في حياتي الواعية، أي منذ أن بدأت التمييز بين العام والخاص، كسبت الكثير من المهارات؛ أهمها كان فن تحويل الاصدقاء الى أعداء. وكان بعض الناس يستغربون ذلك مني، فأنا معروف على نطاق واسع أنني شخص لطيف ودمث الاخلاق مع الجميع، ومتعاطف مع الضعفاء وخاصة النساء، وخاصة اذا كنّ جميلات، ومقياس الجمال عندي داخلي، أي روحي.
ومع ذلك فإنني في الازمات العامة، سواء كانت وطنية أم اجتماعية، أتحول الى «شرير» لا يعرف الرحمة بحق من يريد «الهبش والتشويل» من الأملاك العامة أو الخاصة. ولا يخطر ببال أحد أنني سأشهر سيفي أو مسدسي عليه، فأنا والحمد لله، عن وعي وسابق تصميم، لا أحمل سلاحاً، لإيماني بالمثل الشعبي القائل عن حق "السلاح بإيد الـخـ** بيجرح"، واكتفي بسلاح الكلمة الذي لا تقل فاعليته عن السلاح العادي إلا في قضية الموت، فغالباً لا يدخل لساني الى فمي، وتصبح كلماتي تلسع كالسوط على ظهر المقصود، ولكنها لا تترك أثراً أو جرحا كما هو الأمر في سوط «داعش»، الذي يشق الجلد كما شقت عصا موسى البحر الأحمر، فيخرس بعده الناقد والمنتقد ويلوز-خوفاً- بالنقد الباطني، وهو أضعف الايمان، آملا بعفو الله ورحمته يوم القيامة، اذا كان مخطئا.
لذلك كنت ماهرا في كسب الاعداء، ليس دفاعا عن مصلحة شخصية، أو منصب، وانما دفاعا عن حق الاخرين في وطن ألتهمه الاقوياء بقوة السلاح.
منذ أن وطأت قدماي أرض مونتريال، قبل أكثر من ربع قرن، وأنا أجني، في كل مناسبة، عداوة الاخرين، مطبقا القاعدة الذهبية «الاقربون أولى بالمعروف» ، فما معنى أن يكون نقدك للعيوب عند الآخر البعيد أو المختلف عنك، وتصمت عنها أو ربما تمدحها عند القريب بالدم أو بالدين او عند ابن الحي او المدينة او عند ابن القبيلة. لذلك كنت أسعى لرؤية الخشبة التي في عيني او في عين قريبي قبل رؤية القشة التي في عين الغريب، وكان تطبيق هذه القاعدة المسيحية كفيلا لوحده بتحقيق مكاسب هائلة من العداوات في أوساط المسيحيين قبل غيرهم من ابناء الاديان والطوائف الاخرى. وجاءت الثورة فأعادت فرز كل شيء في حياة السوريين، ابتداء من الايمان بالانسان وانتهاء بالايمان بالله، وظهر الباطل شاهرا السيف في وجه «حق» الشعب السوري في نيل الحرية والكرامة. وأكتشفت كم أصبحتُ بعيدا عن «بني قومي وجلدتي»، حتى ان بعضهم كاد يتهمني بالكفر، ومن حسن الحظ أننا لسنا في العصور الوسطى، وإلا لكانوا أحرقوني، على طريقة داعش، بتهمة الزندقة والسحر.
حدث قبل أيام أن التقيت بالصدفة، في أحد المراكز التجارية بأحد مَن كسبت عداوتهم، وكنتُ وحيدا آقرأ في كتاب "المنشق"، الذي يتابع حياة كازانتزاكي وعشقه لليونان والحرية والله والنساء، عندما سمعت صوتا يقول: مرحبا أستاذ ميخائيل.
رفعت رأسي عن الكتاب الالكتروني واذ بالشخص الموصوف في البداية، يكاد يلتصق بطاولتني. قلت له بجفاف واضح، ولكن دون قلة أدب: اهلا بك.
انتظرت أن يقول شيئا، لم أقل له تفضل، ولكنه بقي واقفا ثم قال: هل استطيع الجلوس قليلا؟
«فرَدْتُ» وجهي كرغيف خبز «مقرمش»، وأشرت اليه أن تفضل، ففعل ما كان ينوي فعله، أي جلس. تبادلنا التحيات التقليدية، ثم قلت له: هل تريد أن تخبرني بشيء خاص، أنا آسف، ولكنني مشغول.
قال: هل سمعت أن اللاجئين السوريين، الذين قدموا من المخيمات، قد وضعتهم الحكومة في اوتيل فاخر في لافال؟
قلت: سمعت بشيء من هذا القبيل.
قال: هل تعرف ان اللاجئين هؤلاء قد رفضوا الانتقال الى المساكن التي قدمتها لهم الحكومة؟
قلت له: لم اسمع بذلك.
قال: هل تعرف ماذا كان شرطهم كي يتركوا الاوتيل؟
قلت له: قل ما تريد قوله بسرعة من فضلك.
قال: لقد اشترطوا على الحكومة أنهم لن يتركوا الاوتيل الا اذا عثروا لهم على منازل قريبة من الجامع..معقول هالحكي يا استاذ؟
قلت له: يبدو أن عندك مناعة ضد الفهم، فرغم وجودك في كندا منذ حوالي ربع قرن فـإن ما زرعه في عقلك الصغير نظام الاسد لم يتغير، وكل مرة أراك فيها ازداد ايمانا ان دارون محق في نظريته، ولكنه، للاسف، نسي أن يقول ان بعض البشر لن يتطوروا، وسيتوقف نموهم العقلي عند مرحلة القرد، واذا لم تصدقني فاسأل المطران لوقا الخوري، فعنده الخبر اليقين عن آل الاسد، أليس يخدمهم منذ سنوات؟ وقد يكون مفيدا في هذا الباب ايضا معرفة رأي الصحفي "الكبير" جهاد الخازن، فهو يخزّن معلومات كل رجال الحكم في البلاد العربية ويعرف كافة تفاصيل جيناتهم الوراثية.
ارحل من هنا قبل أن أطلب لك الشرطة وأقول لهم إن قرداً قد هرب من حديقة الحيوان وهو يزعجني الآن…
* ميخائيل سعد: كاتب ومغترب سوري مقيم في منتريال- كندا منذ ٢٦سنة
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...