ليس مألوفاً أن يولد إنسان بجناحين، ومع ذلك فقد تقبّل الجميع الأمر في النهاية. قلّةٌ من الأشخاص - كبار السنّ خصوصاً – وصفوا ما حدث بأنّه تشوّه، أو لعنة، أو مرض.. لكنّهم توقّفوا عن التعليق مع مرور الأيّام، بل كان بعضهم يبتسم، ويلوّح لي بيده أحياناً، كلّما رآني أحلّق فوق رأسه ممازحاً إيّاه بحركاتي البهلوانيّة التي أحبّها، مقلّداً فيها طيراً جارحاً وهو ينقضّ على أرنب أو فأر..
النساء اعتدن عليّ شيئاً فشيئاً. لم يعد ثمّة ضرورةٌ للاحتياط كلّما خرجت إحداهنّ إلى باحة منزلها. كنّ يتعاملن معي كما لو أنّني عصفور عابر. كنت أراهنّ وأنا أحلّق فوقهنّ بملابس البيت الخفيفة، فأحيّيهن. لا يفعلن أكثر من إسدال الثوب على الفخذ العاري، أو ضمّ طرفي الياقة لستر الثديين، دون ارتباك، ولا خوف، ثمّ يجبن التحيّة بابتسامة، وأحياناً بسؤال عمّا يحدث هنا أو هناك.. شجار. رائحة بخور. إناء يتحطّم. طفل يبكي...
الرجال بدورهم كانوا يعتمدون عليّ في خدمات كثيرة. لنقل إنّني أصبحت ضرورةً هنا.. رسالة يجب أن تصل بسرعة. معلومة تحتاج إلى تأكيد. تحذير من حريق في أحد الحقول. بقرة ضائعة...
أحاول ألا أخذل أحداً..
بجناحين قويّين جميلين..
إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان..
الحبّ..
اختفى الجناحان كما لو لم يكونا..
وأصبحت مجرّد شاعر..
**
لا أحفظ شيئاً من ملامحكِ.. نلتقي كلّ يومٍ تقريباً، وحين تغادرين لا يعلق في ذاكرتي شيء منكِ. لون شعركِ. طعم الماء المنسكب من بين أصابعكِ. لزوجة العرق المتدفّق من مسامات جلدكِ. طراوة الثديين. حرارة الأنفاس... لا شيء إطلاقاً.. حتى أنّني أنسى اسمكِ.. وأنسى عمركِ.. وأنسى ما الذي أحبّه فيكِ أكثر..
وأقرّر أن أركّز جيّداً في اللقاء التالي. أن أدقّق في كلّ شيء..
هكذا..
أغمض عينيّ مردّداً بيني وبين نفسي:
- بشرةٌ حنطيّة.. بشرةٌ حنطيّة.. بشرةٌ حنطيّة..
أردّدها عشرين مرّة..
ثمّ أتابع:
- زغبٌ حول السرّة.. زغبٌ حول السرّة.. زغبٌ حول السرّة..
عشرين مرّةً أخرى..
- أحبّها.. أحبّها.. أحبّها..
ثلاثين مرّة..
لا أدع تفصيلاً دون أن أراجعه بيني وبين نفسي..
ثمّ نغادر..
والآن.. أفكّر جادّاً أن أكفّ عن كلّ هذا العبث. يجب أن أفتّش عن امرأةٍ أخرى بعددٍ أقلّ من الملامح المثيرة.. أقلّ بحيث يسهل حفظها..
**
لا أحفظ شيئاً من ملامحكِ.. نلتقي كلّ يومٍ تقريباً، وحين تغادرين لا يعلق في ذاكرتي شيء منكِ. لون شعركِ. طعم الماء المنسكب من بين أصابعكِ. لزوجة العرق المتدفّق من مسامات جلدكِ. طراوة الثديين. حرارة الأنفاس... لا شيء إطلاقاً.. حتى أنّني أنسى اسمكِ.. وأنسى عمركِ.. وأنسى ما الذي أحبّه فيكِ أكثر..
وأقرّر أن أركّز جيّداً في اللقاء التالي. أن أدقّق في كلّ شيء..
هكذا..
أغمض عينيّ مردّداً بيني وبين نفسي:
- بشرةٌ حنطيّة.. بشرةٌ حنطيّة.. بشرةٌ حنطيّة..
أردّدها عشرين مرّة..
ثمّ أتابع:
- زغبٌ حول السرّة.. زغبٌ حول السرّة.. زغبٌ حول السرّة..
عشرين مرّةً أخرى..
- أحبّها.. أحبّها.. أحبّها..
ثلاثين مرّة..
لا أدع تفصيلاً دون أن أراجعه بيني وبين نفسي..
ثمّ نغادر..
والآن.. أفكّر جادّاً أن أكفّ عن كلّ هذا العبث. يجب أن أفتّش عن امرأةٍ أخرى بعددٍ أقلّ من الملامح المثيرة.. أقلّ بحيث يسهل حفظها..