"لماذا انتفض السوريون ؟!*"
عدنان عبد الرزاق
2019-03-23
هامش رقم واحد، لا أعتقد أن جريمة "الإرهابي المسيحي" برينتون تارانت، وقتله نيفاً وخمسين مصلياً داخل مسجدين بمدينة كرايست تشيرش في نيوزلندا، ستمر بيسر وسهولة، بل، على الأرجح، أن يأخذ تاريخ 15 آذار مارس/2019 من الألم والارتدادات، ربما كما كان لتاريخ 11 أيلول سبتمبر/2011، إذ ما تم اكتشافه وما سيتتالى، سيؤكد أن الحكاية ليست قصة أسترالي مهووس بالتاريخ أو حتى يحافظ نجدة أوروبيته البيضاء، من الوافدين الملونين.
هامش رقم إثنين، حتى حينما يتم قتل مصلين داخل المسجد، بجريمة أعادتنا لجريمة "الإرهابي اليهودي" باروخ جولدشتاين، في 25 شباط فبراير/ 1994 الذي قتل في الحرم الإبراهيمي بفلسطين، وغيره من الإرهابيين، تابعوا المهمة خلال التشييع، 50 مصلياً-العدد ذاته لقتلى نيوزلندا- حتى خلال ذلك، يتم الطلب إلى "المسلمين" لمحاكمة الصحابة والخلف ، بل ولن يتم الرضى عليهم وعنهم، إلا أن "مزقوا قرآنهم" وأعلنوا، أن مصدر الإرهاب من الكتاب والسنة، ولا بد من "تجديد الخطاب الإسلامي".
وأما لخطاب الحاخام "عوفاديا يوسف" الذي أعلنه عبر التلفزة "عندما يقتل اليهودي مسلماً، فكأنما قتل ثعباناً أو حشرة ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاً من الثعبان أو الحشرة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث" فهو لا يحتاج لتجديد، كما كل ما قاله البابا يوجينياس الرابع أو ما يخرج عن "الصهيونية المسيحية" بل والبرلمانيين وحتى الرؤساء، من حرب بوش الصليبية إلى دعوات ترامب ضد المهاجرين، إنما هو أس التعايش وأساس الخطاب المتجدد والجديد.
هامش رقم ثلاثة، لماذا يطلق على الشرق العالم الإسلامي ولا يطلق على الغرب، العالم المسيحي، لماذا يتم إقران الإسلام ونعته بأقذع الألفاظ وتحميله جرائم البشرية جمعاء، إن كان المجرم مسلما، ولا يتم ذكر المسيحية أو اليهودية، إن كان القاتل ينتمي لتلك الديانتين، بل بالغالب يخرج التحقيق والحكم القضائي، أنه مهووس أو مريض تفسي. أو مجرم حرب، وليس إرهابياً حتى لو كان عدد القتلى 300 ألف وعدد المغتصبات 60 ألف والمهجرين أكثر من مليون ونصف المليون، كما حدث بالحرب التي شنها "صليبيو" الصرب، على "مسلمي" البوسنة واستمرت على مرأى العالم لأربع سنوات مطلع تسعينيات القرن الفائت. وما أرّخته الكاميرات، لمقتلة "سربرنتشا" فقط بعد حصارها، من ذبح 12 ألف رجل وصبي أخذت أبشع أنواع التطرف والتطهير العرقي، يكفي ليوسم التاريخ برمته بالإرهاب والتطرف الديني، وليس الصرب ومن وقف إلى جانبهم بدوافع دينية.
هامش رقم أربعة، قتل تنظيم "داعش" وأمام الكاميرات، مسلمين وغير مسلمين، باسم الدين والله وفتاوى الأقدمين، ما لم يفعله سواه، ربما منذ ربع قرن، وتابع "راديكاليون" بعده، بسورية خاصة، ما لم يتصوره عاقل، من ذبح وجلد وإنابة عن الخالق على الأرض.
هامش أخير، هل ثمة إرهاب جاءت به الأديان، أم ثمة تأويلات بمعظم الأحيان، استغلها الساسة، منذ نزول الرسالات السماوية حتى اليوم، ليحكموا ويقتلوا باسم الله والدين، ما ولّد كراهية بين معتنقي الأديان، ارتبطت معظم الأحايين، بتواريخ "سياسية" كالتي قرأناها على بندقية الاسترالي تارانت أول من أمس، ما يستوجب نسف الكراهية، عبر العلم والاقتصاد والسياسة، وليس تغيير خطاب الكراهية، كما يحلو للمجددين الجدد، التشدق به.
إذاً، وبعد هوامش يفيد كل منها لبحث، السؤال هنا، هل ما أتينا عليه من أمثلة عن الإرهاب، يمكن اعتباره عملاً فردياً و"شهوة" ذاتية، أم ثمة تنظيمات وأحزاب، بل ودول، وراء صناعة الإرهاب؟!
في محاولة للإجابة على هذا السؤال الكبير، سأقارب عبر مثاليّن اثنين، هما الأكثر طزاجة، لئلا يشوب الكلام أي تشكيك، إن غصنا بوقائع من التاريخ السحيق.
المثال الأول تنظيم "داعش" الذي ينسب تأسيسه إلى قائد تنظيم "القاعدة" بالعراق، أبو مصعب الزرقاوي، وقت أسس "جماعة التوحيد والجهاد" بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق، عام 2003، لتتطور "الجماعة" حتى عام 2006 وقت أعلن الزرقاوي، قبل مقتله بأشهر، تأسيس " مجلس شورى المجاهدين" ليخلفه أبو عمر البغدادي الذي أعلن "دولة العراق الإسلامية" وبدأ بقتل ومقاتلة، حتى الفصائل الإسلامية "السنيّة" التي لا تبايع "دولته الإسلامية" إلى أن تم قتله بغارة أمريكية، ليخلفه عام 2010 أبو بكر البغدادي.
وبعد اندلاع الثورة بسورية وانشقاق "أبو محمد الجولاني" عن تنظيم البغدادي، وتأسيس جبهة النصرة، التي كبرت وتمددت، ما دفع البغدادي عام 2013، لإعلان "داعش" دولة الاسلام في العراق والشام ودعوة الجولاني للمبايعة، ليأتي رفض "زعيم النصرة بمثابة ترويج لفكرة داعش، التي شنت معارك على النصرة عام 2014 بعد اغتيالها "رسول" الظواهري، أبو خالد السوري. لتبدأ معارك دير الزور بين الطرفين وبدء سلوك داعش الاستقوائي وسيطرته على أجزاء من العراق ومن شمال شرق سورية.
وبعيداً عن سرد التفاصيل المعروفة، ماهو دور الفتاوى الدينية وبعض النصوص، قبل دور فرار 1000 سجين من "أبو غريب" في تموز 2013، بتقوية "داعش" إن لم نقل صناعتها؟!
ماهو دور رئيس الوزراء العراقي وممارساته الطائفية، بتشكيل داعش أو نهجها الطائفي، خاصة بعد الأعمال الطائفية واندلاع "ثورة العشائر السنية" عام 2014.
كيف ساهم الاستيلاء على الموصل في يونيو 2014، دونما قتال، بتقوية "داعش" مالاً وعددا، بل ورواجاً لدى "الشباب" حتى بالدول العربية المغاربية وأوروبا.
وكل ذلك، قبل إعلان الرقة عاصمة لدولة الخلافة والمجازر بحق السوريين بكل أطيافهم، بل والهجوم على سنجار والتنكيل بالايزيدية، وسواهم، قبل إسدال الستارة كما نرى، عبر مشهد ولغز "الباغوز"، كما سبقه من آلاف الألغاز، إن بدأت من كيف دخل كل هؤلاء الغرباء، إلى سوريا والعراق، لا تنتهي عند، أين هم القادة وميراثهم، ولماذا تؤثر "مخابرات" الدول الكبرى، لملمة قضية داعش، دونما إعلان عن أي حقائق، هي من حق السوريين الذي قتلت ثورتهم عبر أكبر خديعة بالتاريخ الحديث، أسموها داعش.
وأما المثال الآخر الجديد، فهو الاسترالي برينتون تارانت، أو بشكل أدق، بندقية تارانت، التي لم يكتب عليها "أهلاً بكم في الجحيم" لنتقتصر بالقراءة، أن القاتل يتألم لكثرة قدوم اللاجئين الملونين لقارته العجوز مصدرة العرق الأبيض.
بل جاء على البندقية من كتابات وتواريخ، وتضمن بيان "الاستبدال الكبير" كل ما يوحي، أن ثمة تنظيما ومفكرين وحاقدين، وراء هذا الإرهابي العشريني، فأن تأتي التواريخ على معارك وحروب دارت قبل قرون، بين العرب والعثمانيين "الإسلام" وبين الغرب "المسيحي" فليس للمصادفة هنا من مكان واحتمال.
ولعل ببعض ما تضمن البيان "نحن قادمون إلى القسطنطينية وسنهدم كل المساجد والمآذن في المدينة. آيا صوفيا ستتحرر من المآذن وستكون القسطنطينية بحق ملكا مسيحيا من جديد. ارحلوا إلى أراضيكم طالما لا تزال لديكم الفرصة لذلك" تؤكد الدوافع الروحية للجريمة ولا تتعلق بهجرة وتغيير ديموغرافي، وليقطع القاتل الشك، وضع خلفية موسيقية لجريمته، أغنية باللغة الصربية تشير إلى رادوفان كاراديتش، الملقب بـ"سفاح البوسنة"، وأشار متوعداً لعمدة لندن صادق خان "المسلم الباكستاني المحتل الذي يجلس اليوم ممثلاً لشعب العاصمة البريطانية".
وربما تجلى هوس من وراء القاتل، حينما بالغوا بالتركيز على "الدولة العثمانية" والتحريض على قتل الرئيس التركي "أردوغان هو قائد أحد أقدم أعداء شعبنا، وهو زعيم أكبر مجموعة إسلامية داخل أوروبا وإن مقتله سيدق إسفيناً بين الغازين الأتراك، المحتلين لأرضنا اليوم، والشعب الأوروبي ويزيل عدواً لدوداً لروسيا".
قصارى القول: الذي جرى بمسجدي نيوزلاندا أول من أمس، لم يأت بتوقيت عبثي "تزامناً مع نهايات داعش وذكرى معركة جنق قلعة في آذار 1915" ولا بطريقة إجرامية يمكن التستر عليها " قتل بدم بارد مصلين داخل المسجد"، بل -ما جرى- سيعطي على الأرجح، وقوداً لخطاب الطائفية وتأجيج الكراهية، سواء بالمشرق الإسلامي المسكون بفكر المظلومية، أو الغرب المسيحي المكتظ بيمين فاشيّ، بدأ يسيطر، شعبوياً وسياسياً، وتعلو نداءاته الإرهابية الاستئصالية، حتى على منابر الإعلام.
وهو، المشهد الجديد أو أيديولوجيا الكراهية، لن يغيّره "دعاة التعايش والتسامح" أو تفشله، ما رأيناها من "إطفاء أنوار برج إيفل بباريس" أو "إشعال أضواء محطة أمستردام" ولا حتى ما شاهدناه من سلوكيات "رائعة" من أطفال بنيوزلندا ونساء بكندا أو رجال بأوروبا، حرسوا وحرسن، مصلين على أبواب، أو داخل المساجد. لأنها ردود أفعال عاطفية آنية، وفردية بكل الأحوال، وخاصة إن قارناها بالاعتداءات وإطلاق النار التي لحقت "مسلمين" أمس، بعد جريمة نيوزيلاندا، قرب جامع بلندن، أو بما قاله وبرره السناتور الأسترالي فريزر أنينغ.
فالقضية ووفق ما بدا ويبدو وعلى الأرجح سيبدو، إنما تتعلق بحقد وفكر نكوصي نائم، وعلى كلتا الضفتين، يوقظه أرباب دين الإرهاب وآباؤه، من ساسة ورجال دين ومهووسين، كلما اقتضت الضرورة، مستغلين غياب صرامة القانون ومحتمين بمناخ مؤات وزعماء سياسيين يمينيين، ليتم الاحتكام للدم مهما مرّ التاريخ وبعدت الجغرافيا.
كلمات دلالية: