السيسي يؤكد القاعدة: ثلاثة جنرالات عرب كسروها
وائل السواح
2018-04-07
فاز الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي بولاية رئاسية جديدة. ولا أحسب أنها ستكون الأخيرة. الرئيس السيسي لا يريد أن يخرج عن قاعدة العسكريين العرب الذين يصلون إلى السلطة بانقلاب ويتشبثون في الحكم حتى مماتهم. هو يكرر مهزلة جمال عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد وولده بشار ومعمر القذافي وهواري بومدين وعمر البشير وسلفه جعفر النميري وعبد الكريم قاسم وحسني الزعيم وغيرهم كثير في عالم عربي حزين وجريح.
ثمّة ثلاثة استثناءات في التاريخ العربي الحديث لقاعدة العسكريين العرب.
أول هذه الاستثناءات كان اللواء السوري سامي الحناوي، الذي قام بانقلاب في 1949 على حكم العسكري الدكتاتور حسني الزعيم، وتسلم الحكم في سوريا لمدة يومين قبل أن يعيد مقاليد الأمور إلى حكومة مدنية برئاسة الرجل الجليل هاشم الأتاسي. والحقيقة أن الحناوي، منذ استيلائه على السلطة، وعد بانسحاب الجيش من الحياة السياسية والعودة إلى الثكنات، وترك إدارة أمور شؤون البلاد للزعماء السياسيين الذين سينتخبهم الشعب، ولكسب عطف الشعب وتأييده أفرج عن المعتقلين السياسيين، وسمح للأحزاب السياسية بالعودة إلى الساحة السورية وممارسة نشاطها، كما سمح لعدة صحف بإعادة صدورها بعد أن كان سلفه قد أغلقها.
ثاني الاستثناءات هو الجنرال فؤاد شهاب الذي جاء بانتخابات حقيقية في لبنان وبمواجهة رجل الدولة المهم ريمون إدّة، وبقي في الحكم ست سنوات كما يسمح الدستور ثم رفض بإصرار، رغم أنّ مطالبة الغالبية النيابية بذلك، أن يجدد ولايته أو يمدّدها، لأنه لم يشأ أن يخرق الدستور أو يعدّله فيكون سابقة في التاريخ اللبناني. ثمّ رفض أيضاً الترشح من جديد عام 1970، رغم أن الدستور يسمح له بذلك، ورغم أنّ «الشهابية» كانت لا تزال فاعلة مؤثرة في مؤسسات الدولة، وكانت حظوظه الأوفر بين المرشحين. لقد استطاع فؤاد شهاب، ومعه مجموعة من الضباط وقادة الرأي وجزء واسع من الشعب اللبناني، أن يعطي صورة ممكنة للعسكري العربي، باعتبار أن له وظيفة محددة، يمكن ويجب أن يؤديها ثم، كغيره، يذهب إلى بيته ويرتاح. على أنها بقيت تجربة يتيمة في العالم العربي.
الاستثناء الثالث كان الجنرال السوداني عبد الرحمن سوار الذهب، قائد الجيش الذي أطاح بطاغية السودان جعفر النميري في نيسان 1985، ووعد بأن يبقى في السلطة لمرحلة انتقالية مدتها عام واحد فقط لاستعادة الأمن والهدوء في السودان الجريح، ومن ثم قام بتسليم السلطة طواعية إلى حكومة مدنية، بعد عام انتقالي أشرف فيه على انتخابات عامة في البلاد، والعالم كلّه يراقب بانشداه هذه التجربة الفريدة في النظام الأمنوقراطي العربي.
لم يكرر أي من العسكريين العرب هذه الأمثلة الثلاثة. ففي سوريا انقض الضباط البعثيون على السلطة عام 1963، وما زالوا متمسكين فيها بأسنانهم وداء السوريين حتى الآن، يقتل بعضهم بعضا ويسجنه وينكّل به، وحين لا يجدون خصوما عسكريين ينكلون بالسوريين.
في لبنان، تمسك العماد اميل لحود بالكرسي، فتمّ التمديد له، في مهزلة مأساوية أدت إلى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وما تلاه من أحداث لا تزال تتفاقم حتى اليوم.
وفي السودان، لا يزال عمر البشير رابضا في كرسي الحكم منذ 1989، رغم كل المآسي التي تسبب بها والدماء التي أسالها والبلاد التي أضاعها في الجنوب، ورغم أته مطلوب بأمر قضائي للمثول أمام المحكمة الدولية.
بيد أننا نعود إلى مصر، حيث لا تزال أحوال المصريين في انحدار شاقولي من عبد الناصر إلى أنور السادات إلى حسني مبارك، واليوم ها هو السيسي يحافظ على تقاليد أبناء بزّته العسكرية من مصريين وعرب. ومثل صدام حسين وحافظ الأسد، يقوم المصريون بمبايعته زعيما أوحد. بدءا بالمؤسسة العسكرية التي اعتقلت سامي عنان، مرورا بمجلس النواب، حيث وقّع ما يقرب من 400 نائب من أعضائه استمارة تزكية للرئيس السيسي للترشح لفترة رئاسية ثانية، واتحاد نقابات العمال المصريين وجامع الأزهر، انتهاء بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، وحتى جمعية المأذونين الشرعيين.
بيد أن الفرق بين السيسي وعبد الناصر بيّن. فعبد الناصر جاء في فترة مدّ قومي وكان يتمتع بذكاء حاد وحنكة سياسية وشعبية حقيقية وكاريزما استثنائية لم تتكرر بعده مطلقا. أما السيسي، فبالإضافة إلى التناقض مع عبد الناصر من حيث افتقاده الذكاء والحنكة السياسية والكاريزما، فإنه إلى ذلك رجل، لا يتوانى عن تهديد المصريين الذين يقفون في مواجهته. وقد فعل ذلك أكثر من مرّة. في 2015، وجه السيسي رسائل تهديد إلى المصريين، في حال الثورة عليه، بـ "الضياع والتشرد واللجوء". وقبل أيام فقط هدد المصريين من جديد من التفكير بمحاولة الثورة على حكمه مثلما حصل عام 2011. وقال: "أنا مش سياسي، وبتاع كلام، واللي حصل من 7 سنين مش هايتكرر تاني". وأضاف "بقى اللي مانجحش ساعتها هاتنجحوه دلوقتي؟ لأ، أنتم باين عليكم ماتعرفونيش صحيح.. ثمن استقرار مصر وأمنها هو ثمن حياتي أنا، وحياة الجيش".
ومع ذلك، ثمّة في مصر ما هو أسوأ. إنه موقف قطاع كبير من المثقفين المصريين الذين تنكّروا لثورة يناير واصطفّوا خلف السيسي وأوردتهم مواقفهم المخزية لدعم سفاح دمشق في جرامه ضدّ السوريين.