سامحك الله يا ممدوح عدوان
2017-12-29
سكنني سؤال خلال الثورة السورية، لم أخرج منه "إلا ما حدا عرف حدا" كما يقول السوريون بأمثالهم، والسؤال يا سادة: ترى لو كان ممدوح عدوان وسعد الله ونوس ومحمد الماغوط.. وغيرهم ممن أحببنا وجذبنا بنتاجه وفكره ومواقفه، على قيد الحياة، أتنسحب عليهم فزاعة "أسلمة الثورة" أم أنهم سينخرطون بصفوفها الأولى ويرون بانتفاضة السوريين 2011، فرصة طال انتظارها، لأن ما رأيناه من قادة اليسار وبعض المثقفين، جعلنا ننفخ على اللبن، بعد أن أحرقنا حليب هؤلاء المغشوش..
بمجمل الأحوال، لن أعود للغرق بهذا السؤال العدمي، لطالما من تمنيت لو أنهم عايشوا الثورة، توفاهم الله، ولم يشاهدوا جرائم النظام التي فاقت وبآلاف المرات ما كتبوا وتوقعوا، ولم يشهدوا انزياحات المعارضة التقليدية التي انضمت للثورة وأي مطبات وسقطات وقعت بها، بل ولم يصدموا كما نحن، بالأصدقاء والحلفاء والمجتمع الديمقراطي والمؤسسات الدولية.
المهم، خطرت على بالي، مقولة للمرحوم عدوان، فيها من الاختزال والروعة، ما يبيّن حقيقة نظام الأسد "الإعلام السوري يكذب حتى بالنشرة الجوية".
ليت الكذب العربي والدولي، توقف عند بورصة ورخص تكاليف المعيشة بدمشق، لأن هكذا كذب، حبله قصير كما يقال، وسرعان ما سيكتشفه المستثمر بعد أول زيارة أو توطين مشروع، وسيغادر ولو ببعض الخسائر المالية
لكني، وعلى الرغم مما في هذه الجملة من دلالات، أعتقد أنها باتت بدهية وقديمة وغير معبرة أيضاً، عن حال نظام، بات الكذب والإنكار خبزه اليومي، فمنذ انطلاقة الثورة وخروج أهل حي الميدان، قال إعلام الأسد، إن السوريين خرجوا لشكر الله على نعمة المطر، وتابع عبر سلسلة مستمرة من الأكاذيب، لم تنته بتبرير قتل السوريين بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكميائية، بل ولا يزال رأس النظام، يكذب كلما سأله صحافي غربي عن القصف والقتل والاعتقال، وبشكل وطريقة، تثير النزق والاستغراب، أضعاف مفاجأة ممدوح عدوان بالكذب خلال النشرة الجوية.
وإن تعاطينا بواقعية، أو بخصوصية سورية كما يؤثر النظام تبرير فعائله ومنذ عقود، فربما من مبرر، سياحي ليكذب الإعلام بالنشرة الجوية، فثمة استقطاب للسياح أولاً وربما طمأنة للمتابع ومن يهمه الأمر ثانياً، والأهم يمكن تبرير الكذبة بأن تغييراً مفاجئاً طرأ على الطقس... أو من اعتبار "ديني" لطالما استعلامات الطقس، تعتمد على التنبؤ والعلم، ومعروف الحديث الذي يقول "كذب المنجمون ولو صدقوا" كما، أو على الأرجح، ليس من كوارث أو خسائر، يمكن أن تسببها كذبة الطقس.
أما أن تحصل بورصة دمشق التي افتتحت عام 2009، ولعامين على التوالي، على الأولى عربياً بحجم التداول، وفق تصنيف اتحاد البورصات العربية، وهي عبارة عن "دكانة" يتم فرض فتحها لثلاث مرات بالأسبوع لاعتبارات سياسية وتضليلية، إذ تضم نحو 76% من شركاتها المدرجة، مصارف وهي مشلولة منذ بداية الثورة، بل ومتوقفة حتى عن منح القروض، ولا يزيد حجم التداول الأسبوعي، عن سعر بيت بأقاصي العاصمة دمشق، رغم إدراج أسهم شركات رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد هذا العام.
وأن تأتي تكاليف المعيشة بدمشق، وفق مؤشر "اكسباتستان" الأرخص إقليمياً، رغم تثبيت رواتب العاملين بالدولة عند عتبة 40 ألف ليرة (80 دولاراً)، على الرغم من تضاعف أسعار 12 مرة خلال الحرب، وبلوغ الحد الأدنى لمعيشة الأسرة السورية، ووفق دراسة رسمية ومن دمشق لجمعية حماية المستهلك، 245 ألف ليرة.
فهذا وذاك، ما لم يخطر على بال، لا لممدوح عدوان ولا حتى لمحمد الماغوط الذي أسس عيداً للكذب برائعته "غربة" ولا لسعد الله ونوس، بعد أن ملأت الجثث الأرصفة.
قصارى القول: لماذا بتبوؤ بورصة دمشق الأولى عربياً ورخص تكاليف المعيشة بدمشق، كذب أخطر من كذب الطقس وحتى كذب النظام بتشويه مسعى السوريين للحرية.
ببساطة، لأن ثمة أطرافاً عربية ودولية، اشتركت بالكذب، ولا نقول تورطت به بناء على معلومات مضللة وكذب حكومة الأسد بتجميل الموت في سورية.
إذ من المفترض والبدهي والطبيعي، أن يتم التأكد، أو حتى قراءة أي مادة صحافية، حتى من إعلام الأسد، ليتأكد اتحاد المصارف العربية ومؤشر "اكسباتستان"، أن ما صنفوه لا يمت ولو لجزء من الواقع.
كما أن للكذب هنا، عقابيل اقتصادية عبر تغرير المستثمرين بأن المناخ السوري جاذب، على اعتبار أن البورصة هي ترمومتر أي اقتصاد، كما أن تكاليف المعيشة تروّج عن بحبوحة مالية وتزيد من جذب رؤوس الأموال التي يهمها الملاءة والقدرة الشرائية للمستهلكين.
نهاية القول: ليت الكذب العربي والدولي، توقف عند بورصة ورخص تكاليف المعيشة في دمشق. لأن هكذا كذب، حبله قصير كما يقال. وسرعان ما سيكتشفه المستثمر بعد أول زيارة أو توطين مشروع، وسيغادر ولو ببعض الخسائر المالية.
لأن التماشي مع كذب نظام الأسد، بات طقساً دولياً اليوم؛ حتى ممن ادعى صداقة الشعب السوري ونصرة ثورته. فاليوم وبواقع الترويج لمؤتمر سوتشي بروسيا، كمثال ساخن ليس إلا، يتم الكذب لما بعد مقولة جوزيف جوبلز "اكذب واكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس". إذ وحينما نسمع ما يقوله الساسة، نقترب من الاقتناع أن بشار الأسد ضحية الإرهاب وهو رئيس علماني حامي الأقليات وقاهر الإرهاب. رغم أننا عايشنا تفاصيل القتل والاعتقال وحتى صناعة الإرهاب، منذ حرب العراق وليس من مرسوم الإفراج عن سجناء صيدنايا المتطرفين، مطلع الثورة.
وهكذا نوع من الكذب، قد، أو على الأرجح أن يعيد إنتاج نظام الأسد لخمسين سنة أخرى، وليورث ابنه الحكم كما ورثه هو عن أبيه، وليعود معه القمع والحقد والثأرية، والكذب بالقضاء على الارهاب واستمرار الممانعة والمقاومة وتحرير الأراضي المحتلة.. ما يعني ضرورة، عودة السوريين للقمع والكبت والفقر.. فأي نشرة جوية وأي درجات حرارة.. سامحك الله يا ممدوح عدوان.
08-أيار-2021
03-نيسان-2021 | |
29-آب-2020 | |
13-حزيران-2020 | |
06-حزيران-2020 | |
30-أيار-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |