مع بداية زيارتنا لمتحف تاريخ العبودية في (point A pitre) رافقَنا دليل سياحي، يشرح لنا الموجودات في قاعات هذا المتحف الذي افتتحه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بالتزامن مع اليوم الوطني الفرنسي لمكافحة الاسترقاق وتجارة الرقيق عام 2015، الذي استغرق بناؤه عشر سنوات، وكلّف 83 مليون يورو، وفي سيرنا على “طريق العبودية”، داخل المتحف، وصلنا إلى القاعة التي تتحدث عن مكونات المجتمع “الغوادلوبي”، فأشار الدليل إلى المكون الأسود، ثم الهندي، والأبيض. ولما كنتُ على اطلاع جزئي على تاريخ الوجود السوري واللبناني في الجزيرة، فقد أزعجني تجاهل المرشد السياحي لوجودنا في الجزيرة؛ فسألته عن بداية الهجرة السورية إلى غوالدلوب، فقال: أعتقد أن أول الواصلين السوريين إلى الجزيرة كان بشكل تقريبي بحدود 1860، ولكنني لا أملك المعطيات الدقيقة الآن. هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن ابن غوادلوب الأسود لم يكن يميز بين “الكشيش” السوري و”الكشيش” اللبناني، فكلهم بنظره سوريون، وقد يكون سبب ذلك أنه عند وصول المهاجرين كانوا كلهم سوريين أو أتراك. توقفتُ طويلًا عند أساليب تعذيب “العبيد”، وأنماط عيشهم، وتعرض نسائهم وأطفالهم للتعذيب والاغتصابات متعددة الأشكال التي مارسها الرجل “الأبيض” بحقهم. وقد لمست بيدي القيود الحديدية التي كانت توضع في أيديهم وأقدامهم في أثناء التنقل والعمل والنوم أحيانًا، وتذكرت الصور التي سرّبها “قيصر” عن آلاف السوريين الذين تمت تصفيتهم في سجون ابن الأسد السورية. كان كل ما في متحف تاريخ العبودية يذكرني بتاريخ العبودية السوري، منذ وصول حافظ الأسد عام 1970 للسلطة حتى وقتنا الحالي، وبخاصة تجليات العبودية في زمن “دكتور العيون المودرن” بشار الأسد، وكأننا عدنا إلى عام 1621، وبدايات عصر العبودية في المستعمرات الفرنسية. إذا كان من الصعوبة بمكان أن تجد الآن إنسانًا أسود البشرة، في غوادلوب، يؤيد “العبودية” أو يحنّ إليها؛ فإنك، للأسف الكبير، ستجد الكثير من السوريين المقيمين في الجزيرة ينظرون بعشق إلى عصر العبودية الأسدي، ويدافعون عنه، ولا أقصد طبعًا القادمين الجدد الذين فروا من مناطق الأسد الآمنة، هربًا من التجنيد الإجباري الذي قد يؤدي بهم إلى الموت الذي يتمنونه لغيرهم من السوريين، وإنما أعني تحديدًا الذين هم في هذه الجزيرة من أكثر من أربعين عامًا، فقد كانوا يعشقون الأب، وهم الآن يعشقون الابن، وكأن مشاعر العبودية عندهم تمّ توريثها إلى أولادهم أيضًا. في أغلب الجلسات، كنت أنتقد رؤيتهم، وخصوصًا دفاعهم عن “عصرية” نظام الأسد، مقارنة مع خصوم النظام “الظلاميين”، وكنت أقول لهم إن الظلامي الحقيقي والمستبد الحقيقي هو من يورث الحكم إلى ولده، ومن يعتقل الديمقراطيين من شعبه، ومن يقتل المطالبين بالحرية والمساواة والعدالة، هو مَن يستقدم الأجنبي لاحتلال البلد، وليس مهمًا عندها الزي الذي يلبسه؛ فالسود كانوا عراة عندما خرجوا للمطالبة بحقوقهم وطرد الأوروبي “العصري” الذي اقتصر “تنويره” على أبناء وطنه من البيض. وكان غضبهم مني يزداد، عندما كنت أربط بين دفاعهم عن آل الأسد وإصرارهم على رؤية الإنسان “الأسود” مجرد “عبد”، رغم أنه مصدر رزقهم وخيرهم وأموالهم التي يرسلونها إلى سورية، لبناء بيوتهم الحديثة التي تتصدر صالوناتهم فيها صورة آل الأسد، في الوقت الذي يجب أن تكون صور “العبيد” هي من تتصدر تلك الصالونات. بعد مئة وخمسين عامًا تقريبًا، من تواجد السوريين في غوادلوب، ما يزالون أسرى عاداتهم القروية ولهجاتهم القروية، ومفاهيمهم العائلية الضيقة، وضيق أفقهم العام، وما زال مفهومهم للتجارة هو الشطارة في “نهب العبد الغشيم”. وتعاملهم معه -على الرغم من تمسحهم به- يكون من منظور عنصري فوقي وعرقي، وعندما يضطر أحدهم إلى الزواج من سوداء، يكون الهدف فقط هو الحصول على إقامة وجنسية. أخيرًا، قد نكون بحاجة إلى التفكير ببناء متحف لتاريخ العبودية السوري، يروي قصة تحويل الإنسان السوري إلى “عبد” في عصر الأسدين، لعله يُساهم مستقبلًا في تحرير عقل السوري، من الخضوع والخنوع للمستبد والاستبداد والتصفيق له، كما يفعل “السود” في غوادلوب، فهم يحتفلون هذه الأيام من السابع من كانون الثاني/ يناير إلى الرابع عشر من آذار/ مارس، من كل عام، بـ “كرنفال” حريتهم وتحررهم من العبودية.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...