بعد اجتياح الكويت وحرب الخليج مطلع التسعينيات؛ تهيأت ظروف مناسبة لانطلاق الدراما السورية؛ وذلك بسبب تحوّل الاستثمارات الخليجية، من الأردن إلى سورية. وكان المعهد العالي للفنون المسرحية قد خرّج عددًا كبيرًا من طلابه، وعاد الدارسون في الخارج للسينما والمسرح والتلفزيون والفنون التشكيلية والبصرية والإعلام، ليشكلوا الأرضية والطاقة البشرية المناسبة لانطلاق تلك الدراما السورية.
لذلك، خُلقت، في ظروف غامضة، استثمارات وشركات ومحطات تلفزة وشركات إنتاج درامي ودبلجة أفلام كرتون وغيرها الكثير، تموّلها رؤوس أموال مريبة، لا يُعرف من وراءها وبأي أموال تعمل، مثل: شركة شام الدولية وسوريا الدولية والصقر والشرق والغزال والفردوس وعرب وساما وراما… وغيرها الكثير من الشركات الغريبة العجيبة التي بدأت تفقس وتنتشر وتزدهر؛ لتهيمن على الإنتاج الفني، السمعي والبصري…
اللافت في الأمر أن أغلب هذه الشركات الدرامية كان يديرها فنانون من الدرجة الثانية، أو من غير الموهوبين أو المعروفين أحيانًا، وُضعوا في الواجهة مقابل أن يقوموا بأدوار “البطولة” في تلك المسلسلات التي ينتجونها، ليكَرَّسوا، بعد فترة وجيزة، نجومًا للدراما السورية، عن طريق الإعلام السوري ورأس المال الخليجي.
أغلب هؤلاء، كانوا قبل الثورة من “شبيحة الوسط الفني”، وأصبحوا بعدها معادين للشعب السوري وتطلعاته. يضاف إليهم –طبعًا- عدد كبير من الكتاب والمخرجين ومديري الإنتاج والتصوير، ومصممي الملابس والديكور، والفنانات والفنانين، وجوقة من العاملين في الدراما والإعلام..
والنجم -كما نعلم- يحتاج، كي يضيء، إلى توفر الأخلاق والقيم الإنسانية والمهنية قبل الموهبة الأصيلة والجدارة الإبداعية والمعرفة، كما يحتاج إلى القدرة على التجدد وترسيخ تلك القيم والحفاظ عليها. فالفنان لا يصبح نجمًا بالصدفة! وهو يحتاج إلى كفاءة معرفية وفنية نادرة. هنا تكمن عظمة الفن الذي يلفظ أشباه الفنانين أو فناني الصدفة ومتسلقي الشهرة في البلدان المحترمة. لكن الساحة الفنية السورية أُغرقت فجأة بالنجوم الذين لم تصنعهم الصدفة أو الظروف الاستثنائية، بل صنّعتهم ماكينة الأمن ورأس المال، كي تتمكن من السيطرة عليهم والتحكم فيهم واستثمارهم في التجارة والسياسية.
كثير من الفنانين المعروفين الآن، باتوا نجومًا (خلال سبعة أيام، ومن دون معلم). عدد آخر أصبح فجأة نجمًا حتى في الإخراج أو الغناء؛ بعد أن عمل سنوات طويلة آذنًا في التلفزيون، يقدم للموظفين القهوة والشاي (مع تقديري لهذه المهنة طبعًا)، أو راقصًا في فرقة الدبكة أو عازفًا في المرابع الليلة والأعراس.
حتى الفنانون الكبار الذين أسسوا نجوميتهم، في وقت مبكر من ستينيات القرن المنصرم، على الموهبة والقيم الأخلاقية والكفاح المهني، اضطُر (من بقي منهم حيًا) إلى مسايرة النظام، وممارسة الانتهازية والتقيّة السياسية الفنية، بعد تأميم الفن، فوضعوا أنفسهم وفنهم تحت تصرف نظام البعث الصاعد، والدفاع عنه علانية، ومن رفض منهم، كان نصيبه التهميش أو الهجرة وربما السجن أو الموت..
وعلى الرغم من تلك الظروف الاستثنائية القاسية والمعادية للإبداع، تمكن بعض الفنانين السوريين في السبعينيات، من تحقيق الكثير من الإنجازات المحدودة، لكن المهمة جدًا، والكثير من الفنانين والمثقفين السوريين، لو عاشوا في ظروف أفضل، لكانوا علامات فارقة في الفن العربي والعالمي. لكنهم فضلوا التهميش والمنافي على أن يكونوا شهداء زور على عصرهم، وأبواقًا يُباع ويُشترى بهم.
سؤالنا الجوهري هو: لماذا يقف فنان “نجم” “شبعان” ماديًا ومعنويًا، ضد الشعب الذي أحبه وآمن به!؟ وكيف يستطيع الفنان الذي طالما نادى، في أعماله بشعارات الحرية والكرامة والعدالة، والقيم الإنسانية النبيلة، أن يقف -اليوم- مع نظام مستبد، ضد شعبه الذي نادى بتلك الشعارات ذاتها!؟ كيف يستطيع أن يكون مزورًا للحقيقة، متحولًا إلى متطرف يدعو إلى القتل، ويصل به التطرف إلى حد المطالبة بخنق هذا الشعب بالكيمياوي! هل يستطيع الفنان أن يكون مجرمًا أصلًا، أو بلا أخلاق أو ضمير، أو أن يحمل بندقية صيد لقتل الطيور؟! وكيف يمكن له أن يقبل بقتل عصافير بمعمر المدرسة؟!
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...