ديمقراطية على الطريقة الروسية
عدنان عبد الرزاق
2018-06-23
ثمة تغيرات "جوهرية" ببنية النظام السوري، العسكري والأمني منه على وجه التحديد، فمنذ 17 أيار/مايو الماضي، وقت تم طلب بشار الأسد عاجلا إلى روسيا، وأشياء غير مفهومة، تجري بسوريا، يمكن الاستنتاج أنها "تعليمات" روسية أو ربما أكثر، تم إملاؤها على بشار الأسد، وبدأت ملامحها تتجلى بمناح وقطاعات عدة، ربما أفقعها، تغيير التعاطي مع المليشيات وما كان يعرف بـ"الدفاع الوطني".
وسرت أخبار عدة، حول تجريد هؤلاء المرتزقة، من أسلحتهم المالية والعسكرية والسلطوية، وإزالة حواجز أمنية، إن بدمشق أو بين المدن السورية، ما يمكن قراءته، تمهيداً لمرحلة جديدة.
وتتالت الأخبار لتصل بالأمس، لاقتراب إصدار نظام الأسد، عفو عام عن السوريين وتبييض السجون وما إلى هنالك من أخبار، يمكن وضعها بخانة الشائعات، أو محاولة تبييض صفحة النظام الإجرامية، عبر "مكرمة" وتضليل، قد تنطلي على السوريين، من نظر المفكرين الروس على الأقل.
قصارى القول: جدلاً وفيما لو صحت شائعة العفو العام، أليس من الأجدى السؤال، عفو من ولمن وممن؟!
ببساطة أكثر، أيمكن أن تنطلي الخديعة على السوريين، وإن اجتمع العالم بأسره على تسويق النظام وإعادة إنتاجه، أو يتناسوا أن هذا النظام هو السبب والمسبب بكل ما جرى ويجري للبلاد، هل نسينا قتل الشابين الدرعاويين" وسام عياش ومحمود الجوابرة" بتاريخ 20/ 3/ 2011، ليبدأ بعدهما شلال الدم.
هل نسي السوريون أحداث "البيضا" في "بانياس" بتاريخ 2/ 5/ 2011 من اعتقال وقتل وتمثيل بالأحياء والرقص على أجسادهم.
وهل نسينا مجرزة "الحولة" 25 أيار مايو/ 2012 والتي راح ضحيتها رميا بالرصاص وذبحاً بالسكاكين، عشرات السوريين جلهم من الأطفال، وغير ذلك الكثير من المجازر المروعة والتي كان أقساها، مجزرة كيماوي الغوطة 21 آب أغسطس/2013 والتي راح ضحيتها زهاء 1400 سوري.
على فكرة، حينما رقص جنود الأسد على صدور السوريين في "البيضا" وقتلوا شباب درعا وذبحوا أهالي "الحولة"، لم يكن من "تطرف" بمعنى، شماعة "النصرة" و"داعش"، لم تكن موجودة، ورغم إثبات أن جميع تلك التنظيمات التكفيرية المتطرفة التي لا تشبه السوريين، تعود للأسد وإيران ومخابرات دولية وبعد ذلك من قتل وتدمير وبراميل وتهجير وحصار وتجويع ورهن وبيع للثروات والجغرافيا وتسليم روسيا وإيران زمام أمور سوريا، بل والتنسيق العلاني مع إسرائيل.
هذا إن لم نأت على ملف الاعتقال والقتل تحت التعذيب، رغم أنه كفيل بإسقاط عالم بأسره وليس نظاما وراثيا مجرما وحسب، فتسريب 50 ألف صورة ومقتل 11 ألف معتقل سوري موثق في أقبية النظام، لا يمكن أن يطمرها عفو أو يمحوها متخاذلون.
نهاية القول: بعيداً عن محاولات تبرئة نظام بشار الأسد المستحيلة، أياً بلغ الفجور الدولي، لنقفز على هذه المسلمة والتي سنراها يوماً ماثلة، وقت يزج بجميع مجرمي سوريا، أو من يبقى منهم ولا ينتحر بخمس طلقات، بقفص الاتهام، لنسأل:
أي ديمقراطية ونظام أمني وبنية اقتصادية ومجتمعية، يمكن أن تنقلها روسيا الاتحادية إلى سوريا، وهي المستبدة والديكتاتورية، ربما أضعاف نظام الأسد، رغم مسرحيات تبديل القبعات بين "فلاديمير بوتين" و"دميتري ميدفيدف".
فإن لم نأت على مافيا الاقتصاد التي يقودها الرئيس نفسه ولم نتطرق لقمع الحريات ووجود -كما المنطقة العربية- منظمة لمكافحة التطرف، أو حتى اعتقال المعارضة والإساءة لزعيمها "أليكسي نافالني" وقتل رمزها "بوريس نيمتسوف"، لنسأل عن الاقتصاد الروسي، بعد تأجير ثروات سوريا لروسيا وتعهيدها البناء وإعادة الإعمار.
لجهتي، لم أرَ، وأنا في عقدي السادس، أي أدوات منزلية أو كهربائية أو تكنولوجية روسية، لا في بيت أهلي ولا في مدينتي، ولا حتى في سورية، ولا أبالغ في القول إنني لم أرَ منتجات روسية، عدا العسكرية، في أكثر من ثلاثين بلداً زرتها في القارات الأرضية السبع.
وحينما بلغ الانفتاح السوري الروسي ذروته، مطلع تسعينيات القرن الفائت، لم تغزُ الأسواق السورية أي منتجات روسية تذكر، بل كان العكس هو الصحيح، إذ نشط تصدير الإنتاج السوري باتجاه الاتحاد السوفييتي وقتذاك، كما نشط تجار "الشنطة" الذين كانوا يؤكدون حين عودتهم من تجاراتهم الرابحة، أن الأسعار مرتفعة، والبلاد الباردة تفتقر لأي منتجات، اللهم عدا القمح وما يصنّع منه وبعض المشروبات الكحولية والمأكولات البحرية، فضلاً عن السلاح والصناعات الفضائية لذا، أيّ أمل يرجى من روسيا، وأي مخرج يمكن انتظاره من وصفاتها التي يطبقها الأسد، التي لا يمكن أن توقف نضال السوريين حتى يصلوا لمشتهاهم بتحويل القتلة إلى "لاهاي" وبتأسيس دولة مواطنة ديمقراطية، لا وجود فيها لا للروس ولا لكبار الرؤوس.