تهويد المكان الفلسطيني المهمة المستحيلة
مأمون كيوان
خاص ألف
2019-10-05
توزع وزارة السياحة الإسرائيلية على السياح الأجانب القادمين إلى القدس، خرائط سياحية ، تُظهر ستة مواقع دينية مسيحية وإسلامية فقط، من أصل 57 موقعاً سياحياً، وأبرزت مواقع وكُنس لليهود، وتم استبدال الاسماء الاصلية للمواقع الستة باسماء عبرية عليها حيث اطلقت اسم "جبل الهيكل" على مسجد قبة الصخرة، و"اسطبلات سليمان" على المسجد الاقصى.
وكانت وزارة النقل الإسرائيلية قد اعلنت في العام 2009، أنها ستمحو الأسماء العربية لبلدات فلسطينية تقع داخل ما يسمى "الخط الأخضر" من لوحات اتجاهات السير للإبقاء على الاسم العبري وحده.
ودأبت إسرائيل على إصدار خرائط وأطالس عبرانية لفلسطين التاريخية، فأصدرت على سبيل المثال، خريطة معدلة للخريطة التي وضعتها حكومة الانتداب البريطاني في سنة 1944. وجعلت التسميات العبرية للأماكن الفلسطينية محل التسميات القديمة المعروفة.
وفي هذا السياق نشرت، وعلى فترات متعاقبة "أطلس الطرق" و "كل البلاد" و"المعجم الجغرافي لأرض إسرائيل" و"الدليل السياحي" وغير ذلك من الموسوعات والخرائط و البلدانيات.
ويرجع التفكير والأداء الخاص بتهويد أسماء المعالم الفلسطينية إلى "صندوق استكشاف فلسطين" الذي قام بعملية مسح للبلاد بين 1871_ 1877، وجمع أسماء المواقع القديمة والخرائب والقرى، وأعدّ قوائم للأسماء تحوي أكثر من 10آلاف اسم نقلت بحروف إنجليزية. وبعد ذلك طبع الصندوق خارطة لفلسطين الغربية على أربعة أشكال:?الأولى، عليها الأسماء العربية الحديثة؛ الثانية، عليها أسماء العهد القديم ( التناخ ) ؛ الثالثة، عليها أسماء العهد الجديد ( الأناجيل )؛ الرابعة، عليها أسماء مصادر المياه وتوزيعها.
وقبل الإعلان عن قيام إسرائيل كانت "الهوية اليهودية" لفلسطين إحدى المسلمات التي لا جدال فيها لدى التيارات الصهيونية المختلفة. فقد قدم شموئيل كاتس، عضو الكنيست الأولى وأحد مؤسسي حركة أرض إسرائيل الكاملة، ومستشار رئيس الحكومة مناحيم بيغن نسخة تقليدية للتوصيف الصهيوني الخاص بموقع فلسطين في الصراع الدائر حول هويتها، فذهب في أحد مقالاته إلى أن ليس هناك شعب فلسطيني تاريخي، وليس هناك في التاريخ العربي شيء اسمه فلسطين. وأورد قول بن غوريون (رئيس الوكالة اليهودية ) أمام اللجنة الانجلو أميركية للتحقيق عام 1945 بأن "هذا البلد صنع منا شعباً، وشعبنا ص نع هذا البلد. لم يصنع أي شعب آخر غيرنا هذا البلد، كما أن هذا البلد لم ينجب أي شعب آخر".
ولم تحدث عملية تهويد أسماء المعالم الفلسطينية دفعة واحدة، حتى أنه في السنوات الأولى لقيام إسرائيل كانت بعض المؤسسات والوزارات الإسرائيلية تستخدم التسميات الفلسطينية / العربية. فمثلاً، تضمن الكتاب السنوي الهيدرولوجي الصادر عن وزارة الزراعة أسماء غير مهودة لأنهار ووديان ( مثل: الزرقاء - العوجا - الحاصباني - بانياس - القرن -الحلزون - اسكندرونة - الحنداج) وينابيع (مثل: عين المشرفة - عين التينة - عين الفوار- عين عسل) لكن هذه المرحلة لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما شنَّت إسرائيل حملة تهويدية استهدفت طمس الأسماء الفلسطينية / العربية للمناطق والمواقع والمعالم � �لجغرافية في البلاد، وإحلال أسماء عبرية / تهويدية مكانها. فالمدن الفلسطينية التالية: صفد،عكا، طبرية، الناصرة، بيسان، قيسارية، شفاعمرو، لاشيش، يافا، أسدود، عسقلان، الرملة، اللد، الخضيرة، نابلس، جنين، بيت لحم، الخليل، بئر السبع، المرشرش، القدس أطلقت عليها الأسماء التالية: تسفات، عكو، طفرياه، نتسيريت، بيت شآن، كيساري، شفارعام، لخيش، يافو، أشدود، اشكلون، رملاه، لود، حديرا، شليم، جنيم، بيت ليحيم، حفرون، بئير شيفع، ايلات، يروشلايم.
ومرّت عملية تهويد الأسماء بمحطات كثيرة، وتوزّعت التسميات الصهيونية للمعالم الفلسطينية وفق عدد من الأنماط منها:
أسمـاء تنــاخية: حيث قسمت المؤلفات اليهودية الدينية والتاريخية أرض فلسطين إلى مناطق جغرافية / إدارية، بالطريقة التي تحدث عنها التناخ (= العهد القديم) في سفر يشوع، أي بين أسباط بني إسرائيل. وبهذا أقدمت تلك المؤلفات على إجراء مطابقة قسرية ومصطنعة? بين الرواية التناخية وبين الأرض الفلسطينية، في وقت لم تُحسم فيه بعد مسألة "الجغرافية التاريخية للتناخ"، بل وتزداد باطّراد المسافة بين هذه الجغرافية المتصورة ومعطيات علم الآثار والتنقيبات العلمية المحايدة.
وحسب ذلك التقسيم جرت تسمية المناطق الفلسطينية على النحو التالي: منطقتا حيفا وعكا، حتى الليطاني سميتا أشير، الجليل الشرقي سمي نفتالي، منطقتا طبرية وبيسان سميتا أفرايم، منطقة اللد والرملة ويافا سميتا شمعون.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الغالبية العظمى لأسماء الأماكن التي تزعم المصادر اليهودية أنها عبرية، هي أسماء كنعانية انتحلتها إسرائيل، كما في الأسماء السابقة، وغيرها مثل: يردن = الأردن، عكو= عكا، يافو = يافا، نصريت أونتسريت = الناصرة.
تسميات تلموديـــة: أطلقت هذه التسميات على أماكن ورد ذكرها في المشنا (والتلمود عموماً). وكانت مستعملة في العهدين البيزنطي والروماني، ومنها مثلاً: خربة نبرتين (في الجليل الأعلى) سميت خربة نبورياه، وخربة المنارة (في الجليل الأسفل ) سميت : خربة منوريم.
الجدير ذكره، أن لوثة تغيير تسميات الجغرافيا الفلسطينية تشير إلى تمسك الإسرائيليين بأكاذيب ما يسمى "علم الآثار التوراتي". متجاهلين وجود مؤلفات إسرائيلية تفكك تلك الأكاذيب، قدمها مؤرخون ومستشرقون إسرائيليون جدد من أمثال: المؤرخ الإسرائيلي البروفيسور شلومو ساند (أو زاند بالعبرية) الذي قدم بعد كتابه الأول "الشعب اليهودي شعب مختلق" أو اختراع الشعب اليهودي الذي أثار ضجة وردود فعل غاضبة في الأوساط الصهيونية العالمية، خاصة في الولايات المتحدة، كتابًا جديدًا بعنوان "أرض إسرائيل اصطلاح مختلق" اتبع فيه نفس منهجه في كتابه الأول لإثبات ف رضيته بأنه كما لا يوجد شعب يهودي، وأن المصطلح من أساسه مختلق، فإنه لا يوجد بالتالي أرض لهذا الشعب، أي أن مقولة أرض إسرائيل "إيرتز إسرائيل" هي الأخرى اختراع صهيوني. وبحث ساند في كتابه الجديد العلاقة بين الحركة الصهيونية بالأرض (الفلسطينية) منذ البداية، وكيف تبنت مقولة الحق التاريخي وبنت عليها أسطورة وذاكرة الشعب اليهودي القديم والآباء العبرانيين الذين سكنوا مملكة يهودا في زمن الهيكل الأول والثاني.
وهناك مراجع وكتب ودراسات ومقالات عربية مهمة تكشف النقاب عن مقاصد الاستشراق الغربي والاستشراق الإسرائيلي وإفلاس علم الآثار التوراتي، من أهمها: كتاب "الموجز في تاريخ فلسطين السياسي منذ فجر التاريخ حتى سنة 1949". الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، الطبعة الأولى 1996، للدكتور إلياس شوفاني، الذي أثار مسألة تسمية فلسطين، وإشار إلى أنه منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد يرد اسم أرض-كنعان للدلالة على فلسطين، كلها أو بعضها. وأنه في المصادر الأشورية التي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد يرد اسم فلستيا، أو فلستو للدلالة على الجزء الجنوبي من الساحل الفلسطيني، كما ترد صيغة مشابهة في التوراة. ايرتس بلشتيم "أرض الفلسطينيين". والاسم فلسطين (بالستاين)، باللهجة الآرامية ورد لأول مرة عند المؤرخ اليوناني هيردوتس بصيغة "سورية الفلسطينية" للدلالة على الجزء الجنوبي من سورية.