وأفضل من الخمرة كان ظرفاء المهجع. على رأسهم كان هيثم يوسف "أبو عزيز." كنا نتحلق حوله ساعات يحدثنا عن شخصيات خارقة من قريته الجبلية الجميلة. أهم هذه الشخصيات كان عزيز، ومنه نال أبو عزيز كنيته تلك. والذي أطلق عليه تلك الكنية كان عماد الذي أسمى نفسه أبا مشعل وأسمى عمادا الآخر أبا سعيد الخدري، لاهتمامه بالتاريخ، ثم أسمى منصور أبا خلف، ولذلك قصة أخرى، نسردها لاحقا. أبو عزيز هو خلاصة السجن. كان يفيق صبيحة كل يوم، مبكرا، ليشرب المتة، ويرتدي ملابسه، ويجلس بانتظار إخلاء السبيل. جعل ينتظر ذلك سبع سنين طوال، ولم يشأ أن ييأس. " يا الله يا شباب عالسخرة." " بكير يا أبو عزيز." " له.. له.. لا تغلط. بركة إجا إخلاء السبيل قبل أن ننهي السخرة؟" بعد انتهائه من كل أعماله، يبدأ أبو عزيز يحدثنا عن قريته وعزيز وحبيب وخدمته العسكرية والرفيق الذي نظمه في الحزب والمحقق الذي حقق معه. وفي كل يوم يزيد شعره شيبا ويخسر سنا جديدة من أسنانه، وتبرق عيناه الجميلتان المسيحيتان بألق جديد.
أما طارق فكان يحكي لنا يوميا عشر نكات جديدة، لم نسمعها من قبل. يجلس على الأرض بجانبك، ثم يلف رجلا فوق أخرى ويمسك بيدك بقوة كي لا تهرب ويبدأ بقذفك بسلسة من النكات يضحك عليها هو قبلك. من المستحيل على المرء الطبيعي أن يتذكر كل هذا العدد الهائل من الطرف، لذلك أعتقد أنه كان يؤلف معظمها. وأجمل الطرف كانت ما يؤلفها عن واحد منا، وخاصة عن شريكه في الجريمة أبو أسامة. كلاهما كان ضابطا في الجيش حين، لسبب لا أفهمه أبدا، قررا مع زميلهما الراحل خضر جبر الانضمام إلى تنظيم سياسي ماركسي محظور، دون أن يكون أي منهم قد قرأ كتابا لماركس أو لغيره. وهكذا استمدوا نظريتهم من نشرات كان الحزب يصدرها. ولم يكونوا قد أمضوا في التنظيم أكثر من أشهر حين جيء بهم إلى السجن، فأمضوا أربع عشرة سنة، قبل أن يعودوا ثانية إلى العالم الخارجي.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...