كانتْ ليلى إلى جانبِهِ هادئَةً صامتةً لا تُبدي حراكًا. بعد لحظاتٍ خرجَتْ عن صمتِها وقالَتْ بصوتٍ مُتحشْرِجٍ: "أعتقِدُ أنّني قد رأيْتُه من قبلُ، ولكن في وضَحِ النّهار، ليس في اللّيلِ المُظلِمِ". وتابَعَتْ: "رأيتُه وهو يحشُرُ رأسَهُ في قلنسوَةٍ ضيِّقةٍ، ويشُدُّ جسَدَهُ في إزارٍ عريضٍ. أعتقِدُ أنّه غيرُ مؤذٍ. إنّهُ مجرَّدُ شبحٍ لا أكثر".
صاحَ من جديدٍ: "يا إلهي.. يا إلهي.. إنّهُ نوعٌ منَ أنواعِ ال...ال"، وتلجلجَ لسانُه وانقطعَ عن الكلام. قالَتْ ليلى: "العنفُ.. الإرهابُ.. التّخويفُ.. هذه الكلمةُ الّتي تبحثُ عنها". أجابَها وقد انطلَقَ لسانُه: "نعم إنّه العنف والإرهابُ والقسوةُ.. عليْنا أن نتَّخِذَ الحيطةَ والحذرَ. أن نحمي أنفسَنا، نُحذِرَ أولادَنا، نوصِدَ الأبوابَ".
عندما بلغ سعيدٌ وزوجتُه الزّاوية القريبةَ في نهاية الشّارع، لم يقعا له على أثَر. كان الانحناءُ الآخرُ من الزّاويةِ مُضاءً بِقِنديلٍ مُشِعٍّ، وتحتِ وميضِ الضّوءِ المنتشِرِ تناهَتْ له ابتساماتُها اللّطيفةُ الهادئةُ. تلفّتَ سعيدٌ حولَه، أرسلَ نظراتِه في كلِّ الاتِّجاهاتِ، بدَتْ له السّاحةُ المُتفرِّعةُ عن الزّاويةِ هادئةً مُطَمئِنةً. شعرَ أنّه بحاجةٍ لأنْ يبتسمَ ويُبدِّدَ الصّقيعَ مِن حولِه. التمعَ في عينيْه نورٌ عميقٌ وهمسَ في خبيئَتِه: "حسنًا.. حسنًا". استردَّ أنفاسَهُ بعمقٍ. أحسَّ بأنَّ شيئًا ما يفصِلُه عن أيّامٍ مُظلِمةٍ مضَتْ. أقبلَ نحوَها. طوَّقَها بذراعيْهِ وشدَّها بليونةٍ نحوَهُ. غرسَ ناظِريْهِ في وجهِها وعيْنيْها، وببطءٍ امتدَّتْ ذراعاها اللّيّنتانِ لِتطوِّقَ جسدّه النّحيلَ. سارا مُتلاصِقيْنِ وقد أصبح البيتُ على مرمى خُطواتٍ قليلةٍ لا أكثرَ...
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...