أماكن تخرج من خريطة الرأس
زينب عساف
2019-07-27
ديترويت
نحن أبناء المدينة الحزينة
تبنّتنا على عجل
لتسقينا حليبها المرّ،
نخرج في الصباحات المعتمة
ننهش في جسدها بحثاً عن لقمة.
نسمع قهقهاتها الفاحشة في الليل
وأنينها في وضح الظهيرة.
المدينة الطرشاء صبغت شفاهها،
تلتهم من تشاء بحنانٍ قاسٍ
لا يليق إلا بعاهرة.
فاتنة كأنها نهاية العالم،
لا تحبّ الإطراء ولا تقبل إلا العري
فاتنة مثل نظرة أخيرة وقحة،
نُلقيها في عيون الموت.
■ ■ ■
آن آربر
في خطوة هذه المدينة المستعجلة-
ما يطردني باستمرار،
الطاولات على الأرصفة،
ظلّانا قرب متجر الشوكولا
ماريونيت الواجهات
وابتسامة الأشياء المُنجَزة..
آن آربر ابنة المليونير اليسارية
ويوغا الشرق الساحق،
أنا أحب النقص
والأيام التي بيدين عاريتين نعجنها.
ربما لأنني ابنة الضواحي
حيث يعربش الكلام والعاطفة
على جدران الإسمنت المائلة
حيث يكنس المطر والحرب
وجوه السكّان السريعة،
حيث نجفّف الأسماء على السطوح
ثم نستعملها لمولودٍ جديد.
■ ■ ■
ملفنديل
في مدخل الحيّ شجرة طويلة
تبكي في المساء
وجوه عابرين لا تعرفهم،
تعدّهم في الخريف
وتتجمّل لعصفورٍ وحيد.
بيتٌ لا يطير
فيه حبٌ صغير ينمو متعرّجاً
مع العشب الضارّ في الحديقة
وأصوات بعيدة تقرع كأجراس الأحد.
أين زرعتُ قلبي؟
كان الربيع فقيراً،
وضعت كفَّي على السروة
وكانت تعرف أني سأرحل.
"ظلّ القمر" وصوت كات ستيفنس،
أفكاري التي تنبت في الليل غابةً أتوه فيها،
ثم مدفع الصمت إذ يعلن الفراق.
مساء الخير ملفنديل
المدينة الصدئة كيد عاملٍ سابق
في مصانع فورد
المترهّلة كامرأة لا تقبل الشفقة،
المنحرفة كمراهقة تبيت مع الغرباء كل ليلة،
الجميلة في مرآة واحدة فقط،
مرآة الأشياء البريئة
وصبّار شبابي الذي، بيدين مواظبتين،
نزعتَ السمّ منه.
■ ■ ■
ميدتاون
أعرف هذا الفجر،
يشبه ابتسامة نبات القرّاص
عند النافذة،
رائحة الماريوانا
وصخب الهيبيين في الشقة المقابلة،
الدرج الذي ينطق بكلمة
مع كل خطوة،
الأشياء غير المتقنة
كسهرة أو آلة خياطة،
تاكوس آخر الليل
أو البيرة في حانة أول الشارع.
يداي اللتان عذّبهما البرد
تزيحان خصلة حزنٍ عن وجه المرآة،
هروبي المستمر من ذنوبي
وإصرارك على الصلاة
تحت تمثالي الآثم.
ميدتاون وقتٌ قليلٌ للوقت،
استراحةٌ خارج العاطفة
خارج الأيام التي، إذ تتكدّس
ينبت لها شوكُ الذكريات.
* شاعرة لبنانية مقيمة في الولايات المتحدة