عماد فؤاد في المنامة في أمسيتين شعريتين / قصيدة حرير
2009-07-11
أوَّلُ الخيط
أعرفُ رجلاً
يسألُ نفسَهُ كلَّ صباح:
ما الّذي يريده رجلٌ من امرأةٍ
كلَّما همَّتْ بمسِّ حريرِها
أنَّتْ في قلبه
دودةُ القزِّ؟!
هديَّة
كلُّ صباح، يأمر الله دَيَكَة الأرض، بإيقاظ خلائق الأرض، فتصحو في وكرها دودة القزِّ، لتمضغ أوراق التُّوت، ويصحو القزَّازون، ورعاة الشَّرانق، وصانعو الحرير، والغزَّالون، وعاملات النسيج، فيتشاركون على غزل ثوبكِ، كلُّ خيط يحمل حكاية من هنا، وأخرى من هناك، كلُّ خيط مبثوث بلمسة، ومبلَّل بعرق، يضمُّون الخيط للخيط، فينشئونه ثوباً، ثم يبيعونه للحائكين، فيقصّه الحائكون، يخيطونه، ويبيعونه لأصحاب الدَّكاكين، فأمرُّ، فأراه، فيعجبني، فأشتريه
لا تشكريني إذاً
الطَّبيعة كلُّها
شاركتني الهديَّة.
فَاصل
الحروف التي شُغلتُ بها عنكِ
الثُّريات التي كنتُ أظنُّها نجوماً في الليل
الفراشات التي طالما طوَّفتْ حول شعلة سيجارتي في العتمة
خيوط الحرير الخام التي جمعتُها شرنقةً شرنقةً
كانت تصحو في الليالي الطَّويلة كي تشدّني منكِ
وتوقفني على عتبة من رجاء
عتبة وحيدة
لا من أجل أن يُغلق بابها في وجه قادم
ولا من أجل أن يُوارب أمام عطش عابر
بل من أجل أن يكون بيننا فاصل
أنا من خلفه أكتب
وأنت من أمامه
تطرقين!
تركواز
كلُّهم شاهدوه
بزيِّه الأسود
بابتسامته الرَّاضية
بأظفاره المقضومة بالأسنان في اللَّيالي الطَّويلة من الوحدة
بوجعه الذي يجرجره خلفه كابنٍ
كان يعبرُ الشَّارع
ويمدّ يدَهُ الفارغةَ إلى النَّاسِ
ويُتَمْتِمُ: أريدُ لوناً
كي أراهُ في عتمتي
أبيضَ
كي لا يغلبني الليلُ
أحمرَ
كي لا أبردَ في الشِّتاءِ
أخضرَ
كي أجدَ ما أُلهي به جوعَ أطفالي
أزرقَ
كي أروي عَطَشي
أسودَ
كي أشعرَ بوجع جاري الضَّرير.
شحَّاذٌ
يظلُّ يدورُ طيلة اليوم
ويعود منهكاً ومهدوداً
قدماه تئنَّان
وكفُّه فارغة
إلا من الرِّضا.
غصْن
يلزمها
أن تكون قاسية القلب
هذه الفأس المرفوعة بيد الحطَّاب
يلزمها
أن يكون نصلها حادَّاً
وهْي تهمُّ بالسُّقوط كي تجزّ الشَّجرة
يلزمها أن تكون بلا مشاعر أصلاً
كي لا ترهبها رعشة اليد الخشبيَّة في كفِّ حطَّابها
تلك اليد التي كانت قديماً
غصناً
فوق الشَّجرة ذاتها.
فَراشة
يعرفونه؛
قبل بيته
سيتهاوى فوق تراب الطَّريق
يحملونه إلى ركنٍ
ويسندون ظهره إلى حجرٍ
يكحُّ
فيفتِّشون جيوبه عن يرقةٍ اخترقت ضلوعه
وعطَّلت رئتيه
حين تحوَّلتْ إلى فراشة.
تَرْقِيم
يكتب العاشق اسم عاشقته
متبوعاً بفاصلة،
وتكتب العاشقة اسم عاشقها
متبوعاً بنقطة خاتمة.
هكذا الأمر إذن
تفضحنا أوراقنا!
غَزَل
نبتة اللِّبلاب
التي التفَّتْ على ساق زهرتنا
فاقتها ارتفاعاً
ولم تجد ما تتسنَّد عليه
اعتقدنا في البداية
أنَّها تفعل ذلك حبَّاً في الزَّهرة
انظري الآن
ها هي تتأرجح منتشيةً في الهواء
والشَّمس في الأعالي
تحمرُّ خجلاً.
نُدوب
ذيلُ فستانكِ المُوشَّى بالورود
يغوص تحت كعبيكِ وأنت تدوسين حافيةً
كلُّ خطوة
أنفض عن صدري زهرةً مفتَّتة الأوراق
ونُدْبة.
بُخل
لي فيكِ
ما للمحبَّةِ في القلوب
وكلَّما هممتُ بمدِّ يديَّ الفارغتين إليكِ
حرَّضني البخلُ على التريثِ
وكففتُ عن شهدكِ يديّ.
حَفِيف
أصحو
فلا أفتح عينيَّ على ضجَّة الشَّارع
بل أرهفُ سمعي لصوت حفيف ثوبكِ
الذي مرَّ منذ قليلٍ
على سجَّادة الغرفة.
صَـوت
يتشاجران
يعلو صوته بالصُّراخ والشَّتيمة
وتبتلُّ عيناها بدمع عاتب
يطوِّح كتباً وقناني وأكواباً علي الأرض
وتنكِّس وجهها مثل راية خاسرة
يهرب إلي أربعة جدران تقيه مصالحة
وتصعد إلي فراش بارد
ينام فوق كرسيِّه
وتنام في سريرها مضمومة مثل جنين
فيما تظلّ في البهو
دمعة لم تتشربها السِّجادة الجديدة
ويظل صوت صرخته الأخيرة
يطوِّف في الهواء.
تَـعريف
هو السَّهم الذي غادر للتوِّ قوسه المشدود يا بنات
أنْتُنَّ الفرائس
وأنا
الزَّارع الحاصد.
قَسـوة
بيتٌ من طابقين
ليس إلا..
رجلٌ في الطَّابق العلويّ
وامرأةٌ في الطَّابق السُّفليّ
يا لقلبكَ أيُّها السَّقف
كيف تتحمَّل أن تكون
بكلِّ هذه القسوة؟!
أبيض
الخفيفُ الذي يتْركُكِ وحيدةً عاريةً في فراشكْ
الكتومُ وهو يرمي إليكِ عينين تظهران من تحت هالتين سوداوين خلَّفْهما السَّهرْ
الصَّبيُّ الذي كَبُرَ على يديكِ وكَبُرْتِ على يديهِ
السِّكِّيرُ الذي تفوحُ من فمِهِ رائحةُ الكُحولِّ ودخَّانُ السَّجائرِ
الضَّاحكُ ذو القهقهةِ العاليةِ التي تُخْجِلُكِِ أمامَ الغُرباءِ
العابرُ الحائكُ المغفَّلُ البليدُ الحسِّ المتأنِّقُ ذو العطْر الذي لا يُشَمُّ إلا بالأناملْ
العطوفُ وهْو يَمِسُّ خدَّيكِ بظهرِ أصابعِهِ في لحظاتِ البكاء
الخجولُ الحَيِيُّ ذو النَّظرةِ المُنْكسرةِ وأنتِ تكيلينَ لأذنيه جُمَلَ المديحِ
المُغازِلُ الجِلْفُ الذي يتحسَّسُ فرائِسَ يعبرنَ بعينينِ تقيسانِ المُنحنياتَ والدَّوائرَ النَّاقصةِ والفالِتِ والرِّجراج
المُهْمِلُ العنيدُ الكسولُ النَّاعمُ الآمِرُ المُتردِّدُ الرَّاقصُ المُتبرِّمُ المُدَوِّنُ الماحِي الصَّبورُ ذو الأظافر الخشنةِ مثل عبْدٍ أو أجير
البكَّاءُ القانِعُ المهرِّجُ اليائسُ الطَّيبُ الغشيمُ الزَّارعُ الحاصدُ
الأبُ الطِّفْلُ الرَّؤوفُ اللاهي مع ابنكِ تحت الأسرَّةِ والمناضِدِ وفي أركانِ البيتِ
الأعمى الأصمُّ الذي يستقرئ الحروفَ بيدين تجسَّان وجهكِ المبهم
المتوسِّلُ النَّاسي سجينُ نفسِهِ النَّاظرُ إلى الحيطان كأنَّ الغيبَ كامنٌ خلْفَها
دودةُ الكتبِ ذو الأصابعِ المُحبَّرةِ وقصاصاتِ الورقِ المتناثرةِ أينما نظرتِ
النَّاحلُ الطَّويلُ المُغبَّرُ المُشَعَّثُ الأكولُ الهادئُ الرَّاكضُ ذو الذَّقن النَّابتةِ واليد التي تُفْلِتُ ما تقبِضُ عليه
الغريبُ النَّحيفُ العصبيُّ العجولُ المتأنِّي المتمهِّلُ البطيءُ ذو القدمِ التي تضْربُ الأرضَ كأنَّه يريدُ أنْ يفلقها
يتدحرجُ الآن في عتْمةِ السُّلَّمِ
يهوي كحجرٍ ثقيلٍ من فوق الدَّرجاتِ مسطولاً وغارقاً في صراخه ومَنِيِّهِ
فَلُمِّي أشلاءه عضواً عضواً
جرِّيه إلى فراشِكِ ونظِّفيه جيداً
أفسحي لجسده الذي ملأتهُ الكدماتُ الزُّرق مكاناً دافئاً جوارك
دثِّريه بجسمِك كأمٍّ
وأنصتي لعرشٍ يهتزُّ في الأعالي
علَّه يرتاحُ في رقدته الأخيرة.
سَـفَر
رأسي ثقيل
ويسقط مِنِّي مشجُوج وغارق في دمٍ قانٍ بين نهديكِ
رأسي ثقيل من السَّهر والأرق والكتابة والنَّوم المتقطِّع والغناء والكلام
ونهداكِ ناعمان وملسان ودافئان ومزدانان بحبَّات عرقٍ شفَّافةٍ
رأسي ثقيل ومشوش ومضبَّب الأفكار والأحلام
والرُّؤى التي تُخْرِجُ رأسَها لتنظرَ بنصفِ عينٍ من خلف ستار التَّذكُّرِ
ونهداكِ حنونانِ كأمٍّ
ومغناجانِ كمُومسٍ
وشقيَّان مثل طفلين تربَّيا في الشَّوارعِ
رأسي عجوزٌ سرقَ الأطفالُ نعليه من أمام عتبةِ بيتهِ
ونهداكِ طريق صخريٌّ
أدوسُ بقدميَّ الحافيتينِ على جمْرهما الرَّمليَّ
فلا أنا وصلتُ
ولا غَرُبَتْ الشَّمسُ.
آخرُ الخيط
نعم
أعرف امرأةً
تسألُ نفسَها كلَّ صباحٍ:
ما الذي تريده امرأةٌ من رجلٍ
لو همَّتْ – وحيدةً – بمسِّ حريرها
غير أن تئنَّ في قلبه
دودة القزِّ؟!
عماد فؤاد يحي أمسيتين شعريتين بقراءات من مجموعته الشِّعرية الرَّابعة "حرير"
الشاعر المصري "عماد فؤاد" ضيفاً على مهرجان الصَّيف البحريني 2009
شاعر مصري
www.emadfouad.com
المنامة: خاص
بدعوة من وزارة الثقافة البحرينية يشارك الشَّاعر المصري "عماد فؤاد" في فعاليات مهرجان “تاء الشباب” التي ستقام ضمن مهرجان صيف البحرين الثقافي 2009، والذي ينعقد في الفترة من 10 يوليو الجاري حتى العشرين من أغسطس المقبل تحت رعاية وزيرة الثقافة والإعلام البحرينية "الشيخة مي بنت محمد آل خليفة"، وسيكون "فؤاد" ضيفاً على المهرجان بدءاً من 18 حتى 22 من يوليو الجاري، حيث سيحي أمسيتين شعريتين في "مجمع السِّيوف" ومقهى "كوستا كوفي" بالمنطقة الديبلوماسية، وستكون القراءات الشِّعرية جميعها من مجموعة الشَّاعر الرابعة "حرير" والتي صدرت أوائل العام 2007 عن دار النَّهضة العربية في بيروت.
يذكر أن مهرجان صيف البحرين 2009 سيضم هذا العام عدداً من الشُّعراء والكتاب العرب من بينهم: عبده وازن، حسن داود، بيار أبي صعب، إبراهيم نصرالله، صفاء فتحي، خالد الرويعي، يوسف زيدان، تميم البرغوثي، كما سيشهد المهرجان إقامة ورشتي عمل إبداعيتين، الأولى تحت إشراف الباحث في مجال التصميم حسن داوود بعنوان ''الجميع يصمم'' وتكون في صالة مركز الفنون على مدار الأيام من 24 إلى 26 يوليو يليها انطلاق ''الورشة الإذاعية'' تحت إشراف هيام حموي في مركز تسهيلات البحرين للإعلام بجامعة البحرين في الأيام من 31 من الشهر نفسه لغاية الثاني من أغسطس/آب. وسيسير '' تاء الشباب '' 4 رحلات ثقافية في التاسعة صباحاً أيام 11 و 18 و 25 يوليو/تموز إضافة إلى غرة الشهر التالي إلى الأماكن الأثرية في البحرين للتعرف عليها أكثر وعن قرب.
يذكر أن "عماد فؤاد" شارك منذ أيام في فعاليات الطبعة الثانية للمهرجان الثقافي الدولي للأدب والكتَّاب الشباب بالجزائر، حيث أحيا أمسيتين شعريتين بمصاحبة عدد من الشعراء العرب والجزائريين.
أصدر "عماد فؤاد" أربع مجموعات شعرية، هي: "أشباح جرَّحتها الإضاءة" (مايو 1998)، "تقاعد زير نساء عجوز" (سبتمبر 2002)، "بكدمةٍ زرقاء من عضَّة النَّدم" (يناير2005)، والتي نالت جائزة "طنجة الشاعرة" في العام الماضي 2006. وأخيراً مجموعته الرابعة "حرير" (2007)، كما أصدر أول أنطولوجيا لقصيدة النثر المصرية في العاصمة الجزائرية بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية لعام 2007 تحت عنوان "رُعاة ظلال.. حارسو عزلات أيضاً".
08-أيار-2021
07-أيلول-2019 | |
16-آذار-2019 | |
02-شباط-2019 | |
11-تموز-2009 | |
08-حزيران-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |