آل الأسد وصحبهم... من أين لكم هذا؟
عدنان عبد الرزاق
2019-09-14
أغلب الظن، سيتم قطع دابر الفساد بسورية بشار الأسد، ولكن ربما ليس غداً أو بعد غد، فالقضية مركبة وشائكة ومعقدة كما تعلمون. إنما على الأرجح، سيتم البدء بمكافحة الفاسدين والمفسدين وتجفيف جميع مستنقعات الفساد، مع مطلع ولاية السيد الرئيس المناضل بشار الأسد الرابعة، التي ستبدأ بحول روسيا وقوة الدول الإقليمية، بعد تمرير انتخابات 2021.
والكلام جديّ، ولا تشعر عزيزي القارئ بأن مكافحة الفساد كما المقاومة والممانعة، أي مجرد شعارات عريضة، هاك هذا الخبر الطازج الذي يؤكد حسن نوايا السيد الرئيس "كشف مدير إدارة التشريعات الوظيفية في وزارة التنمية الإدارية بحكومة النظام السوري، غياث فطوم أنه من المتوقع صدور قانون الإفصاح عن الذمة المالية قبل نهاية العام الجاري".
والقانون الجديد بحسب حكومة الشفافية بدمشق، سيأخذ اسم "قانون الإفصاح عن الذمم المالية" بدلاً عن "قانون الملاءة المالية"، أي هرباً من متاهة الأسماء والمسميات، هو قانون من أين لك هذا.
و"من أين لك هذا" هو باختصار، التحقيق والمعاقبة فضلاً عن مصادرة الأموال، لكل موظف حقق زيادة غير منطقية في ثروته بعد دخوله الوظيفة العامة، إن ثبت أن الزيادة تشكلت من جراء رشى أو سرقة، أو غير ذلك.
عليكم نور على قولة إخوتنا المصريين، تعالوا لنبدأ من الأعلى كما تنظيف السلالم، أو كما يقول عامة السوريين بأمثالهم "شطف الدرج من فوق إلى تحت".
والبداية بسؤال كبير، مفاده باختصار: ما هو حجم ثروة بشار الأسد وكيف شُكلت؟!
قلنا سؤالاً كبيراً لكننا لم نقل صعباً، وإلا كنا سألنا عن ثروة أسرة حافظ الأسد الذي حكم سورية منذ انقلاب الحركة التصحيحية عام 1970 حتى وفاته عام 2000، وما لحق من تضخم لتلك الثروة، بعد وراثة ابنه بشار الحكم، منذ وفاة الوارث حتى اليوم.
ووضعناكم إخوتي القراء من جراء سؤالنا، بوضع لا تحسدون عليه، ليس لأنكم كسالى ستلجؤون إلى "غوغل" فتمنون بخيبة عدم وجود رقم محدد لثروة حافظ الأسد أو وريثه السيد الرئيس أو ابنه سيادة اللواء (لواء حتى كتابة هذه الأسطر وقد يترفع إلى رتبة عماد قبل النشر)، أو ابنته بشرى، بل ولا حتى الأموال والأرصدة المجمدة لابنه، شهيد الوطن والأمة، باسل الذي قتل على طريق مطار دمشق الدولي عام 1994 بحادث مروري، أو مجد الذي توفاه الله بعد سنين من الإدمان نهاية عام 2009، لكن ببساطة، لأنكم غالون على قلوبنا أعزائي القراء أولاً، وعلّنا نصل معاً لرأس الخيط ولا نضيع بمتاهات ثروة لأسرة حاكمة منذ نصف قرن، تستأثر عبر حكمها بكل الثروات والقرارات، حتى غدت سورية، وكما يعلم الجميع ويزوّن بكتب التعليم الابتدائية "سورية الأسد".
وسنحاول عبر الحساب لا الكعاب والسير على طريق المنطق والقانون ونبتعد عن التخمين والتنجيم، أو حتى شائعات المعارضة السورية الحاقدة، فربما يخرج السيد الرئيس وآله وصحبه، بريئاً من كل ما ينسب إليه، وما الثروة المودع جلّها بمصارف الدول الديمقراطية، سوى وفر حققه بشار الأسد، جراء الإنفاق الإداري، من مرتبه والمهام الخارجية التي كان يخرج خلالها، طبعاً قبل أن يسجن نفسه بسورية، منذ ثورة الحرية والكرامة عام 2011.
ولأننا نؤثر الحساب والمنطق، سنعتبر أن حصة ميراث بشار الأسد من ثروة أبيه المقدرة وبالحد الأدنى، 35 مليار دولار، تبلغ 10 مليارات دولار، آخذين بالاعتبار ما تم تجميده من أرصدة الأخوين المتوفيين وحصة الأخت بشرى ونصيب سيادة اللواء.
وبدأ السيد الرئيس، بتنمية ثروته بالتوازي مع ميراثه الحكم، أي منذ نحو عشرين سنة تقريباً، وكلكم يعلم أن السيد الرئيس درس لبضعة أشهر ببريطانيا، وتعلمون التطور بأساليب الاستثمار بعاصمة المال لبندن، كما لديه أصدقاء تجار وصناعيون كثر، تشارك مع بعضهم، هم بمالهم وهو باسمه وقوة القانون، ولديه أبناء أخوال وعمومة، يصنفون بأباطرة المال والتهريب بسورية، فقد يكون شاركهم، هذا طبعاً إن لم ندخل أموال المهام الخارجية والعمل الإضافي، على اعتبار السيد الرئيس يواصل نهاره بليله ليقضي على المؤامرة الكونية المعلنة عليه.
أبعد كل هذا، هل من شك إن كانت ثروة بشار الأسد، المسجلة باسمه وأسماء شركائه وشخصيات مقربة، تبلغ فقط 122 مليار دولار فقط لا غير.
أعتقد أن السؤال الأول الذي سيقفز إلى ذهن القارئ هو، كيف تدعي المنطق وترمي بهذا الرقم الهائل، دونما أن تقول لنا من أين حصلت عليه؟!
لم نأت على قانون لماذا قتلت هذا لأنكم أعزائي، ستتهمونا بالخروج عن الموضوع وخرق الشفافية
أقول ثانية، عليكم نور ومعكم كل الحق، هذا الرقم يا سادة يا محترمين، ليس من مخيلتي أو اختراعي، بل هو الرقم شبه الأكيد، الذي انطلق منه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عام 2014، عندما حلم باسترداد الأموال المنهوبة.
ربما نقلتكم إلى حيّز أكثر تشويقاً، ويتوثب على شفاهكم سؤال، وماذا حصل؟ هل استردت المعارضة أموال الشعب السوري التي سرقها الأب والأبناء؟! وخاصة أن الجامعة العربية فرضت عقوبات منذ منتصف 2011 على نظام الأسد ووقفت إلى جانب المعارضة، بل قرار الجامعة رقم (7442 – 2011/11/27 ) الذي نصت الفقرة الرابعة منه على تجميد الأرصدة المالية للحكومة السورية، إضافة لقرار الجامعة رقم (7595– ج4-2013/3/6)، الذي نص في الفقرة الأولى منه على التأكيد على اعتبار الائتلاف الوطني السوري الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري والمحاور الأساسي مع جامعة الدول العربية.
يؤسفني أن أقول لكم، لم تسترد المعارضة ولا "بنساً واحداً" بل باءت كل محاولات اللجنة القانونية بالائتلاف وقتذاك، بالفشل والخيبة.
والسبب، ليس بندرة المعلومات المؤكدة والموثقة حول تلك الأموال وعدم وجود قاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها، والركون لها كأدلة مادّية تصلح لبناء ملف مستوف لشرائطه القانونية يكون قاعدة أساس لتلك المطالبة، بل لأن الدول الكبرى في "مجموعة الثماني" أو مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة، لم يتخذوا أي إجراءات ضد النظام السوري ورموزه، سوى تجميد أصول بعضهم، من دون البدء بمحاولة استردادها، كما جرى في ملاحقة الأصول في دول الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا.
كما للشفافية والأمانة، على اعتبار أننا نكتب عن الشفافية ومكافحة الفساد، أعتقد أن متابعة الأموال المنهوبة والتقصّي عنها يحتاج أولاً لتوفر الصفة القانونية للجهة التي تطالب بها، وهذا غير متوفر لدى المعارضة، وتتطلب ثانياً وجود كوادر قانونية ومصرفية على مستوى عال من الكفاءة والخبرة للقيام بتلك المهمة، أيضاً هذا غير متوفر لدى المعارضة، وتحتاج إلى تعاون دولي حقيقي في هذا الشأن، وهذا الأهم، ليس فقط غير متاح، بل ثمة إعاقة واضحة لمسها السوريون، من دول "أصدقاء الشعب السوري" ورعاة الديمقراطية بالعالم، أن الأمر وحينما يصل للمساس ببشار الأسد، تختلف الأقوال وتتلاشى الأفعال.
نهاية القول وعود على بدء، كيف لنظام بشار الأسد، أسّ الفساد وأساسه، أن يصدر قانون "من أين لك هذا" ليكون فيصلاً بوصول المسؤولين لمناصبهم أو لاستعادة المال العام المنهوب، وهو القدوة، وصل لموقعه بفعل النسب ليس إلا "ابن الرئيس" وكوّن ثروة ربما تعدّ من أكبر ثروات الرؤساء بالعالم، والأنكى وكما يعلم جميع السوريين، أن شرط المنصب بسورية هو الولاء للقائد أولاً، فضلاً أن لكل منصب بسورية ثمناً، ابتداءً من عضو مجلس الشعب مروراً بمدير عام وصولاً للوزير.
طبعاً، إن لم نأت على قانون "لماذا قتلت هذا" لأنكم أعزائي، ستتهمونا بالخروج عن الموضوع وخرق الشفافية.