معارك رابطة الكتاب السوريين
نجم الدين سمان
2018-08-25
قبل أكثر من 10 سنوات، زار سورية وفدٌ من اتحاد كتاب الصين؛ بينهم مستعرب من جامعة بكين، ألقى محاضرة عن تاريخ الأدب الصيني، حضرها بعضٌ من أعضاء المكتب التنفيذي لـ (اتحاد كتاب ع.ع.ع). وبعد انتهاء المحاضرة سألته:
كم عدد أعضاء اتحاد كتابكم؟
5000 عضو وبضع عشرات.
5 آلاف فقط! في بلدٍ سكانه مليار و500 مليون؟!
فابتسم المستعرب الصيني على طريقة ماو تسي تونغ:
إذا صار الصينيون كلّهم كتابًا؛ فمن سيزرع الأرز ويبني البيوت ويعمل في المصانع؟!
قلت له:
أنت تعلم أن عدد سكان سورية يعادل سكان بكين.
قال مبتسمًا على طريقة كونفوشيوس هذه المرة:
أعلم ذلك.
لكنك لا تعلم كم عدد الكتّاب في بلدنا!
هل تتفضل بإطلاعي على الرقم.
إذا طبقنا نسبة كتابكم إلى نسبة سكانكم على بلدنا؛ فلن تحصل على رقمنا السوري إطلاقًا.
ابتسم المستعرب الصيني، بينما زورني حسين حموي العضو الدائم في المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب النظام!
تذكرت هذه الحادثة، وأنا أقرأ ردود أعضاء المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب، على البيان الشخصي للشاعر حسان عزت: (رابطة الكتاب السوريين وتجارة الأوهام)، وكان أغلبها يداور عن المسألة الجوهرية في بيانه: العطالة، أو.. ما أطلق عليه “مرض نقص المبادرة المكتسب” لدى السوريين، وبخاصة إذا تعلق الأمر بشأنٍ عام، أو بنشاطٍ نقابي، أو بانتخابات الرابطة ذاتها، حيث شارك 93 عضوًا فقط، من أصل 400، بالتصويت لـ نوري الجراح، رئيسًا للرابطة قبل عام؛ أي بأقل من ثلث أعضائها! ولا أعرف في تاريخ الروابط والنقابات أن هذا يعطي شرعيةً لأحدٍ ما، كما لا أعرف كيف تستمر رابطةٌ بلا مؤتمر عامٍ، على الرغم من انقضاء سنواتٍ على تأسيسها، وكيف يستمر مكتبٌ تنفيذي منتهيةٌ صلاحيته منذ سنوات، في عمله “التطوعي” والارتجالي أيضًا.. بما يتعارض مع النظام الداخلي للرابطة ذاتها!
لكني أتفهم مغزى ردود أعضائه على بيان حسان عزت، من كونهم قد اجتهدوا، وهذا ما نتج عن اجتهادهم! بل إن هذا هو أقصى حصادهم، فلا تلوموهم عليه، وبخاصةٍ حين لا تشاركون فيه!
كان مفحمًا للغاية ردُّ خطيب بدلة على حسان عزت: “إذا لم يتقدم أحدٌ ليشغل مكاننا، فسنستمر في تقديم ما لدينا”، ثم يختم خطيب الرابطة رده.. هكذا: “الله غالب”، مستعيرًا العبارة من مذيعٍ مصريٍ معارضٍ يقيم في إسطنبول، يختم بها برنامجه التلفزيوني!
وذاك أقصى ما يتمناه المكتب التنفيذي من عطالة أعضاء رابطتهم، ومن انصرافهم عن شؤونها وعن شجونها، وعن انتخاباتها، وبالطبع عن دفع اشتراكاتهم لسنوات، ولا أعرف إذا كان النظام الداخلي للرابطة يجيز بقاء العضو عضوًا يحق له الانتخاب، أو كعضو مؤتمرٍ عامٍ يحق له الترشح للمكتب تنفيذي، أو رئيسًا للرابطة، بينما لا يساهم بشيءٍ معنوي أو تنظيمي أو في نشاطات الرابطة؛ وأيضًا لا يسدد الاشتراكات!
بعد بيان حسان عزت، وربما بالتزامن معه، بدأ نوري الجراح “الرئيس المنتخب بأقل من ثلث الأعضاء” حملةً على المكتب التنفيذي “المنتهية صلاحيته”، حين بدأ أعضاؤه يتصلون بسواه لترشيح أنفسهم؛ ومن بينهم: حسان عزت الذي اعتذر، وهو يلوم أعضاء المكتب التنفيذي على سباتهم طوال “الفصول الأربعة”، فلا يتحركون سوى قبل الانتخابات! وكذا اعتذرت الشاعرة مرام المصري أيضًا، كما جاء في تعليقٍ لها على بيان حسان، ولا نعرف بقية من اعتذروا أو قبلوا!!
حتى خلنا أن الأمر منافسة انتخابية ديمقراطية فحسب، فإذا بها تتبدى للمتابعين عن أزمة بنيوية في الرابطة ذاتها؛ كنت قد أشرت إليها في مقال سابقٍ ها هنا في (جيرون) قبل عام.. افتتحته بهذا السؤال: “هل كانت ارتجالًا محضًا كل تلك المؤسسات البديلة التي تشكلت طوال ست سنوات؛ بينما السوريون في معاناتهم التراجيدية الدامية؟!”.
واختتمتها بالأسف: “لأننا لن نقيم أي مؤسسةٍ بديلةٍ عن نظام الاستبداد، طالما أننا لم نتجاوز تغييبنا عن العمل النقابي الجماعي منذ ستين عامًا، وطالما أننا لم نلتزم جميعنا بألف باء العمل المؤسساتي، فستبقى مؤسساتنا حبرًا على أوراق مراسلاتها فقط؛ وفي مواقعها الإلكترونية التي لا يزورها حتى أعضاؤها!”.
وكان نوري الجراح قد اعتزل الرابطة وأعمالها، أو كما يقول في رسالته الرسمية الموجهة للمكتب التنفيذي: “لقد آليت على نفسي، كما تعلمون، بعد انتخابي رئيسًا للرابطة، ألا أتدخل كثيرًا في تفاصيل عملكم المعتاد، وأبقيت هدفي هو تطبيق مشروع إصلاحي”، وهكذا أعلن تشكيل لجنة رقابة قانونية من أعضاء الهيئة العامة للرابطة، يترأسها الدكتور أحمد برقاوي لضمان الالتزام بالنظام الداخلي ومراقبة النوع “الجندر” والحرص على عدم حدوث تجاوزات.
لكن عبد الرحمن حلاق، عضو المكتب التنفيذي، أسماها: “كتيبة حفظ النظام”! وذلك عند تعليقه على مقال راشد عيسى رئيس “رابطة الكتاب السوريين”: من أنتم؟
ولم أفهم من مقال عيسى سببًا لهذا التجاذب ولذاك الخلاف: هل هو خلاف تنظيمي بحت، أم تنازع صلاحيات، أم تمترسٌ في المناصب، أم هو انقلاب مكتبٍ تنفيذي على رئيسه نوري الجراح، بعد أن تمنوا عليه الترشح لرئاستهم قبل عام، أم أنه انشقاق داخلي في الرابطة، بدليل وجود موقعين إلكترونيين لها: الأول يسيطر عليه أعضاء المكتب التنفيذي؛ والثاني أنشأه رئيس الرابطة تحت عنوان: موقع الرئاسة ومنتدى أعضاء الهيئة العامة! أم أن كل هذا، ينطوي على ظلال تبعيةٍ لأحدٍ ما، من حيث لا يعرف أغلب أعضاء الرابطة من يمول الآن مجلتهم التي ينشرون فيها؟!
والحال أن الرابطة لا تطبق نظامها الداخلي، وليس فيها لجنة مالية، أو قانونية، ولم تعقد مؤتمرها العام، وأقر مكتبها التنفيذي “الذكوري كجندر”، انتخابًا غير مكتمل النصاب: بمرشح وحيد هو الفائز الوحيد أيضًا، وبنسبة تصويت غير نقابية على الإطلاق!
والحال أيضًا أن رئيس الرابطة متمترس برئاسته لثلاث سنوات، وربما، كما قال في رسالته الداخلية للمكتب التنفيذي: حتى انعقاد مؤتمرٍ عام وإجراء انتخاباتٍ لن أترشح لها. وقد شكل لجنة رقابية داخلية تحتكم إلى النظام الداخلي؛ بينما يتمترس المكتب التنفيذي في مناصبه على طريقة: الله غالب!
هكذا تتبدى أول منظمة نقابية سورية “حرة وبديلةٍ لمؤسسات النظام”، أنشئت في القاهرة عام 2012، عن أزمةٍ بنيويةٍ عميقةٍ لا تطالها وحدها فحسب؛ وإنما تنسحب على كل مؤسسات المعارضة: سياسية وحزبية ونقابية؛ فلا احتكام للنظام الداخلي حتى في قبول العضوية؛ ولا شرعية لها بلا مؤتمر عام، ولا شفافية مالية أيضًا. حتى لو أن بعض أعضاء المكتب التنفيذي سيدرجون جملتي هذه في باب التخوين، وربما في باب: “وهن نفسية المعارضة”، على طريقة الدكاكين الثقافية والإعلامية والحزبية، ومنصات التفاوض التي رأيناها تتوالى، ثم تختفي تباعًا طيلة 7 سنوات ماضية!
ما أكثر جهلنا بالعمل النقابي والسياسي والمدني العام، وما أشد فرديتنا ونزعاتنا الخاصة، وما أكثر اصطفافاتنا مع سوانا!!