وائل المنتحر إنسان... والشك حول إنسانيتنا
عدنان عبد الرزاق
2019-11-02
النتيجة أن الطفل السوري، وائل السعود"9 سنوات" مات مشنوقاً على مدخل مقبرة حي كارتيبي بولاية كوجة ايلي بتركيا، وما أصدرته وزارة التربية والتعليم التركية، خلال بيانها أمس، والذي ينفي تعرّض الطفل وائل للعنصرية والتنمّر من قبل مدرّسه وتلاميذ صفه، أو الاحتمالات الثلاثة التي أعلنتها رابطة المعلمين السوريين بتركيا، والتي يأتي الانتحار أولها، أو حتى حملة "أنا إنسان" التي انطلقت مساء أمس بإسطنبول، ضد خطاب الكراهية والتمييز والعنصرية، تبقى جميعها تفاصيل أو تبرير بغير مكانه إن لم نقل أكثر، لأن كرامة الطفل وجرأته، فاقت تأويلات العجز وتقاذف المسؤولية، فاختار نهاية تليق بالقادة والأبطال.
والقصة لمن يسمع بها، أن طفلاً سورياً، كان يقيم بولاية كوجة ايلي القريبة من اسطنبول، جاءها من ولاية هاتاي القريبة على الحدود التركية السورية، هارباً منذ ثماني سنوات من حمم وقذائف جيش بشار الأسد وطيرانه، ليلقى الموت وبطريقة شغلت الرأي العام التركي، بعد ما قيل عن تعرضه لـ"الإساءة والرفض الاجتماعي والكراهية" من بعض زملائه ومعلميه بالمدرسة التركية، ما دفعه لكره "العلم المشروط" رغم تفوقه العام الفائت، وبكائه ورفضه الذهاب للمدرسة، قبل أن يقدم على الانتحار الخميس الفائت، ويوارى الثرى أمس السبت.
لا طائل ربما، من الندب أو حتى توزيع الاتهامات، رغم ما قد توحي به، قصة "قتل " وائل، وما يمكن البناء على انتحار أو نحر، طفل رفض ما يقبله كثيرون، حتى ممن صادر حلم وائل، بعد أن سرقوا ثورته وتمثيلها، ليأخذوا كما السوائل، شكل الإناء الذي يوضعون فيه.
بيد أن هذه السابقة التي ليس من المستبعد أن تتكرر، تستدعي الوقوف والعمل، بواقع تصاعد حملات التحشيد والكراهية بتركيا، بعد أن بدأها حزب الشعب الجمهوري المعارض، منذ ثلاث سنوات، وتابع وسواه ممن يهمهم الأمر، بتحميل السوريين، أسباب تردي واقع معيشة أتراك وزيادة نسبة البطالة، بل وحتى نسبوا لوجود السوريين بتركيا، أسباب سوء علاقة بلادهم السياسية، ليس مع نظام الأسد، بل حتى مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وتنامي الكراهية والملاحقة والدعوة إلى طرد "المهاجرين" وصلت إلى مستوى، ليس من الاتهامية وصفه بالعام بتركيا، ولعل بما كشفه استطلاع مركز الدراسات التركي في جامعة "قادر هاس" أخيراً، يدعوا السوريين والأتراك، ليدقوا معاً، ناقوس الخطر.
وبلغة الأرقام، خلص المركز التركي بعد استطلاع على عينة من الأتراك في مختلف المحافظات وعلى مدار أربعة أعوام، أن نسبة رفض اللاجئين السوريين وصلت إلى 67 في المائة في عام 2019، بعدما كانت نحو 57 في المائة في عام 2016.
وربما الدهشة بنتائج الاستطلاع، جاءت من نسبة رفض جمهور حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، ووصولها إلى 59 في المائة، بعد أن قالوا ولأعوام "السوريون مهاجرون ونحن الأنصار"، لتأتي نسبة رفض وجود السوريين في مجتمع حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، بأكثر من 80 في المائة.
وحملات الكراهية والرفض الاجتماعي للسوريين بتركيا، لم تقتصر على قطاع العمل، بل وصلت إلى صفوف المدارس، وها هو تقرير مركز الدراسات الاجتماعية التابع لمؤسسة التنمية البشرية التركية "İNGEV" يكشف أن أكثر من نصف أفراد المجتمع التركي لا يرغبون بأن يكون أصدقاء أطفالهم من السوريين. نظراً لوجود مسافة بين المجتمع التركي المضيف واللاجئين السوريين.
ولم تبتعد نسب الرافضين هنا عن الاستطلاع السابق، فتقرير "الدراسات الاجتماعية" قال، إن 55 في المائة من الأتراك لا يرغبون بأن يكوّن أطفالهم صداقات مع سوريين، وأن 48 في المائة من المجتمع التركي يرى أن العلاقة بين الأتراك والسوريين تندرج ضمن أكثر العلاقات الاجتماعية توتراً.
وليستوي القول، تعالوا نطلع على ما قاله تقرير مركز الدراسات الاجتماعية، عن انطباع السوريين بتركيا، فنسبة 84 في المائة من السوريين، شعروا بالامتنان للأتراك لما قدموه من بيئة آمنة.
إذاً، وحسب الأرقام والمسوحات واستمزاج الآراء، بات السوريون غير مرغوب بهم من الأتراك، أو بصيغة أدق، من غالبية الأتراك، وربما الرفض يتسع بالتوازي مع استمرار حملات الكراهية والتحشيد، التي تقودها أحزاب المعارضة على نحو خاص، ويستجيب لها الأتراك بشكل عام.
فما العمل اليوم وكيف يضمن السوريون قبولاً من مجتمعهم الجديد دون أن يدفعوا فواتير السياسة، أين تتوزع المسؤولية الأدوار بين الحكومة التركية والسوريين أنفسهم...وكيف يمكن تجاوز المرحلة أو حتى شراء الزمن، فهذا هو السؤال.