تاهت بوصلة السوريين.. عدنان عبد الرزاق*
عدنان عبد الرزاق
2017-11-18
غيرت التبدلات بالمنطقة، والخليجية على وجه التحديد، من معالم الاصطفاف أو التحالفات الكلاسيكية، أو التي ظهرت بعد ثورات الربيع العربي على الأقل. إذ لم يعد من قاعدة أو حتى "المصالح" تحكم العلاقات بين الدول، كما لم يعد "عدو العدو صديق" شرطاً.
وفي شيء من التمثيل نذكر، قطر التي تواجه المشروع الأمريكي، أو لا تؤيده على الأقل، لم تعد عدوة لطهران ولا لحزب الله، وربما ليست صديقة حميمة لهما، لكن حزب الله وإيران، هما أعداء للسوريين وربما أكثر من إسرائيل، فكثر من السوريين يقارنون ومنذ سنوات، بين المشروع الفارسي والصهيوني، أو ما قتله الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1948 وما قتله الإيرانيون وميليشياتهم، بما فيها حزب الله، فيخرجون أن من قتلهم أنصار المشروع الفارسي من السوريين وما هدموه من بنى وآمال، تساوي أضعاف مافعله الصهاينة.
والسعودية التي تعادي عدو السوريين إيران، تصادق أعداء أصدقائهم بالدوحة وأنقرة، بل وتنسق مع إسرائيل، وإن من وراء الكواليس، وتحالفت مع واشنطن وزار ملكها موسكو، رغم أن كل ما جرى وسيجري بسوريا، هو من تخطيط أمريكا ووفق الإرداة الاسرائيلية. ما يعني استنتاجاً وواقعاً أن الرياض تقف، وفق التحالفات، على الضفة المعادية للحلم والمشروع السوري.
وكذا لجهة تركيا، التي استقبلت السوريين وقدمت ما لم يقدمه سواها، تحالفت مع موسكو رداً على خذلانها من حلف الناتو واستهدافها من الولايات المتحدة، بل وتسعى لتطوير علاقاتها مع إيران، واللتين (طهران وموسكو) من ثبتا حكم الأسد وحالتا، بعد إدخال جنودهما على الأرض وبالسماء، دون إسقاط النظام السوري وانتصار الثورة والكرامة بسوريا.
والحال ينسحب على كثير من الدول، إن بالمنطقة أو حتى العالم، فدول أوروبا، خاصة بريطانيا وفرنسا، اللتين حتى تاريخه، يدافعان عن حقوق السوريين بالمحافل الدولية، وتطالبان بمحاكمة الأسد وتنحيه، تمدان بالآن نفسه اليد، للنظام عبر مشروعات إعادة الإعمار أو تتحالفان مع أعداء الشعب السوري، وبمقدمتهم واشنطن التي تتحمل إدارتها السابقة خاصة، وزر كل ما آل إليه الحال بسوريا. فالرئيس أوباما من قتل الثورة وشرعن وجود بشار الأسد مرات عدة، كان أفقعها، صفقة استلام الأسلحة الكيماوية بعد مجزرة غوطتي دمشق عام 2013.
قصارى القول: أيعقل أن العالم، كل العالم يستعدي الثورة السورية ويقف دون تحقيق السوريين أحلامهم بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أم ثمة "سياسة" بالأمر، لم يعِها السوريون بعد، أو من يسرق تمثيلهم وعلى كلتا الضفتين، على الأقل.
من بديهيات السياسة، أن لا صديق دائم ولا عدو أبدي، بل ثمة تحولات ومصالح ووقائع، ترسم ملامح الصداقة وتحدد خطوط العداء، لتجب -المستجدات– كل ما قبلها، وإن كانت لحدود الدم والخذلان.
ومن المتطلبات التي وقع فيها السوريون ولم يزلوا، أنهم يقيسون السياسة بمساطر الحقوق والمبدئيات، أو يصدقون التصريحات أو حتى الأفعال التي ينطلق منها الآخر وفق المرحلة وما تقتضيه مصالحه، فيضعون كل بيضهم- نتيجة طربهم للأقوال- في سلة هذا الحليف، دون التحسب لانقلاب قد يحصل، فيتحول الحليف إلى عدو، أو ليصطف بحلف الأعداء على الأقل.
وهنا، من الإجحاف ربما تحميل السوريين كامل الوزر، إذ لا نقاط قوة ولا حتى ورق مصالح لديهم، توازي ما يرميه الآخرون على طاولات السياسة أو ما يمنحوه وراء الأبواب الموصدة، ما جعلهم ولأسف، ورقة بأيدي جل من ناصرهم، ترمى حينما يقتضي الأمر وتفرض نفسها المصالح أو "المكايدات".
نهاية القول: يسأل السوريون، علانية حيناً وباستحياء معظم الأحايين، نتيجة توزعهم على دول الإقليم التي بدلت من مواقفها أخيراً، ترى من هو صديقنا ومن بات عدونا، هل نبقى لجانب قطر التي وصل استفزازها وضيقها جراء حصار الأخوة، لمناصرة إيران وإعادة تسويق حسن نصر الله.
أم نناصر السعودية التي تنفذ الخطة الأمريكية المختلطة، التي من المحتمل أن تقود لحرب بالمنطقة لعقود، يذهب السوريون خلالها فرق حساب، وتدعو بالوقت ذاته، لمؤتمر الرياض2 لتقضي على آخر "لا" لبقاء الأسد، ضمن الهيئة العليا للتفاوض، وتساهم بتنفيذ المشروع الروسي، أو التوافق الأمريكي الروسي الذي تمخض عن لقاء الرئيسين على هامش "آبيك" والمحيط الهادئ في فيتنام.
وكذا تركيا التي لم يعد من الغرابة، إعادة علاقاتها مع نظام بشار الأسد، بعد التصميم الروسي واعتبار ذلك ضمن شروط صفقات "الهدن" ودخول تركيا لشمال غرب سوريا.
أعتقد أن من حق كل تلك الدول، بما فيها نظام بشار الأسد، أن تسعى لبقائها وزيادة قوتها وفرض وجودها على خارطة يعاد رسمها بالدم والقوة، ومن اللاسياسة أن يطالب السوريون أي بلد، بوضع شعبه ومصيره تحت الخطر، كرمى لثورة هم أول من يقول إنها تشوهت، إن لم نقل فقدت كل مشروعيتها وتحولت لتصفية حسابات وصفقات وسمسرة.
إلا إن أمرين بالقضية، رغم اعترافنا المطلق، بمصالح وحقوق الآخرين، أو التي يرونها مرحلياً، حقوقهم ومصالحهم.
الأول أن تلكؤ الأشقاء والأصدقاء وتخوفهم من مناصرة الثورة السورية ببداياتها، ودعمهم لفصائل وجماعات وعصابات لا ترى بسوريا الواحدة والديمقراطية هدفاً، هي أساس حرف الثورة وتشتتها، ولعل باستمرارهم ببيع القضية السورية، سيوصل المنطقة ومع التتالي لموقع وتقسيم وتحالفات، هم أكثر من سيدفعون ثمنه، من نفطهم وأحلامهم وحتى دماء شعوبهم.
والأمر الثاني، أعتقد أن التجارب التي مرت على السوريين، باتت كفيلة بتعليم حمير السياسة، وليس هواتها، أن المناصرة عبر التشكي والاستجداء وحتى الحقوق المشروعة، هي مناصرة لأجل، مبنية على العاطفة والانفعال، تزول بعد تراجع حرارة تلك الأمراض الحميدة، وليس لهم إلا أن يكونوا أقوياء ببعضهم، لأن القوي يفرض حتى تحالفاته ولا مكان بهذا العالم للضعفاء.