18 سقوط الإنسان
لم يطل الوقت بآدم وزوجه في الجنة، لأن معصيتهما للخالق قد تسببت بطردهما من الجنة إلى الأرض القاحلة ليُحصّلا قوتهما منها بالتعب والعرق. وسنبتدئ أولاً بسرد الرواية الرسمية التوراتية لقصة السقوط كما وردت في سفر التكوين، ثم ننتقل إلى الرواية غير الرسمية التي وردت في الأسفار غير القانونية.
الرواية التوراتية :
"وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها. وأوصى الرب الإله آدم قائلاً: من كل شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت" (التكوين 2: 15-16).
وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. فقال: ومن أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي التي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عَقِبَهُ. وقال للمرأة: تكثيراً أُكثّر من أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولاداً، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك. وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكاً وحسكاً تنبت لك، وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أُخذت منها، لأنك من تراب وإلى تراب تعود.
ودعا آدم اسم امرأته حواء، لأنها أم كل حي. وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما. وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان صار كواحد منا عارفاً الخير والشر، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد. فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل في الأرض التي أُخذ منها، فطَرَدَ الإنسانَ، وأقام الرب شرقي جنة عدن: الكروبيم (= ملائكة مجنحة حارسة) ولهيبَ سيف متقلب، لحراسة طريق شجرة الحياة" (التكوين 3: 1-24).
في هذه القصة الرسمية لسقوط الإنسان نلاحظ غياب الشيطان عن مسرح الحدث، ولا يوجد ما يشير إلى أن الحية التي أغوت حواء بالأكل من الشجرة المحرمة كانت قناعاً للشيطان. أما بعد تشكُّل ونضوج لاهوت الشيطان في القرنين السابقين للميلاد وما تلاهما، فقد عمدت الأسفار غير القانونية إلى المطابقة بين الحية والشيطان، وتشابكت قصة سقوط إبليس مع قصة سقوط الإنسان. فإبليس هو الذي تخفى في هيئة الحية وتسلل إلى الفردوس لكي ينتقم من آدم الذي كان سبب بليته وخسارة مجده السماوي. وعلى ما قرأنا في المقتبس الذي أوردناه سابقاً من كتاب حياة آدم، يقول الشيطان إنه بعد طرده مع أتباعه من مقره الأعلى إلى الأرض، لبث يندب مجده الضائع بحزن وأسى. وقد آلمه أن يرى آدم ينعم هناك بالبركة والسرور، فجاء زوجته بالخديعة وأغواها فجعلها سبب فقدانه أفراح النعيم. وفي سفر أسرار أخنوخ (أو أخنوخ الثاني) يشبك المحرر القصتين على الشكل التالي:
"وفي اليوم السادس خلق الرب الإنسان من سبعة عناصر، فجعل لحمه من تراب الأرض ودمه من الندى، وعينيه من الشمس، وعظمه من الصخر، وذكائه من الغيوم ومن سرعة الملائكة، وشعره وأوردته من عشب الأرض، وروحه من نفَس الرب ومن الريح، ودعا اسمه آدم. ثم أسكن الرب آدم في جنة زرعها على الأرض في عدن شرقاً ليرعى عهده ووصاياه، وأراه طريقين: طريق النور وطريق الظلام، وقال له هذاحسن وذاك سيئ. ومع ذلك فقد كان الخالق مطلعاً على فؤاد آدم عارفاً بطبيعته الخاطئة، فقال في نفسه: وهل بعد الخطيئة سوى الموت. ثم أوقع الرب سباتاً على آدم وأخذ من أضلاعه واحداً وخلق منه زوجاً له دعاها حواء. ولكن الشيطان تسلل إلى الفردوس وأغوى حواء وجعلها تخطئ ولكنه لم يقارب آدم([1]).
الرواية القرآنية:
في الرواية القرآنية تتشابك قصة سقوط إبليس مع قصة سقوط الإنسان. نقرأ في سورة البقرة:
«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ# وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ# فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ# فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ#» (2 البقرة: 34-37).
وفي تنويع ثانٍ على القصة يُدخل عليها عناصر جديدة، نقرأ في سورة الأعراف: «وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ# فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ# وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ# فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ# قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ# قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ#» (7 الأعراف: 19-24).
وفي تنويع ثالث نقرأ في سورة طه:
«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى# فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى# إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى# وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى# فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى# فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى# ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى# قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى# وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى#» (20 طه: 116-124).
تقوم الرواية القرآنية على العناصر الرئيسة لرواية سفر التكوين، ولكنها تختلف عنها في النقاط التالية:
1- المغوي في الرواية القرآنية هو الشيطان لا الحية. وهذا ما تشترك به مع الأسفار غير القانونية.
2- الشيطان لا يوسوس إلى حواء بل إلى آدم، وذلك في قوله: «فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ....» (20 طه: 120). وفي تنويع آخر يوسوس الشيطان إلى الزوجين معاً، وذلك في قوله: «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ....» (7 الأعراف: 20). الأمر الذي يرفع عن حواء وزر الخطيئة الأولى.
3- لا تبادر حواء إلى الأكل من ثمر الشجرة ثم تغري زوجها بالأكل، بل إن الزوجين يأكلان منها معاً: «فَأَكَلاَ مِنْهَا....» (20 طه: 121). «....فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ....» (7 الأعراف: 22). وهنا تغيب الإشارة إلى من هو البادئ بالأكل والمحرض عليه.
4- لا يوجد في الجنة شجرتان مميزتان هما شجرة المعرفة وشجرة الحياة، بل شجرة واحدة يدعوها الشيطان شجرة الخُلد (أي الحياة الخالدة). وربما قصد النص إلى القول بأن هذا هو اسمها الحقيقي. ومن الناحية اللغوية فإن شجرة الخلد وشجرة الحياة تؤديان المعنى نفسه. وقد أكل الزوجان من شجرة الخلد. فإذا كان المعنى الباطني للأكل من الشجرة هو الفعل الجنسي على ما يذهب إليه كثير من مفسري الكتاب المقدس، فإن الخلد هنا هو خلود الجنس البشري الذي أدى إليه ذلك الفعل الجنسي الاستهلالي. وفيما عدا ذلك فإن الروايتين تشتركان في البنية العامة وفي المفاصل الرئيسة للحبكة، على ما تبينه المقارنة التالية:
سفر التكوين
الرواية القرآنية
1- وأخذ الرب الإله آدم وأسكنه في جنة عدن... وأوصى الرب آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت.
- «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ» (2 البقرة 35).
2- فقالت الحية للمرأة: أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تلمساه لئلا تموتا. فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منها تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر.
- «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا....» (7 الأعراف 20)
«....قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى» (20 طه 120)
«وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ» (7 الأعراف 21)
3- فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، فأخذت من ثمرها وأعطت زوجها أيضاً.
- «فَأَكَلاَ مِنْهَا....» (20 طه: 121)
4- فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانين، فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر.
- «....فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ....» (7 الأعراف 22)
5- فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فاختبأت لأني عريان. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟
- ....وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (7 الأعراف 22)
6- وقال الرب لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة، ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أُخذْتَ منها...
فطرد الرب الإنسان.
- «قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ....» (20 طه 123).
«....وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ» (7 الأعراف 24)
7- وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر،والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد.
- ....وَقَالَ([2]) مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (7 الأعراف 20)
إلى هذا فقد احتوت الرواية القرآنية على أهم عنصر في الرواية التوراتية غير الرسمية، وهي استبدال الحية بالشيطان. كما احتوت على عنصر هام آخر وهو توبة آدم التي قبلها الرب: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (سورة البقرة). وتوبة آدم مفصلة في كتاب حياة آدم الي اقتبسنا منه في موضع سابق، وهو يحكي عن أحوال الزوجين على الأرض. فبعد طردهما من الفردوس:
"مشى الاثنان مدة تسعة أيام يبحثان عن الطعام، ولكنهما لم يجدا طعاماً يشبه ما كانا يأكلانه في الفردوس، بل طعاماً مما تأكله حيوانات الأرض. فقال آدم لحواء: لقد جعل الرب هذا الطعام نصيباً للحيوانات بينما كنا نتناول هناك طعام الملائكة. من الأفضل لنا أن نبكي أمام الرب فنستغفره، ونعلن الندم والتوبة لعله يسامحنا ويرأف بنا ويزودنا بأسباب الحياة. فقالت حواء: قل لي يا سيدي ما هو الندم؟ وكيف أستغفر؟ لكي لا يأتينا عكس مرادنا ويدير الرب وجهه عنا ولا يعير أذناً صاغية لصلاتنا. سيدي، قد يدوم استغفارك طويلاً، فأنا من جلب عليك العناء والمشقة. فقال آدم: لن يكون بمقدورك القيام بما سأقوم به، ولكن ابذلي قدر استطاعتك. سوف أصوم لمدة أربعين يوماً وأنا غاطس في مياه نهر الأردن، أما أنت فامضي إلى نهر الدجلة وخذي لك حجراً قفي عليه في وسط الماء واغطسي إلى الرقبة ثم البثي سبعة وثلاثين يوماً، والزمي الصمت لأن شفاهنا التي تنجست بالأكل من الثمرة المحرمة غير جديرة بالتوسل إلى الرب، لعله بعملنا هذا يرحمنا ويرأف بنا".
ولكن الشيطان تنكر في هيئة ملاك وضّاء وجاء إلى حواء وحال بينها وبين متابعة استغفارها، ثم قادها إلى آدم مدعياً أن الرب قد استجاب لهما. فلما رآهما آدم قادمين تعرّف على الشيطان فصرخ وانتحب وناداها قائلاً: أين ذهب ندمك واستغفارك؟ وكيف وقعتِ ثانية فريسة لإغواء عدونا الذي حرمنا مسكننا الفردوسي ومتعنا الروحانية. عند ذلك انتبهت حواء إلى خديعة الشيطان فسقطت على وجهها في التراب وصرخت في وجهه: الويل لك أيها الشيطان، لماذا تهاجمنا دون سبب؟ وما الذي فعلناه لك حتى تلاحقنا دوماً بالمكر والخديعة؟ عند ذلك قصّ عليهما الشيطان ما جرى من عصيانه أمر الخالق بالسجود لآدم، وما تبع ذلك من غضب الرب عليه وطرده من السماء. ثم يتابع النص سرد أخبار أسرة آدم وما جرى من نزاع بين قابيل وهابيل؛ وما جرى لبقية أولاد آدم إلى أن حضرته المنية. وينتهي النص بالمشهد التالي:
"ولسبعة أيام أظلمت الشمس وأظلم القمر والنجوم. وكان شيت يحتضن جسد أبيه، وحواء تشبك ذراعيها فوق رأسها المنكس والمستند على ركبتيها، وكل الأولاد يبكون بحرقة. وبينما هم على هذه الحال ظهر الملاك ميكائيل واقفاً عند رأس آدم وخاطب شيت قائلاً: انهض عن جسد أبيك وتعال لأريك ماذا أعد الرب له. فلقد رحم الرب مخلوقه وتاب عليه. وعزف الملائكة بأبواقهم وأنشدوا: مبارك أنت أيها الرب الذي أشفق على مخلوقه. عندها رأى شيت ذراع الرب تمتد فتحمل آدم وتسلمه إلى ميكائيل قائلاً له: ليكن آدم في حرز لديك إلى يوم الدينونة في آخر الزمن. عندها سأحول حزنه إلى فرح، وأجعله يتربع على عرش الذي غلبه (= الشيطان)"([3]).
قابيل وهابيل
بعد طرد آدم وحواء من الجنة، أنجبت حواء من آدم ولدين: الأول دعي قايين (أو قابيل في الموروث الإسلامي)، والثاني دعي هابيل. وهذه قصتهما كما وردت في سفر التكوين 4: 1-13، وفي سورة المائدة: 27-31.
سفر التكوين: "وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين، ثم عادت فولدت أخاه هابيل. وكان هابيل راعياً للغنم، وكان قايين عاملاً في الأرض. وحدث بعد أيام أن قابيل قدّم من أثمار الأرض قرباناً للرب، وقدّم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب على هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قايين وسقط على وجهه. فقال الرب لقايين: لماذا اغتظت، ولماذا سقطت على وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفعٌ؟ (أي إذا عملت حسناً أفلا تقبل؟).
سورة المائدة: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ# لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ# إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ#»
سفر التكوين: "وكلّم قايين أخاه. وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله. فقال الرب لقايين: أين هابيل أخاك؟ فقال: لا أعلم، أحارس أنا لأخي؟ فقال: ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض، فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك. متى عملتَ الأرض لا تعود تعطيك قوتها، تائهاً وهارباً تكون في الأرض. فقال قايين للرب: ذنبي أعظم من أن يحتمل".
سورة المائدة: «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ# فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ#»
[1]- راجع سفر أسرار اخنوخ في:
- Willis Barnstone, edt, The Other bible, Harper, New York, 1984.
[2]- (لهما الشيطان).
[3]- هذه المقاطع والملخصات هي من ترجمتي عن كتاب حياة آدم. راجع موسوعة الأسفار غير القانونية:
- J. H. Charlesworth, edt, The Old Testament Pseudepigrapha, vol. 2, p.258 ff..