(الرسالة الأخيرة) أربعة شباب مدهشين
توفيق حلاق
2018-11-17
لفت نظري وسمعي شابٌّ في مقتبل العمر يقدم برنامجًا سياسيًا ناقدًا، بأسلوب كوميدي ساخر على (يوتيوب)، في نهاية البرنامج، قرأت: من تأليف وإخراج وتقديم عروة الأحمد.
لم أكن أعرف الشاب سابقًا، حتى إن اسمه لم يذكرني باسم أبيه الممثل المسرحي والتلفزيوني المعروف محمد الأحمد. لكن أخبار الجوائز السينمائية التي كان ينالها، كانت تغزو وسائل الاتصال الاجتماعي من دون توقف، وخصوصًا فيلمه الأخير (الرسالة الأخيرة)؛ ما دفعني إلى البحث عنه لأكتشف أنه صديقي على (فيسبوك)، وقبل أن أكتب له، ذهبت إلى (غوغل) لأقرأ عنه، وكان أن فاجأتني سيرته الغنية بالنجاحات المتواصلة، منذ طفولته حتى الآن، وقد بلغ الثلاثين من عمره. قرأت:
عروة الأحمد مواليد حمص 1988. خريج المعهد العالي للفنون في بيروت 2009- قسم الإخراج المسرحي. كاتب ومخرج مسرحي، حائز على الجائزة الذهبية في مهرجان الكونسرفتوار المسرحي 2009 عن مشروع تخرجه مونودراما (الثعلب) من تأليفه وأدائه وإخراجه، أعماله المسرحية كانت (ما في أمل) وهي كوميديا سوداء من تأليفه وإخراجه، تم تقديمها على خشبة مسرح الكندي في حمص 1 اذار 2011، ثم قدم عرضًا مسرحيًا بعنوان (نايلون) وعرضًا آخر بعنوان (هو الحب) في دبي 2016. وهو إلى ذلك تحول إلى صانع أفلام منذ عام 2009 بدءًا من فيلم (لاعب النرد) الذي نال تكريم مهرجان الدوحة السينمائي، ومن ثم فيلم (خبز ورصاص) عن مجاعات أفريقيا، الذي نال تكريم منظمة هيومن رايتس عام 2011، ثم فيلم (السيدة الأولى) وهو قيد الإنجاز، ويسلط الضوء على طفلة من إدلب، كانت في الصف التاسع عندما نالت المركز الأول على محافظتها، على الرغم من استشهاد والدتها أثناء تحضيرها للامتحانات. ثم نال ذهبية (فيرجن سبرينج) سنة 2017 كأفضل مخرج عن فيلمه (ذاكرة مالحة) الذي حصد أكثر من 10 جوائز عالمية أخرى، كما حاز فيلمه (الرسالة الأخيرة) جائزة أفضل فيلم في مهرجان كان للأفلام القصيرة سنة 2018. وهو بالرغم من انشغاله في المسرح والسينما والإنتاج التلفزيوني، لا يزال عضوًا في (تجمع الشارع السوري) منذ عام 2011، وهو تجمع شبابي مدني ما زال العديد من أعضائه معتقلين لدى النظام السوري حتى اللحظة، ومنهم (مهند عمر– عدنان زراعي). وكان عروة المخرج العام لكرنفال دبي لكأس العالم للخيول 2015.
المفاجأة الثانية كانت تلك الفتاة الساحرة (آنّا شقير) وهي ابنة صديق العمر سميح شقير، وقد سايرت طفولتها حتى غدت شابة جميلة رقيقة كوردة الياسمين، وقد هالني كيف لم أعرف أنها شريكة عروة الأحمد في بطولة الفيلم الذي أثار ضجة في الوسطين الفني والإعلامي! سميح شقير هو من أخبرني، قبل أن أكتب لعروة: عروة الغالي، أريد نبذة عن فيلم (الرسالة الأخيرة)، تشمل الإنتاج والتأليف والإخراج والبطولة، ورابطًا للفيلم إن أمكن فأنا لم أره حتى الآن؟ فأجابني بعد ساعات قليلة بادئًا بقصة الفيلم: عام 2015 تداولت العديد من الصحف الرسمية حول العالم، نصّ رسالةٍ عثر عليها خفر السواحل الإيطالية، بين مقتنيات اللاجئين الذين غرقوا في البحر المتوسط. الرسالة كتبها شاب سوري، لم يفصح عن اسمه، وأودعها مع حاجياته في كيس من النايلون مضاد للتلف. الفيلم من بطولة: آنا شقير- عروة الأحمد، وتصوير: جلال مندو – كلوي بيسنارد، موسيقى: بيغي هيلمرز، ترجمة: رائف العطار، تصاميم: إحسان الصغير، إنتاج: بسام معلوف، لصالح شركة Virtue Ventures الأميركية للإنتاج الفني. كتب نص الفيلم وأخرجه: عروة الأحمد. حاز الفيلم على 4 جوائز، كان آخرها جائزة أفضل فيلم في مهرجان كان للأفلام القصيرة، وهو مرشح للمشاركة في أكثر من 10 مهرجانات عالمية لعام 2018. وقد قدّم عروة اسم (آنا) على اسمه أدبًا وتواضعًا.
كانت مفاجأتي الثالثة هي اسم صديقي بسام معلوف الذي تعرفت إليه عبر (فيسبوك) أولًا، كناشط حر في مجال إغاثة السوريين في الداخل، ثُم لنلتقي بعدها في لوس أنجلوس، حيث كنت أقيم، وبعد ذلك في واشنطن مقامي الثاني، كما تعرفت إلى أمه الرائعة التي عانت معه فقرًا مدقعًا في نيويورك، قبل أن يحقق بسام نجاحًا مذهلًا في عمله الإداري والمالي، نقل حاله وعائلته إلى الوفرة المادية التي أتاحت له إنتاج ذلك الفيلم، وستتيح له المضي مع عروة في إنتاج فيلم قادم طويل.
كان عروة الأحمد بارعًا في تقمص دور ذلك الشاب مجهول الاسم، الذي وجد نفسه لاجئًا في مصر يتنقل بين بيوت السوريين محرجًا ومحبطًا، ثم يستدين منهم مبلغًا كافيًا ليرحل في البحر مع لاجئين آخرين، في مركبٍ متهالك إلى سواحل إيطاليا، أملًا في الوصول إلى فرنسا أو ألمانيا، أو أي بلد أوروبي. لكن المركب يغرق قبل أن يصل، ولا ينجو منه سوى تلك الرسالة التي كتب فيها مشاعره وأمانيه. وهو كما في رؤية عروة يتذكر حبيبته طوال الوقت ويتواصل معها هاتفيًا، ويرفض عرضها بالعودة إلى سورية قائلًا: (كيف بدي ارجع ولسا هادا الوسخة راكب البلد، وكل مالو عم يزيد وساخة)؟ تفاعلت (آنا شقير) بدور الحبيبة العاشقة إلى مرتبة التماهي مع الدور ببراعة ملفتة. وحين التقيت بها مؤخرًا، أثناء زيارتها إلى واشنطن للتحضير لفيلم طويل آخر، روت لي قصتها مع الفيلم: راسلني عروة وأخبرني عن دوري، أعجبتني الفكرة وأديت الدور مع فريق العمل وقبلت، وقد كانت أول تجربة تمثيلية أقوم بها، وكان تصوير الفيلم ممتعًا وجديدًا. ترشحنا أنا وعروة لجائزة أفضل ثنائي في مهرجان أميركي بلوس أنجلوس، وكانت النتيجة مفرحة وصادمة، لأنها كانت أول تجربة لي، ولم أكن قادرة على توقع أيّ شيء، بل اكتفيت بروعة التجربة مع المخرج عروة الأحمد، وأنا لم أكن رأيت الفيلم كاملًا قبل ذهابنا الى مهرجان (كان) للأفلام القصيرة، حين نال جائزة أفضل فيلم قصير. كانت بداية صادمة لم أتصور أنها ستحدث، وتكاثرت المهرجانات واحدًا تلو الآخر، ولا أزال أجد صعوبة في تصديق ما يحدث بالنسبة إلي، كونه أول فيلم أمثل فيه، وسأبقى ممتنة للمخرج عروة الأحمد على منحي هذه الفرصة الفريدة الرائعة، أما عن المستقبل في هذا المجال فلا أعلم ماذا يخبئ لي، مع أنني سوف أشارك عروة في فيلم روائي طويل قادم. أنا أدرس حاليًا في جامعة السوربون في باريس (لغات تطبيقية) وأعمل إلى جانب ذلك في (راديو فرنسا) وأشارك في تأسيس منصةٍ تطوعيّة سوف تطلق قريبًا. أما عن طموحي، فهو العمل مستقبلًا في مجال حقوق الإنسان.
ما يثلج الصدر أن أربعة من الشباب الأحرار هم من صنعوا هذا الإنجاز الذي حقق نجاحًا دوليًا متميزًا، وهم المنتج بسام معلوف، والمخرج الكاتب والممثل عروة الأحمد، والممثلة آنا شقير، وأولًا وآخرًا هو كاتب الرسالة، ذلك الشاب الذي كتب الرسالة، ثم لم يحقق حلمه في الوصول إلى بلد حر، لكن رسالته صنعت فيلمًا جال العواصم، وأوصل صوته للعالم.