التناص بين التوراة والقرآن دراسة مقارنة 12
فراس الســواح
خاص ألف
2019-10-04
ترد قصة يونس، أو يونان كما يدعى في التوراة، موزعة في القرآن الكريم على المواضع التالية:
«فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ# لَوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ#» (68 القلم: 48-49).
«فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ» (10 يونس: 98).
«وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ# فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ#» (21 الأنبياء: 87-88).
«وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ# إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ# فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ# فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ# فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ# لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ# فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ# وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ# وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ# فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ#» (37 الصافات: 139-148).
وبإعادة ترتيب الأحداث المبعثرة في هذه المواضع الأربعة ووضعها في تتابع زمني، يمكن أن نسرد القصة مجدداً وفق ما يلي:
- «وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ».
- «وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ....». (و "ذا النون" هنا تعني "صاحب الحوت" أي يونس نفسه).
- «إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ». (أي هرب وركب في سفينة مثقلة بالبضائع والركاب).
- «فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ». (أي فشارك في القرعة ولكنه خسر).
- «فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ». (أي ابتلعه الحوت بعد أن فعل ما يُلام عليه).
- «....فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».
- «فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ# لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ#».
- «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ....».
- «فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ». (أي فقذفه الحوت من بطنه إلى اليابسة وهو متعب ومعلول).
- «وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ».
- «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ».
- «فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ».
إلا أن القصة تبقى مع ذلك مليئة بالغوامض. والأسئلة التالية تبقى مفتوحة:
1- لماذا ذهب يونس مُغاضباً، ومن الذي غاضبه؟ وكيف أمن أن الرب لن يقدر عليه؟
2- لماذا لجأ إلى تلك السفينة المشحونة والمثقلة بالبضائع والركاب؟ وما هي وجهته؟
3- ما هو موضوع القرعة التي ساهم بها وخسر؟
4- كيف وجد نفسه في الماء فالتقمه الحوت؟
5- ما قصة شجرة اليقطين التي أنبتها الله عليه فظللته؟
6- من هم أولئك القوم الذين آمنوا برسالة يونس، والذين يزيد تعدادهم عن المئة ألف؟
هذه التساؤلات تجيب عنها الرواية التوراتية للقصة التي يبسطها سفر يونان القصير. فقد اختار الرب يونان للتبشير في مدينة نينوى الآشورية، وتحذير أهلها الذين كثر شرهم من غضب الرب. ولكن يونان حاول التملص من هذا الواجب، وظن أن الرب لن يطاله إذا سافر إلى مكان بعيد. وهذا هو النص الكامل تقريباً للسفر وفق الترجمة الكاثوليكية للعهد القديم:
"كانت كلمة الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً: قم انطلق إلى نينوى المدينة العظيمة، ونادِ عليها فإن شرها قد كثر أمامي. فقام يونان ليهرب إلى ترشيش (= أسبانيا) من وجه الرب، ونزل إلى يافا فوجد سفينة سائرة إلى ترشيش، فأدى أجرتها ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش من وجه الرب. فألقى الرب ريحاً عظيمة في البحر فأشرفت السفينة على الانكسار، فخاف الملاحون وصرخوا كل إلى إلهه، وألقوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليخففوا عنهم. أما يونان فنزل إلى جوف السفينة واضطجع واستغرق في النوم. فدنا منه رئيس النوتية وقال له: ما بك مستغرقاً في النوم؟ قم فادع إلهك لعل الله يفكر بنا فلا نهلك. وقال كلٌّ لصاحبه: هلموا نُلقِ قُرَعاً لنعلم بسبب من أصابنا هذا الشر. فألقوا قُرَعاً فوقعت القرعة على يونان، فقالوا له: أخبرنا بسبب من أصابنا هذا الشر؟ ما عملك، ومن أين جئت، وما أرضك، ومن أي شعب أنت؟ فقال لهم: أنا عبراني، وإني أتقي الرب إله السماوات الذي صنع البحر واليبس. فخاف الرجال خوفاً عظيماً وقالوا له: لماذا صنعت ذلك؟ وقد علموا أنه هارب من وجه الرب لأنه أخبرهم. وقالوا له: ماذا نفعل بك حتى يسكن البحر عنا؟ وكان البحر يزداد هياجاً. فقال لهم: خذوني وألقوني إلى البحر فيسكن البحر عنكم، فإني عارف أن هذه الزوبعة العظيمة إنما حلت بكم بسببي... فصرخوا إلى الرب وقالوا: أيها الرب لا نهلكن بسبب نفس هذا الرجل، ولا تجعل علينا دماً بريئاً فإنك أنت أيها الرب قد صنعت كما شئت. ثم أخذوا يونان وألقوه إلى البحر فوقف البحر عن تموجه...
فأعد الرب حوتاً عظيماً لابتلاع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال. فصلى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت وقال: إلى الرب صرخت في ضيقي فاستجاب لي، من جوف الجحيم استغثت فسُمع صوتي ...إلخ (صلاة طويلة). فأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى اليبس.
وكانت كلمة الرب إلى يونان ثانية قائلاً: قم انطلق إلى نينوى المدينة العظيمة، وناد عليها المناداة التي كلّمتك بها. فقام يونان وانطلق إلى نينوى بحسب كلمة الرب. وكانت نينوى مدينة عظيمة على مسيرة ثلاثة أيام. فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد، ونادى وقال: بعد أربعين يوماً تنقلب نينوى. فآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصومٍ ولبسوا مسوحاً من كبيرهم إلى صغيرهم. وبلغ الكلام ملك نينوى، فقام عن عرشه وألقى عنه حلته والتف بمِسحٍ وجلس على الرماد، وأمر أن ينادى ويقال في نينوى عن أمر الملك وعظمائه: لا يذق بشر ولا بهيمة ولا بقر ولا غنم شيئاً، ولا ترع ولا تشرب ماءً، وليلتف البشر بمسوح وليصرخوا إلى الله بشدة، ويتوبوا كل واحد عن طريقه الشرير، لعل الله يرجع ويندم ويعود عن اضطرام غضبه فلا نهلك. فرأى الله أعمالهم أنهم تابوا عن طريقهم الشرير، فندم الله على الشر الذي قال إنه يصنع بهم، ولم يصنعه.
فساء الأمر يونان مساءة عظيمة، وصلى إلى الرب وقال: أيها الرب، ألم يكن هذا كلامي وأنا في أرضي ولذلك بادرت بالهرب إلى ترشيش؟ فإني علمت أنك إله رؤوف رحيم طويل الأناة كثير الرحمة ونادم على الشر. فالآن يا رب خذ نفسي مني فإنه خير لي أن أموت من أن أحيا. فقال الرب: أبحقٍّ غضبك؟
وخرج يونان وجلس شرقي المدينة وصنع له مظلة وجلس تحتها في الظل ريثما يرى ماذا يصيب المدينة. فأعد الرب الإله يقطينة([1])، فارتفعت فوق يونان ليكون على رأسه ظل. ففرح يونان باليقطينة فرحاً عظيماً. ثم أعد الله دودة عند طلوع الفجر في الغد فضربت اليقطينة فجفت. فلما أشرقت الشمس أعد الله ريحاً شرقية حارة فضربت رأس يونان فغشي عليه، فتمنى الموت لنفسه وقال: إنه خير لي أن أموت من أنا أحيا. فقال الله ليونان: أبحقٌّ غضبك لأجل اليقطينة؟ فقال: بحقٍّ غضبي إلى الموت. فقال الرب: لقد أشفقتَ أنت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولم تُربِّها، التي نشأت بنت ليلة وهلكت بنت ليلة، أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة (= 120.000 نسمة لأن الربوة تعادل 10.000) من أناس لا يعرفون يمينهم من شمالهم، ما عدا بهائم كثيرة؟
. - كانت كلمة الرب إلى يونان بن متاي قائلاً...
- «وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» (37 الصافات 139).
- فقام يونان ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب.
- «وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ....» (21 الأنبياء 87)
- فنزل إلى يافا فوجد سفينة فأدى أجرتها ونزل فيها.
- «إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ» (37 الصافات 140)
- فكانت زوبعة عظيمة وأشرفت السفينة على الانكسار.
- .... .... ....
- قالوا هلم نلقي قرعاً لنعلم بسبب من أصابنا هذا الشر... فوقعت القرعة على يونان.
- «فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ» (37 الصافات 141)
- فأخذوا يونان وألقوه إلى البحر فوقف عن تموجه.
- .... .... ....
- فأعد الرب حوتاً عظيماً لابتلاع يونان. فكان في جوف الحوت ثلاثة أيام.
- «فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ» (37 الصافات 142)
- فصلى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت.
- «....فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ....» (21 الأنبياء 87)
- فأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى اليبس.
- «فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ» (37 الصافات 145)
- وكانت كلمة الرب إلى يونان ثانية: قم انطلق إلى نينوى... التي فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس (= مئة وعشرين ألفاً).
- «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» (37 الصافات 147)
- فآمن أهل نينوى بالله، وصاموا ولبسوا مسوحاً.
- «فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ» (37 الصافات 148)
- وخرج يونان من المدينة وجلس ريثما يرى ماذا يصيب المدينة.
- .... .... ....
- فأعد الله يقطينة فارتفعت فوق يونان ليكون على رأسه ظل.
- «وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ» (37 الصافات 146)
[1]- ورد اسم هذه الشجرة في الترجمة البروتستاندية على أنه يقطينة، بينما قالت الترجمة الكاثوليكية "خروعة"، وهي فصيلة من النبات ينتمي إليه اليقطين.