التناص بين التوراة والقرآن دراسة مقارنة / 2 ـ لوط
فراس الســواح
2019-06-08
الرواية التوراتية:
بعد الزيارة التي قام بها الضيوف السماويون، مما عرضناه في قصة إبراهيم، يتوجه الملاكان اللذان كانا برفقة يهوه إلى مدينتي سدوم وعمورة في شرقي الأردن لتدميرهما بسبب كثرة شرور أهلهما وخطاياهم، لا سيما خطية اللواطة التي اشتهر بها رجال هاتين المدينتين. وكان لوط بعد افتراقه عن عمه إبراهيم قد نصب خيامه على أطراف مدينة سدوم، وراح يرعى مواشيه هناك (على ما ورد في سفر التكوين 14: 5-13). وعندما وصل الملاكان كان لوط جالساً في باب سدوم. نتابع في سفر التكوين 19:
"فجاء الملاكان إلى سدوم مساءً، وكان لوط جالساً في باب سدوم، فلما رآهما لوط قام لاستقبالهما وسجد بوجهه إلى الأرض وقال: يا سيديَّ ميلا إلى عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما، ثم تبكران وتذهبان في طريقكما. فقالا: لا بل في الساحة نبيت. فألح عليهما جداً، فمالا إليه ودخلا بيته، فصنع لهما ضيافة وخبزاً فطيراً فأكلا.
"وقبلما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة، رجال سدوم من الحدث إلى الشيخ، كل الشعب من أقصاها، فنادوا لوطاً وقالوا له: أين الرجلان اللذان دخلا إليك الليلة؟ أخرجهما إلينا لنعرفهما (= فعل الفاحشة)([1]). فخرج إليهم لوط وأغلق الباب وراءه وقال: لا تفعلوا شراً يا إخوتي هو ذا لي ابنتان لم تعرفا رجلاً، أُخرجهما إليكم فافعلوا بهما كما يحسن في عيونكم، وأما هذان الرجلان فلا تفعلوا بهما شيئاً لأنهما قد دخلا تحت ظل سقفي. فقالوا: أبعد إلى هناك، الآن نفعل بك شراً أكثر منهما. فألحوا على لوط جداً وتقدموا ليكسروا الباب. فمد الرجلان أيديهما وأَدخلا لوطاً إليهما إلى البيت وأغلقا الباب، وأما الرجال الذين على باب البيت فضرباهم بالعمى فعجزوا عن أن يجدوا الباب.
وقال الرجلان للوط: من لك أيضاً ههنا؟ كل من لك في المدينة أَخرِج من المكان لأننا مهلكان هذا المكان، إذ قد عظُم صراخهم أمام الرب فأرسَلَنَا الرب لنهلكه. فخرج لوط وكلَّم أصهاره الآخذين بناته، وقال قوموا اخرجوا من هذا المكان لأن الرب مهلكٌ المدينة. فكان كمازح في أعين أصهاره. ولما طلع الفجر كان الملاكان يعجلان لوطاً قائلين: قم خذ امرأتك وابنتيك الموجودتين لئلا تهلك بإثم المدينة. ولما توانى أمسك الرجلان بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه لشفقة الرب عليه ووضعاه خارج المدينة. وكان لما أخرجاهم إلى خارج أنه قال: اهرب لحياتك، لا تنظر إلى ورائك ولا تقف في كل الدائرة. أُهرب إلى الجبل لئلا تهلك... وإذا أشرقت الشمس على الأرض دخل لوط إلى صوغر. فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء، وقلب تلك المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض. ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح". (التكوين 19: 1-26).
الرواية القرآنية:
ورد اسم لوط بين أنبياء الله في أكثر من موضع في القرآن الكريم: «وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ# إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ# إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ# ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ#» (37 الصافات: 133-136). «وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ....» (21 الأنبياء: 74). وهناك إشارات متعددة أخرى إلى إهلاك قوم لوط، ولكن القصة الأكثر تفصيلاً لما جرى له مع قومه والملاكان الضيفان، ترد في سورة هود، وسورة النمل، وسورة العنكبوت، وسورة الحجر.
ففي سورة هود، وبعد أن غادر الملاكان خيام إبراهيم توجها إلى موطن لوط ودخلا عليه وهو لا يعرف شيئاً عن طبيعتهما، فرحب بهما ولكنه توجس شراً يأتي من أهل البلدة، فضاق صدره بهذه الزيارة خوفاً من عدم قدرته على حماية ضيفيه اللذين جاءا في أجمل صورة بشرية:
«وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ([2]) وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً([3]) وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ# وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ# قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ# قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ([4]) # قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ([5]) وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ# فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ([6]) # مُّسَوَّمَةً([7]) عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ#» (11 هود: 77-83).
«وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ# أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ# فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ# فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ# وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ#» (27 النمل: 54-58).
«وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ# أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ# قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ# وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ# قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ# وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ# إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ#» (29 العنكبوت: 28-34).
«فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ# قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ# قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ# وَأَتَيْنَاكَ بَالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ# فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ# وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ# وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ# قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ# وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ# قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ# قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ# لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ# فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ# فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ#» (15 الحجر: 61-74).
لا تختلف الرواية القرآنية عن الرواية التوراتية إلا بخصوص شعور لوط بالضيق، وذلك لتوقعه مسبقاً لسلوك أهل المدينة. وهذه مقارنة بين العناصر الرئيسة للقصتين:
الرواية التوراتية ............................................. الرواية القرآنية
1- فجاء الملاكان إلى سدوم مساءً، وكان لوط جالساً في باب سدوم، فلما رآهما لوط قام لاستقبالهما وسجد بوجهه إلى الأرض.
- «وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ» (11 هود 77)
2- وقبلما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة، رجال سدوم من الحدث إلى الشيخ، وقالوا: أخرجهما إلينا لنعرفهما.
- «وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ....» (11 هود 78)
3- فخرج إليهم لوط وقال: لا تفعلوا شراً يا إخوتي هو ذا لي ابنتان لم تعرفا رجلاً، أُخرجهما إليكم فافعلوا بهما كما يحسن في عيونكم، وأما هذان الرجلان فلا تفعلوا بهما شيئاً لأنهما قد دخلا تحت ظل سقفي.
- «....قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ» (11 هود 78)
4- فقالوا: أبعد إلى هناك، الآن نفعل بك شراً أكثر منهما. فألحوا على لوط جداً وتقدموا ليكسروا الباب.
- «قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ» (11 هود 79)
5- قم خذ امرأتك وابنتيك لئلا تهلك بإثم المدينة اهرب لحياتك، لا تنظر إلى ورائك.
- «قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ....» (11 هود 81)
6- وإذا أشرقت الشمس على الأرض دخل لوط إلى صوغر، فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب.
- «....إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ# فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ#» (11 هود 81-82)
7- ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح.
- «....وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ....» (11 هود 81)
- «....إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ» (29 العنكبوت 33)
[1]- كلمة (عَرَفَ) هي صيغة مهذبة لكلمة (ضاجع) على ما نفهم في أكثر من موضع في التوراة.
[2]- أي أصابه منهم سوء وضجر لخوفه عليهم.
[3]- أي ضاق صدره بمجيئهم لما يتوقعه من شر.
[4]- أي لو كنت أعادلكم قوة لأهلكنكم، ولكني ألجأ إلى الله.
[5]- أي انطلق بأهلك ليلاً، وليكن مسيركم في آخر الليل.
[6]- السجيل هو طين شوي بالنار، والمنضود هو المتتابع الإرسال.
[7]- أي كل حجر مُعلم بعلامة، وقيل إن اسم من تصيبه مكتوب عليها.