كي لا نخسر إدلب مرتين..
2018-09-29
حتى تاريخه، يرمي السوريون بأنفسهم إلى التهلكة، هرباً من المستقبل المجهول ومحاولات إذلال "القربى والجوار" أو يرميهم تجار الحروب بالبحار، لتقذف الأمواج للشاطئ منهم، من فاض عن وجبات الأسماك و"كلاب البحار".
صحيح لم يعد يتصدر خبر غرق السوريين نشرات الأخبار وعناوين الصحف، بعد أن تراجع الاهتمام بالسوريين وقضيتهم، سواء من الأشقاء أو الأصدقاء، لكن الموت غرقاً يتكرر، وربما كل يوم، فالأسبوع الفائت غرق العشرات على شواطئ تركيا وبالأمس نحو مئتي سوري على شواطئ ليبيا، قبل نبأ وفاة نحو خمسين سورياً قبالة سواحل عكار اللبنانية، وعلى الأرجح، ما خفي أفظع وأعظم.
أمام هذا المثال الموجع، والذي يتكرر بأثواب وطرائق عديدة، تخسر خلالها سوريا شعبها وطاقاتها، ما الذي يمكن عمله اليوم، وخاصة بعد أن بات للسوريين جغرافيا وملاذ "إدلب الكبرى"، يمكن مع الأيام أن تتوسع وتأخذ شكل "سوريا المصغرّة" ريثما ينجلي المحتلون ويسقط النظام والقتلة، وتعود سوريا قاطبة لأهليها.
لو سألنا وبشيء من الصراحة والمباشرة، بعيداً عن العاطفة والشعارات، هل يعود السوري المقيم بأوروبا أو حتى دول الجوار إلى إدلب اليوم أو إلى سوريا غداً...وربما السؤال التالي، ماذا يريد كي يعود؟!
لا أعتقد أن السوري، أي سوري بدول أوروبا خاصة، يمكن أن يقايض الأمان والاستقرار بالمخاطرة والاختلاط الذي تعيشه إدلب اليوم، كما أكاد أجزم، أن السوري، أي سوري، لا يمكن أن يفكر، مجرد تفكير بالعودة، بعد أن استقر نسبياً وبدأ يتلاءم مع واقعه ودخله الجديدين، بل والحياة العامة التي تؤمن تعليم أولاده وضمان حياته، حتى بعد التقاعد والموت.
ما يعني مبدئاً، أن سوريا، خسرت أكثر من سبعة ملايين، جلهم من الشباب والأطفال، وهم حوامل التنمية وأهم أسباب إعمار البشر والحجر بسوريا المستقبل.
قلنا مبدئياً، إذ يمكن ومنذ اليوم، إعادة النظر بتأسيس وتنظيم إدلب، ليس لتكون وطناً للسوريين الذين هاجروا أو تهجروا، بل ولمن هم في مناطق الأسد، يعيشون مسلوبين كل أشكال الحرية وتمارس عليهم شتى طرائق الامتهان والإذلال.
هنا يأتي السؤال العملي، كيف؟!
في محاولة للإجابة عن كيف لإدلب أن تكون سوريا الحلم وجاذبة للسوريين، ريثما يكلل الحلم بباقي أرض الوطن، أعتقد أن المهمة تنطلق من الرؤوس قبل رؤوس الأموال، بمعنى أن يبدأ السوريون بالتفكير بعدم سرقة إدلب كما سبقت خلال "تحريرها" عام 2015 وقدمت وقتذاك، مثالاً سيئاً عن جغرافيا خارجة عن سيطرة الأسد، فسادت الثأرية واستقوت الجماعات الراديكالية وتفاقمت وبقصد، تعمية السوريين وتجهيلهم، بعد إلهائهم بالتاريخ المزيّف والأسلمة التي لا تمت للدين الحنيف بصلة.
التفكير اليوم، ربما هو واجب عين على كل من لديه القدرة على تقديم طرائق تنقل إدلب إلى "مركز تحريضي" وبداية لحكم مدني ديمقراطي، وواجب عين أيضاً، على التفكير بتأمين موارد لمن هم بإدلب، بعد أن ذاقوا الأمرّين وعلى مر ثماني سنوات، وواجب عين لتسويق إدلب ومن فيها من ضيوف، وفق ما هم من أصالة ووطنية والتصاق بالأرض، وليس بحسب ما فيها من أدوات وعملاء ومتخلفين.
وبالتوازي، يأتي دور رؤوس الأموال السورية المهاجرة، لتبدأ ببناء المؤسسات التعليمية أولاً، علها تسعف الأطفال الذي ابتعدوا قسراً ولسنوات عن مقاعد التعليم، وتحد من انتشار "شيوخ الطرق والدجل" الذين قادوا عملية تعليم الأطفال وحتى الكبار، كل أساليب الثأر والدموية والتغييب.
حقيقة الأمر، الواجب على جميع السوريين تجاه إدلب، كثير ولا يمكن حصره بسطور هنا، ولكن وحسب ما نعتقد، نحن أمام لحظة مهمة، يمكن من خلالها، إرسال ولكل من يهمهم الأمر، أن السوريين أهل للحياة والتطور وبناء الدولة، حينما تتح لهم ولو أبسط الأسباب والوسائل.
أو، وهو الاحتمال الثاني، سيأتي إدلب من يبنيها على ما يشتهي ويطمح، فتخرج عن لونها ونكهتها السورية، ونخسرها وتخسر بالمقابل، كثير من السوريين، الذين إن وجدوا بوطنهم ما يتناسب وحلمهم، فعلى الأرجح، أن يتركوا إغراءات المهجر ويعودون.
نهاية القول: بالأمس أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حملة العودة إلى الوطن، وجهها للعلماء الأتراك الموجودين خارج البلاد، فضلًا عن إعداد برنامج دولي لكبار الباحثين، ليساهموا ببناء وطنهم وإيصاله لحلم المئوية...بل وأكثر.
أعتقد ومهما توفرت وسائل البناء والتنمية والتطور، يبقى الإنسان حامل التنمية، وتبقى شروط هؤلاء الحوامل، محدودة وممكنة التحقيق، أولها الحرية واحترام الإنسان وعلمه...وربما آخر آخرها الدخل العالي والحياة الباذخة.
زمان الوصل
08-أيار-2021
03-نيسان-2021 | |
29-آب-2020 | |
13-حزيران-2020 | |
06-حزيران-2020 | |
30-أيار-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |