الطائفية وصراع المتشابهات 5
مروان عبد الرزاق
خاص ألف
2017-11-09
الجزء الثاني، يتضمن:
- البحث في بنية الطبقة السياسية التي استلمت السلطة بعد الاستقلال، والتوقف عند أهم الصراعات السياسية والعنيفة، بعد سيطرة حزب البعث على السلطة، منذ (١٩٦٣). وصولاً إلى دور هذه الطبقة بعد الثورة. واستنتاج العلاقة بين الفاعل الوطني الديمقراطي، والعامل الطائفي.
- البحث في العوامل التي ساعدت على صعود الأصولية السلفية والجهادية، بعد ثورات الربيع العربي، وسيطرتها على الساحة، وخاصة في سورية وهي المكان المدروس، بشكل خاص.
- ماهي الآفاق للخروج من النفق، والسيناريوهات المتوقعة للمستقبل؟
- كتابة النتائج العامة للبحث.
وسيبقى المنهج التاريخي هو المتبع في دراسة الطبقة السياسية القديمة، بالإضافة إلى المنهج الوصفي التحليلي لتفسير الواقع الراهن، ودراسة دور هذه الطبقة بعد الثورة، والعوامل التي أدت إلى صعود ظاهرة الطائفية، وسيطرة الأصوليات على الساحة.
1- مقدمة-النهضة والقومية
في القرن التاسع عشر وهو الأخير من عمر الخلافة العثمانية، وتدخل الغرب في شؤون الخلافة، برز إلى السطح رواد "النهضة العربية"، كما جرت العادة على تسميتهم، مثل: رفاعة الطهطاوي (1801-1873)، وجمال الدين الافغاني (1838-1897) في مصر، وعبد الرحمن الكواكبي (1849-1902) في حلب، وبطرس البستاني (1819-1883) في لبنان..إلخ . والذين تأثروا بالحضارة الغربية، واُعجبوا بها، وخاصة الثورة الفرنسية. وقد لعبوا دوراً هاماً في نشر التعليم والثقافة والصحافة، وفي نقدهم للاستبداد.. وقد دفع قسم منهم حياته بسبب نقده لاستبداد الخلافة، مثل الكواكبي الذي مات مسموماً، والافغاني الذي مات منفياً.
إلا أن هذه النهضة لم تكتمل. وكانت تتجاذب رواد النهضة نزعتان: الأولى الإعجاب بالثورة الفرنسية، والدعوة إلى إقامة دولة حديثة تقوم على الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، كما دعا بطرس البستاني وفرح أنطون (1874- 1922)، آنذاك. والاتجاه الآخر، وهو الأغلبية، الذي كانوا مع الخلافة ضد التدخل الأوروبي. كما أنهم بالأساس لم يعتبروا أن العرب تحت الاحتلال العثماني. وكانت دعواتهم موجهة لإصلاح أمور الخلافة ، وبالحكم اللامركزي، بالإضافة إلى نقد الاستبداد. وكانت الدعوات التجديدية تهدف إلى تخليص الدين من الجهل والشوائب التي لحقت به، وذلك بالعودة إلى نقاوة الإسلام الأولى. وليس تجديد الدين حتى يتوافق مع العصور الحديثة.
ولذلك لم تكتمل النهضة لأنها لم تعمل على القطع السياسي، مع مؤسسة الخلافة السياسية-كما فعل ورثة الخلافة في تركيا، بإقامة النظام الديمقراطي العلماني- وبذلك تم الحفاظ على البنى التقليدية الاجتماعية الطائفية والقبلية في المجتمع. وبقيت حركة النهضة، نخبوية، لا أهمية لها باستثناء الثورة "العرابية"(1881-1882) في مصر التي دعت إلى "ملكية دستورية"، والتي لم تدم حكومتها لأكثر من عام، وانتهت بالاحتلال البريطاني لمصر.
و"اليقظة" القومية العربية التي جاءت رداً على سياسة "التتريك" للعرب في العقد الأول من القرن العشرين، لم تكن أفضل حالاً من "النهضة"، ولم تحقق أي نقلة نوعية لمستقبل العرب.. ورواد القومية العربية أيضاً لم يخرجوا من عباءة العثمانيين. حيث لم يدعُ رواد القومية إلى الانفصال عن العثمانيين. إنما دعوا إلى حكم ذاتي للولايات العربية، واعتبار العربية لغة رسمية إلى جانب التركية، كما ورد في قرارات "المؤتمر العربي الأول في باريس (1913)".
ولا شك بأن إشكالية العلاقة بين الإسلام والقومية الحديثة، جعلتهم يرتدون الخلف، إلى الإسلام السياسي الممثل في الخلافة ، أو التجديد الديني الذي يتمثل بالعودة إلى الأصول النقية للدين. ولم ينجُ من لوثة إشكالية الدين والحكم، أو الدين والدولة القومية الحديثة، سوى بعض الرواد الذين لم يكونوا قادرين على تشكيل ظاهرة اجتماعية-سياسية لافكارهم التنويرية.
وحتى "ساطع الحصري"، وهو أحد مؤسسي القومية العربية، ويوصف بعلمانيته لفصله القومية عن الدين. إلا أنه لم ينجُ من لوثة الطائفية ضد الشيعة العراقيين، حين كان مديراً للتربية في العراق خلال العهد الفيصلي، وكما تشير العديد من الدراسات التاريخية للمفكرين العراقيين. (عبدالخالق الحسين-
ولذلك بالعموم بقيت حركة رواد القومية وجمعياتهم نخبوية، ولم تتشكل حركة قومية سياسية شعبية تعمل على الاستقلال وبناء الدولة القومية الحديثة. والثورة العربية الكبرى (1916)، بقيادة الشريف حسين بن علي، لم تكن ثورة القوميين العرب، كما يتغنى بها الكثير من المؤرخين العرب. لأنها لم تنهض بالأساس بدوافع قومية، حيث الوعي القومي العربي لم يتبلور بعد. ولم تتجاوز مستوى الشعور بالتذمر من الاضطهاد القومي التركي آنذاك. إنما قامت الثورة بتحريض ودعم وهيمنة من بريطانيا، التي كانت تريد طرد العثمانيين من المنطقة، بقصد السيطرة عليها بالاتفاق مع فرنسا.
ومن حيث النتيجة، إن فشل رواد النهضة في التأسيس لثقافة جديدة محورها الحرية وحقوق الإنسان، ثم فشل المشروع القومي العربي، في إقامة كيان سياسي قومي حديث، أدى إلى استمرار البنى الاجتماعية التقليدية، الدينية، والطائفية، والعشائرية، والتي تتغذى جميعها من الأيديولوجيا الدينية، من الموروث التاريخي القديم.
ولا شك بوجود العديد من الأسباب لعدم اكتمال النهضة العربية والمشروع القومي، كما يعرضها الباحثون. وهذا ليس موضوع بحثنا هذا. إنما يجب التأكيد على السبب الرئيس الداخلي، وهو أن البناء الجديد لم يكن متوجهاً نحو هدم القديم إنما إصلاحه، وهو غير قابل للإصلاح. وأقصد بهدم القديم ليس هدم الدين ومؤسساته، إنما إبعاد الدين عن السياسة، والتأسيس لدولة ديمقراطية علمانية كما دعا إليها رواد الأنوار الأوروبيون وتم بناؤها منذ انطلاقة الثورة الفرنسية (1789).
2- الاستقلال
"عندما نالت سوريا استقلالها عام (1946)، كانت دولة في كثير من النواحي، دون أن تكون أمة، وكانت كياناً سياسياً، دون أن تكون مجتمعاً سياسياً" (فان دام, نيقولاوس-الصراع على السلطة في سوريا- الطبعة الالكترونية الأولى-2006-ص21). حيث كان الشعب السوري ممزقاً بين ولاءاته الطائفية الداخلية من جهة، والانتماءات القومية والإقليمية من جهة أخرى.
وكانت الطبقة السياسية حديثة الولادة ممزقة بين التيار الوطني التقليدي، أو الكتلة الوطنية بزعامة إبراهيم هنانو التي عملت على الاستقلال، والتي انبثق عنها: (الحزب الوطني-يمثله: شكري القوتلي. وحزب الشعب (1948) -يمثله ناظم القدسي، ورشدي الكيخيا). والتيار القومي ممثلاً بحزب البعث (ميشيل عفلق وصلاح الدين بيطار)، والعربي الاشتراكي (أكرم الحوراني). والإخوان المسلمين –المراقب الأول (١٩٤٥) مصطفى السباعي- الداعين لبناء الدولة الإسلامية . والحزب الشيوعي –ويمثلهم خالد بكداش- الأممي المرتبط بالاتحاد السوفيتي. والحزب السوري القومي الاجتماعي-أسسه أنطوان سعادة في لبنان،١٩٣٢- الداعي إلى وحدة سورية الطبيعية، أو الهلال الخصيب.
ويمكن للدارس لواقع وبرامج هذه الاحزاب أن يلاحظ:
أولا: أن جميع هذه الاحزاب لم تُدرج في برامجها الحرية والعدالة والديمقراطية الليبرالية، سوى حزب الشعب الذي ضم مجموعة من المتنورين الليبراليين، والذي انشق عن الكتلة الوطنية (1948)، ودعا إلى الديمقراطية، وإلى الحرية بكافة أنواعها، والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن الثروة أو الدين أو المذهب، والفصل بين السلطات، بالإضافة لدعوته للوحدة العربية، وخاصة الوحدة مع العراق، استجابة لمصالح البرجوازية في مدينة حلب. (الزيبق, مسلم-الاحزاب والهيئات السياسية السورية خلال القرن العشرين- نون للنشر والطباعة-حلب-ط١- ص122). ولكنه لم يكن حاسماً في توجهاته، نحو الانتقال من "دولة-مجتمع" اقطاعي إلى "دولة-مجتمع" برجوازي ديمقراطي. إنما كان يشكل مع الحزب الوطني الواجهة السياسية للإقطاع والتجار والبرجوازية الكولونيالية في مدينتي حلب ودمشق. وقد انحسر وجودهم مع قيام الوحدة وإصدار قانون حل الاحزاب. ثم انتهى وجودهم مع انقلاب البعث (1963).
إن عجز الاحزاب "البرجوازية-الاقطاعية"-الوطني والشعب- وفشلها في الاستجابة إلى أهم الاستحقاقات الوطنية في تلك المرحلة وهي: المسألة الزراعية، وإنهاء دور الاقطاع التاريخي من جهة، والمسألة القومية التي بدأ يتنامى الشعور الشعبي بها بعد هزيمة (1948) مع إسرائيل، من جهة ثانية، هو الذي أفسح المجال أمام تنامي دور الأحزاب الأخرى، على الرغم من أن هذين الحزبين كانا يتصدران المشهد النيابي في جميع الانتخابات. وهذا بدوره أدى إلى انحراف المسار التاريخي الطبيعي لسورية، أي الانتقال من المرحلة الاقطاعية، إلى المرحلة البرجوازية الديمقراطية. وهذا الانحراف تم على يد أنصار الوحدة المصرية السورية (1958-1961)، ثم انقلاب البعث.
ومن المفيد الذكر أن دستور (1950) الذي وضعه ليبراليون درسوا في فرنسا واطلعوا على الكثير من الدساتير الأوروبية، كان دستوراً ديمقراطياًحديثاً، إلا أنه لم ير النور على الأرض. كما أنه عبر عن فشل "الطبقة" السياسية-إن صح التعبير-آنذاك في تثبيت مسائل هامة في الدستور وهي: حل المسألة الزراعية وتحديد سقف الملكية لصالح الفلاحين، وعدم تدخل الجيش في الحياة السياسية. وهذا يُشير إلى هشاشة السياسيين الذين رسموا الدستور الديمقراطي، دون أن يكون له حامل سياسي-اجتماعي فعلي. أقصد أحزاباً ديمقراطية برجوازية ويسارية وقومية. إلخ . إنما بالعكس كانت هذه الأحزاب تشترك مع بعضها، سواء كانت قومية، أو إسلامية أو، شيوعية، أو ليبرالية، بأنها انقلابية، وكان الصراع على السلطة هو الهدف، وأن أيديولوجيتها كانت عابرة للوطنية السورية. ولم يكن الهدف بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.
وثانياً: إن هشاشة "الطبقة" السياسية، تعود أيضاً إلى أن أغلب الأحزاب كانت تعكس مصالح إقليمية أو محلية، وأن "مؤيدي تلك الأحزاب تركزوا في مناطق معينة." مثل حزب الشعب والذي كان يمثل وجهاء حلب وحمص (ناظم القدسي ورشيد الكيخيا), والحزب الوطني يمثل وجهاء دمشق(شكري القوتلي)، وأكرم الحوراني في ريف حماه، وحزب البعث في ريف اللاذقية، والحزب الشيوعي بين الأكراد.
وكما لاحظ نيقولاوس أن "الجماعات السياسية بغض النظر عن آرائها السياسية غالباً ما تكونت من خلال قنوات اجتماعية تقليدية، وهذا الأخير مسؤول إلى حد كبير عن استمرار وجود الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في الحياة السياسية السورية" (الصراع على السلطة-المرجع السابق ص43)
وثالثاً: هذه الهشاشة في "الطبقة" السياسية، وفي المجتمع عموماً، والتنافس الإنقلابي على السلطة، هو الذي جعل من الجيش الأداة الأهم في الحياة السياسية، وانقلاباته المستمرة والتي بلغت عشرة انقلابات بين عامي (1946-1970). بمعدل انقلاب كل عامين.
3- المعارضة السورية
محطتان للعنف
يمكن فرز المعارضة في سورية بعد استيلاء حزب البعث على السلطة (1963)، إلى معارضة إسلامية ممثلة بالإخوان المسلمين، ومعارضات غير إسلامية (يسارية وقومية). والحدثان البارزان في تاريخ الصراع المسلح على السلطة في (1964و1980)، كانا من صنع "الإخوان المسلمين" الجهاديين.
والمحطة الأولى للعنف: هي احتجاجات(نيسان-1964).
بعد انقلاب (١٩٦٣)، أصبحت الرموز الاقطاعية-البرجوازية المتمركزة في المدن الكبرى، حلب ودمشق وحماة العدو الأول للنظام الجديد. بسبب فقدانها لثروتها بموجب قوانين التأميم والإصلاح الزراعي، وأيضاً إبعادها عن السلطة السياسية.
ترافق ذلك مع التقاء "الهويات القاتلة" في الساحة. أقصد النظام والذي بدأت اعمدته الطائفية (العلوية) تبرز بوضوح، من جهة، و"الإخوان المسلمين" من جهة ثانية، والذين نصبوا أنفسهم كتعبير سياسي عن الطائفة (السنية)، وقد تم حظر نشاطهم منذ بداية (1964). وبحسب مذكرات "أكرم الحوراني"، فإنه كان يعلم بقدوم الانفجار، وأن "الاشتراكيين العرب" بزعامة الحوراني رفضوا المشاركة في العنف، وكانوا يدعون إلى العودة إلى الحياة البرلمانية الديمقراطية بشكل سلمي" إلا أن الإخوان كانوا جاهزين للحركة المسلحة.
وبدأت الاحداث بشكل عفوي "في إحدى المدارس وكتابة أحد الطلاب على اللوح (لا حكم إلا للبعث). وجاء طالب آخر، شتم البعث وكتب (لا حكم إلا لله). وجاء الأمن واعتقل الطالب، واضرب الطلاب، ثم خرجت مظاهرة من الجامع، وتم قمعها من الجيش بالقوة وسقط قتلى، فأضربت المدينة. تدخل الجيش لفتح المحلات بالقوة، فاصطدمت بمقاومة مسلحة، فدخل الجيش إلى المدينة، وتم إعلان الاضراب العام".
وكان "الإخوان" جاهزين بقيادة (مروان حديد) الذي كان "يبشر بالجهاد للإطاحة بحكم البعث الطائفي" حيث "اعتصم مع بعض أنصاره في جامع السلطان، وجعل من المسجد منطلقاً للدعوة إلى الثورة على حزب البعث". لكن الجيش قصف الجامع، وقصف الأحياء" وأسفر الصراع المسلح عن عشرات الضحايا من الجيش والمدنيين. (موسوعة الإخوان المسلمين-من مذكرات أكرم الحوراني).
وترافق الصراع المسلح بالإضراب العام في مدينة حماه، وساندها التجار في حمص ودمشق (نيسان-1964)، الذين كانوا يطالبون "بإلغاء التأميم، وتخفيف القيود على النقد". وقد استمر الإضراب في حماه (29يوماً)، وثلاثة أيام في دمشق، وانتهى بإصدار الحاكم العرفي، إنذارا يقضي بمصادرة المحلات، بعد التوجيه لفتح المحلات بالقوة.
وبذلك زرع النظام، والإخوان، الأسفين الطائفي الأول في جسد المجتمع السوري، والذي لم تنضج وتترسخ هويته السورية بعد.
والسؤال للتاريخ: لماذا لم تُعد البرجوازية السورية بناء حزبها السياسي الممثل لها، والمؤمن بالديمقراطية والحريات (أقصد حزب الشعب)، واعتمدت على "الإخوان المسلمين"، كرافعة مسلحة للعودة إلى السلطة، وهو حزب طائفي لا علاقة له بالحريات والديمقراطية؟ والجواب بسيط، لأن الحرية والديمقراطية، لم تكن من أهداف هذه البرجوازية. ولم يكن لديها المشروع الوطني لترسيخ الدولة الوطنية الديمقراطية. وهي لم تخرج من إطار مصالحها الاقتصادية الضيقة، ولم تتجاوز الليبرالية الاقتصادية، وهي تتحالف مع "الشيطان للحفاظ على هذه المصالح.
المحطة الثانية: أحداث الثمانينات
تتميز أحداث الثمانينات، بأنها لم تكن بحاجة إلى شرارة عفوية لانطلاقتها. إنما كانت مبرمجة، ومخطط لها من قبل "الإخوان المسلمين" منذ البداية وحتى النهاية. سواء بالاغتيالات لبعض رموز النظام، والمشايخ، والشيوعيين، أو التظاهرات والتي كانت "إخوانية"، والتي استهدفت مؤسسات الدولة، ومن ضمنها المشافي، وصولاً إلى مجزرة مدرسة مدفعية الميدان(حزيران-1979)، وهي مجزرة طائفية بغيضة، عبرت عن العقلية الانتقامية الثأرية بأبشع صورها، والتي لا تختلف عن عقلية النظام.
والبقية يعرفها كل السوريين، كيف إخرج النظام بقيادة عائلة "الأسد-الطاغية"، كل عنفه الطائفي، والقتل على الهوية. وإن فظاعة العنف والتعذيب والاغتصاب والتمثيل بالجثث وقتل السجناء، وسياسة الأرض المحروقة تذكرنا بالحروب الطائفية والقبلية القديمة منذ آلاف السنين، التي كانت ترفع الرؤوس المقطوعة على أسنة الرماح، بعد أن تقتل وتحرق كل ما تواجهه في طريقها. وكانت النتائج مرعبة: تدمير المدينة(حماه)، وعشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، وزرع الأسفين الثاني، في جسد المجتمع السوري، والذي مازال متربعاً في ذاكرته حتى الآن. والعنف ذاته، وبشكل أوسع وأكثر ضراوة، مارسه النظام، ضد الشعب منذ بدايات الثورة السورية (آذار2011). وهذا العنف لا يمكن تفسيره إلا بوجود دافع ثأري، طائفي فلاحي مشحوناً بالخوف من السقوط.
ومن المفيد القول، أن تجار حلب ساندوا الإخوان في أحداث الثمانينات، بالدعوة لإغلاق المحلات، والإضراب العام. وكان مطلبهم الأساسي عندما جاء وفد الحكومة للتفاوض معهم، هو "رفع سقف الاستيراد والتصدير"، والسماح للقطاع الخلاص بالمشاركة الأوسع. وقد استجاب النظام لذلك.
ويجب التوضيح أن أحداث الثمانينات، ليست حرباً أهلية، وهي ليست حرباً طائفية بين "السنة، والشيعة". إنما كان صراع بين نظام طائفي يدعي تمثيله للطائفة العلوية، وحزب إخواني يدعي تمثيله لأهل السنة. وفي التحليل الواقعي لا أحد يمثل الطائفتين. إنه صراع على السلطة بين قوى إرهابية طائفية.
***
إن نقل أو نشر أي شيء من هذه الدراسة دون تفويضٍ مباشر من الكاتب" مروان عبد الرزاق " يعتبر خرقاً لقوانين الملكيّة الفكرية ويحاسب عليه ضمن القوانين المتداولة.
نهاية الجزء الخامس / القسم الثاني
ألف / خاص ألف.
يتبع ..