
كان ابن العاشرة
حين تعلَّم كيف يحرِّك لسانه بداخلها
وكيف يقبض بشفتيه الصَّغيرتين
على لسانها العصبي
في قبلتهما الأولى
فيما قصر قامته ونحوله
يحولان دون تغطية نهديها وعانتها
في الوقتِ نفسهِ
لكنَّها صبرتْ على رعونته كأمٍّ
وراقبتْ جسده وهو يكبر فوقها
كإلهةٍ
وحين بلَّلها بمائه البكر
في قذفته الأولى
زغردتْ كفلاحةٍ.
التَّي ترملت وهي صبيَّةٌ
تركتْهُ وهو في العشرين
بفتقين بارزين في البطن
والخصْيةِ اليمنى
تزوجتْ عجوزاً يُظَلِّلُ عليها
وغادرتْه
تاركةً في قلبه نُدْبةً غائرةً
يشعر بوخزها مثل سكين
كلما اكتشفَ متعة جديدةً
في الفراشِ.
قال مرَّةً لأصحابه:
حين أموتُ
لا تحزنوا عليّْ
لأنَّني عرفتُ ما يكفي من الحبِّ
ليؤنس وحدتي
لا تحزنوا عليّ
لأنَّ العالم مملوٌْ بالجمال
الذي يوجع القلب
كطعنةٍ.
سنَّارته المدلاَّة
بغمَّاز من الفلِّين
وبثقالةٍ من حديدٍ
تشدُّها إلى ماء إغماءته على الطَّريق
سنَّارته هذه
عوَّرتْه في بطن كفِّه اليمنى
وهْي تخبط الأرض
فقبضتْ أصابعه الصَّلبة
على حفنة من الهواء
وارتسم خيال ألمٍ على شفتيه
ظنَّه الواقفون
ابتسامةً.
العجوز
زير النِّساء العتيد
كان يعفُّ عن كلِّ مومسٍ
تكسب عيشها
من فوق الرَّصيف
وكان حيياً
يحمرُّ كعذراء
لو سمع مجاملةً
أو عبارة مديح.
قال مرَّةً لأصحابه:
لكي تعرفوا الله أكثر
أحبُّوا النَّساء
كأنهنَّ أبناؤكم
وقرِّبوهنَّ
وكونوا رحماء عليهنَّ
فكلُّ امرأةٍ فراشةٍ
ولكلِّ فراشةٍ
نورها الذي تحترق به.
لم يتحمَّل قلبه
خيانة جسده
ولم تتَّسع رحمته
لغفران كل هذا الغنج المفرط
وهو يمرُّ جواره.
كان لابد من سقوطه
هكذا
كي يُشعر البنات اللواتي يعبرن بجواره
أنَّهنَّ ظلمْنه
حين لم يرينه بجوارهنَّ
حين لم يلمحن عينيه المكسورتين
وهما تبجِّلان أعضائهنَّ
حين لم يدركن بفطرتهنَّ الأنثوية
خبرته الطويلة
في الحبِّ
والجنس
والمُلاطفة.
كان لابد من سقوطه
هكذا
كي تعبر تحت جبينه العريض
كل الوجوه التي مرَّت في حياته
كأطياف حلم
كي يتذكر الأرملة الصغيرة
بوخزتين غائرتين في البطن
والخصية اليمنى
كي يقول جملته الأخيرة بترددٍ
كأنَّها لفظة ألمٍ
كأنَّها: "كَبُرتَ يا عجوز ..."
وكي يتذكر أمَّه التي ماتتْ
وهو في منتصف الطريق
بين الدخول
وبين الخروج.
كان لابد من سقوطه هكذا
كاعتراضٍ أخيرٍ
على بدء تقاعده.